ترجمات عبرية

هآرتس: إسرائيل تدخل الساحة السورية كالفيل وقد تتورط مع الولايات المتحدة

هآرتس – تسفي برئيل – 17/7/2025 إسرائيل تدخل الساحة السورية كالفيل وقد تتورط مع الولايات المتحدة

اتفاق وقف اطلاق النار الذي اعلن عنه احد زعماء الطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ يوسف جربوع، سينتظر الآن الامتحان العملي على الارض. هذا هو الاتفاق الثاني الذي تم التوقيع عليه في هذا الاسبوع بعد ان لم يجف حبر الاتفاق الاول قبل تجدد المعارك. يجب التعامل بحذر مع الاتفاق، خاصة انه من غير الواضح من هي الاطراف التي وقعت عليه ووافقت على تطبيقه. جربوع هو فقط احد الزعماء الثلاثة الروحانيين في الطائفة، وهو معروف بدعمه للتعاون مع نظام الشرع ويعارض التدخل الاجنبي، بما في ذلك تدخل اسرائيل، في المواجهة الحالية وفي شؤون الطائفة بشكل عام. وهو ايضا يعارض حكم ذاتي للدروز ويرى ان مستقبل الطائفة في ان تكون جزء لا يتجزأ من الدولة.

في نفس الوقت حتى الان لم يسمع صوت الزعيم المهيمن على الطائفة، الشيخ حكمت الهاجري، الذي يعارض دمج المليشيات الدرزية في الجيش السوري، ويعتبر الشرع جهادي ما زال يعمل بروح الاسلام المتطرف، التي دعا اليها عندما كان قائد هيئة تحرير الشام، والشخص الذي ما زال يعتمد على مليشيات اسلامية محلية واجنبية، التي لا تسيطر عليها جميعها، واعلن حرب الابادة على الدروز. الزعيم الثالث حمود الحناوي، يعتبر في الواقع صاحب تاثير اقل في الطائفة، لكن موافقته مطلوبة لطرح موقف موحد ازاء الاتفاق.

من غير الواضح ايضا أي مليشيا من المليشيات الدرزية انضمت لوقف اطلاق النار. اخلاصها يتوزع حسب علاقاتها مع زعماء الطائفة الروحانيين، لكن بعضها تتبع سياسة مستقلة ليست دائما تتساوق مع قرارات زعماء الطائفة. مثلا، مليشيا “رجال الكرامة”، التي تعتبر المليشيا الاكبر وفيها 5 – 8 آلاف مقاتل، تؤيد التعاون مع النظام. مقابلها، “لواء الجبل”، التي هي ايضا فيها بضعة آلاف مقاتل، تعارض النظام ونية دمج ابناء الطائفة في الجيش السوري. اضافة اليها، في مدينة السويداء، التي معظمها من الدروز، يعمل “المجلس العسكري” الذي تم تشكيله في شباط الماضي وهو يتكون من عدة مليشيات بقيادة ضابط كبير انشق عن الجيش السوري. 

بالنسبة للحكومة السورية فان الامور لا تقل عن ذلك ضبابية. النظام في الواقع وقع على الاتفاق، لكن لا يوجد أي تأكيد على انه سيلزم المليشيات المرتبطة به، والتي حتى الآن لم تندمج في جيش الشرع الذي بدأ في تشكيله. ايضا مفهوم “الجيش السوري” يمكن ان يكون مفهوم مضلل. صحيح انه توجد اطر هيكلية لالوية وكتائب، وحسب قول وزير الدفاع مرهف أبو قسرة، فان مكتبه نجح في اقناع 130 مليشيا للانضمام الى الجيش الوطني. حتى الآن عشرات المليشيات الصغيرة، من بينها عصابات بدوية مسلحة ومليشيات تعمل في مدن نائية، بالاساس المليشيات الدرزية والقوات الكردية، لم تنضم حتى الآن.

