هآرتس: أين كانت وسائل الاعلام الحرة عندما قتل آلاف الاطفال في غزة؟
هآرتس 11/12/2025، جدعون ليفي: أين كانت وسائل الاعلام الحرة عندما قتل آلاف الاطفال في غزة؟
مرة كل بضعة اشهر، بشكل عام في سينما تيك أو في مسرح “سافتا”، يجتمع الصحافيون الاسرائيليون في “لقاء طاريء” من اجل “انقاذ الاعلام الحر”. يشارك في هذا اللقاء اشخاص موهوبون في التلفزيون، المحررون، المدراء والمراسلون، والكاهنة الكبيرة ايلانا ديان دائما تلقي خطابات حادة، والجميع يغادرون مع الشعور بانهم يناضلون من اجل انقاذ الديمقراطية. أول أمس التقوا مرة اخرى. “بدون اعلام حر لا توجد ديمقراطية”. كلمات جميلة وصادقة. ديان قالت ان جرافة “دي9” تسير بسرعة وبدون كوابح، ونحن لم نشاهد مثل هذا الرعب من قبل.
كل ذلك صحيح، “دي9” تسير بسرعة، ووسائل الاعلام في خطر. الزائر يشعر بان وسائل الاعلام الشجاعة والمتمردة تناضل على روحها وحريتها. كم هو سهل توجيه الانتقاد لشلومو قرعي وغاليت ديستل اتبريان، ولكن كم هو صعب النظر الى المرآة. لقد جاءت وسائل الاعلام الى اللقاء وعلى وجهها علامة العار المخزية. ولكن هذه العلامة لم يكن لها أي صدى في المؤتمر. مع هذه العلامة لا يوجد لها حق في النضال ضد الحكومة.
حول المس الشديد جدا بحرية التعبير، مسؤولة قبل أي أحد وسائل الاعلام نفسها. ليست الحكومة هي التي صمتت في السنتين الاخيرتين، بل هي نفسها. وضد ذلك لم تكن أي معارضة. وسائل الاعلام هي التي قيدت نفسها بارادتها، وجندت نفسها لاخفاء الحقيقة بسبب عدم الشجاعة والاعتبارات التجارية، من اجل عدم اغضاب مستهلكيها.
الرقابة الذاتية هي اكثر خطرا من أي رقابة حكومية أو عسكرية، حيث انه لا يوجد من يحتج عليها. ضد تغطية الحرب في السنتين الاخيرتين ايضا لن يكون احتجاج. الجميع راضون: الناشرون، المحررون، المراسلون، المشاهدون والقراء. وحتى الجيش مسرور. فقدسيته التي لا شك فيها تمت حمايتها. جميع الاخوة والاخوات يجلسون معا. وسائل الاعلام تقول للجمهور فقط ما يريد أن يعرفه. وسائل الاعلام التي تتمتع بحرية الكتابة والتغطية، والتي زجت برؤساء حكومة في السجن بفضل تحقيقاتها، اختارت تقديم للاسرائيليين العواطف بدل المعلومات، والفن المبتذل بدلا من الموت، والقومية المتطرفة بدلا من الحقيقة. كم هي جميلة وسائل الاعلام عندنا. أكثر من سنتين من الخيانة المشينة لوظيفتها وواجبها، نقل الحقيقة الكاملة عن الحرب.
لقد فقدت وسائل الاعلام الحق في توجيه الاتهامات للحكومة قبل محاسبة نفسها. مؤتمر طاريء؟ هذا ممتاز. والموضوع: كم كذبنا، كم اخفينا، كم اخطأنا، كم لعبنا دور الضحية، كم خدعنا الاسرائيليين. لقد كانت هاتان السنتان من تغطية الحرب في قطاع غزة بدون التطرق للغزيين انفسهم، سنتان من الكلام الممجوج الذي لا ينقطع عن 7 اكتوبر وكأنه لم يحدث أي شيء بعد ذلك، سنتان من تمجيد الابطال والتجاهل الكامل للجرائم.
حتى بدون تشريع قرعي، هذه ليست صحافة. صحافة كهذه لا فائدة من الدفاع عنها. فضررها يفوق فائدتها. محاربو الحرية في مسرح “تسافتا” هم المتهمون الرئيسيون بان صياد من النرويج وفلاح من النمسا شاهدا فظائع الحرب أكثر من الذين اجتمعوا في “تسافتا”. هم المذنبون بتكرار اكاذيب الجيش الاسرائيلي بشكل تلقائي بدون التشكيك فيها. فعندما يدلي سياسي بتصريح لوسائل الاعلام، الجميع يردون بسخرية وريبة. ولكن عندما يدلي الجيش الاسرائيلي بتصريح لوسائل الاعلام فانهم يصمتون بتوتر ويؤدون التحية.
هناك الكثير من القصص عن الضحية الاسرائيلية، لكن بدون أي كلمة عن الضحية الغزية. لا توجد أي اشارة عن وجود بشر في قطاع غزة، باستثناء المخطوفين في الانفاق. لا يوجد أي تشكيك في شرعية الحرب. قصف المستشفيات ومناطق الايواء تم تبريره. وفي النقاشات المملة في الاستوديوهات هناك رأي واحد ووحيد: رأي يشرعن كل شيء. اكثر من 100 معتقل فلسطيني ماتوا في السجون الاسرائيلية. فهل قامت وسائل الاعلام بالتحقيق في ذلك؟ هل اهتمت به؟ لا شيء، مجرد هواء. تعالوا نناضل ضد اغلاق الهيئة الثانية ومجلس الكوابل والقمر الصناعي، التي بدونها الحقيقة ستختنق. ضد اغلاق “صوت الجيش”، صوت اسرائيل الحرة. ديان قالت انه بدونها هي تخشى على مستقبلها في الدولة.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