في نهاية شهر أيار انتهى التمديد الذي اعطاه النظام لجميع المليشيات من اجل الانضمام للجيش، وهو موعد الذي بعده من شأن النظام العمل بالقوة لنزع سلاح المليشيات “المارقة”، باستثناء المليشيات الدرزية والكردية، التي وقعت على اتفاقات مبدئية للاندماج في الجيش، لكن تطبيق ذلك سيحتاج الى وقت طويل، لا سيما على خلفية التطورات في السويداء. المليشيات التي تم دمجها تتجند على اساس شخصي وليس كمجموعات لمنع وضع فيه يواصل الجنود الولاء للمليشيا بدلا من الولاء للدولة. هذه يمكن ان تمر في البداية في فترة تاهيل في الاكاديميات العسكرية التي لم يتم اقامة بعضها حتى الآن.

الجسم المركزي في الجيش ما زال يعتمد على نفس المليشيات التي رافقت الشرع في فترة العصيان المدني كجزء من “هيئة تحرير الشام”. الكثير من المقاتلين جاءوا من دول اجنبية مثل الشيشان، روسيا، الاردن، مصر، وبعضهم تم تعيينهم في وظائف رفيعة في الجيش السوري. فقط الوقت سيخبرنا اذا كانوا سينجحون في فرض السيطرة على الجنود الذين لم يأتوا من المليشيات التابعة لهم. في موازاة ذلك، مجموعات مقاتلة حجمها غير معروف، انشقت عن “هيئة تحرير الشام” بعد اسقاط نظام الاسد، وهي تعمل في اطار مليشيات مستقلة معارضة للشرع. هي تتهم الرئيس السوري بخيانة المباديء والتنازل عن فكرة دولة الشريعة والتعاون مع “اعداء الاسلام”. حسب تقارير سورية فان عدد من هذه المليشيات انضم لقوات داعش التي ما زالت تعمل في سوريا، وهي تشارك في تنفيذ العمليات التخريبية. العملية في كنيسة مار الياس في شهر حزيران والتي قتل فيها 25 شخص، كانت كما يبدو مرتبطة بهذه المليشيات.

فصل القوات يعني ان الشرع يجب عليه ادارة صراع على السيطرة على ثلاث جبهات على الاقل. مواصلة الجهود لتوحيد القوات المسلحة في سوريا تحت مظلة جيش وطني، ومواجهة المليشيات الرافضة وحل عصابات الجريمة المسلحة التي احيانا تنضم اليها، واثارة الانطباع لدى اسرائيل وامريكا حول قدرته على اجتثاث بقايا نشاطات حزب الله في سوريا، والحفاظ على دولة مستقرة تسيطر فقط على 70 في المئة من اراضيها.

من غير المستغرب انه عندما يتعهد بـ “العمل بحزم ضد الخارجين على القانون”، وتقديم للمحاكمة المتهمين بهذه الاحداث، فان مستوى الثقة بهذه الاقوال معدوم. يجدر ايضا تذكر ان تصريحات مشابهة اسمعها النظام بعد المذبحة ضد ابناء الطائفة العلوية في شهر آذار وقتل فيها 1700 شخص تقريبا. حتى الآن لم ينته التحقيق في هذا الامر، والمذنبون لم يتم تقديمهم للمحاكمة، وهكذا هي الحال ايضا بعد العملية في كنيسة مار الياس.

مع ذلك، الاتفاق الجديد ربما تكون له فرصة افضل للتطبيق، بالاساس بسبب الدبلوماسية النشطة للولايات المتحدة، التي تستخدم الضغط، سواء على الشرع أو على اسرائيل، من اجل وقف اطلاق النار.

هدف اسرائيل

مثلما في المواجهة السابقة بين الدروز والمليشيات المحلية في شهر آذار، ايضا في هذه المرة “اسرائيل دخلت الى الحدث” بخطوة كبيرة مثل الفيل بدون تحديد الاهداف ورؤية شاملة للساحة. في البداية قامت بمهاجمة الدبابات التي ارسلها الجيش السوري الى السويداء بذريعة حماية “خطوط الفصل”، والتي هدفها منع القوات المعادية من الوصول الى حدود اسرائيل. “وجود هذه الوسائل  في جنوب سوريا يمكن أن يشكل تهديد لدولة اسرائيل”، كتب في بيان المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. “الجيش الاسرائيلي لن يسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سوريا وسيعمل ضده”.

خلال فترة قصيرة تغير التفسير. فبدلا منه اوضح متحدثون اسرائيليون بان هجمات اسرائيل التي ازدادت واتسعت وشملت قصف مبنى هيئة الاركان ومحيط القصر الرئاسي، استهدفت حماية “الاخوة الدروز” ودفع النظام للعمل بسرعة من اجل وقف سفك الدماء.

اذا كان هذا هو الهدف وبحق فلماذا لم يسمح الجيش الاسرائيلي للجيش السوري بارسال الدبابات الى السويداء من البداية؟ واذا كانت اسرائيل تؤمن بقدرة النظام على اطفاء النار فلماذا لا تعمل في قنوات التنسيق المباشرة التي توجد الآن لدى النظام؟. في المقابل، اذا كانت اسرائيل تعتقد ان الشرع غير قادر على حماية امن الدروز، واخطر من ذلك ان نظامه يشجع المواجهة بهدف شن “حرب ابادة” ضد الدروز مثلما اعتبر ذلك احد زعماء الطائفة الدرزية، الهاجري، فهل اسرائيل تنوي شن حرب ضد كل النظام السوري؟

ان التزام اسرائيل بالطائفة الدرزية فيها لا يشوبه أي شك. يمكن ايضا قبول انه نتيجة لهذا الالتزام هي ايضا يجب عليها حماية الاقلية الدرزية في سوريا، الى جانب الواجب الانساني، وهو حماية أي اقلية تتعرض لخطر الابادة. في نفس الوقت يجب عدم تجاهل موقف عدد من زعماء الطائفة في سوريا الذين يرفضون علنا تدخل اسرائيل ويعتبرون انفسهم جزء لا يتجزأ من الدولة السورية، ومعنيون بتطوير التعاون مع نظام الشرع والدفع قدما من خلاله ومعه بحقوقهم السياسية بدون ان يكونوا “طائفة تحت الحماية” لدولة اسرائيل.

السؤال المهم هل توجد لاسرائيل سياسة بعيدة المدى في كل ما يتعلق بسوريا، وكيف تندمج مع حماية الدروز ومهاجمة النظام السوري؟. محللون سوريون وعرب يقدرون ان اسرائيل تتطلع الى استغلال رعايتها للدروز من اجل الدفع قدما بفكرة تقسيم سوريا الى كانتونات – درزي في الجنوب وكردي في الشمال، وربما علوي ايضا. هكذا فانه يمكنها اقامة لنفسها “جزر دعم” أو “امتدادات” وافشال نية الشرع اقامة دولة موحدة وتحييد تأثير تركيا.

اذا كانت توجد خطة لاسرائيل كهذه، وحتى الآن لم يسمع تصريح علني يؤكد على ذلك، فان هذه الخطة تصطدم ليس فقط مع طموحات الشرع، بل مع طموحات الولايات المتحدة والدول العربية ايضا. واشنطن تعمل بشكل علني على اقامة دولة سورية موحدة غير مقسمة، ويحكمها نظام مركزي واحد، والرئيس ترامب ما زال يعتبر الشرع زعيم مناسب وهو يعطيه كل الدعم السياسي والاقتصادي. هذه الرؤية مقرونة باستراتيجية اقليمية شاملة، هدفها انسحاب القوات الامريكية من سوريا ونقل مهمة محاربة داعش الى سوريا وتركيا. في المقابل، ترامب يعمل على الدفع قدما باتفاقات منسقة بين اسرائيل وسوريا ويطمح الى التطبيع بين الدولتين. حرب اسرائيلية ضد نظام الشرع، حتى لو كان هدفها حماية الاقلية الدرزية، لا تتساوق مع هذه الطموحات.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى