هآرتس: أولا لنأخذ غزة، وبعد ذلك كابلان
هآرتس 10/12/2025 تسفي برئيل: أولا لنأخذ غزة، وبعد ذلك كابلان
في الخلاف المحموم حول مناسبة مفهوم إبادة جماعية لسياسة ونشاطات إسرائيل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، فانه حول الوقائع الرئيسية لا يوجد خلاف. صحيح ان هناك نقاش احصائي حول عدد القتلى الدقيق، أو حول عدد الأشخاص الذين فقدوا بيوتهم، لكن بالتحديد هذا النقاش التقني يحدد عتبة الهاوية التي تقف عليها إسرائيل. أي هل يكفي الـ 70 ألف قتيل من اجل اثبات ان الامر يتعلق بابادة جماعية، أو ان هناك حاجة الى رقم اعلى.
لكن حصر الضحايا، سواء كان كبير أو صغير، يخفي حقيقة اكثر فظاعة. اذ يعتقد جزء كبير من الشعب الإسرائيلي بان القتل والترحيل مبرران، وأنه حتى لو لم ينطبق عليهما تعريف الإبادة الجماعية، فقد كان يجب تنفيذهما. لحسن الحظ ما زال تفكير التمني لا يعاقب عليه. وما زال بإمكان الإسرائيليين الحلم كما يشاؤون بابادة الفلسطينيين. ليس فقط في قطاع غزة، بل أيضا في الضفة الغربية وفي شرقي القدس وفي داخل إسرائيل.
الخطر هو انه في اللحظة التي فيها يصبح تمني الإبادة العرقية والقومية أمر مشروع، فانه يجد طريقه لتحقيق ذاته حتى بدون إبادة جسدية. المثال البارز على ذلك هو معاملة عرب إسرائيل الذين اصبحوا منذ زمن كيان منبوذ محظور الاقتراب منه في المجال السياسي. يكفي النظر الى الاستطلاعات التي تفحص تشكيلة الكتل من اجل فهم ان العرب هم “خارج الجدار” وأن التحالف معهم هو مثل حكم الإعدام لأي حزب يهودي.
الإبادة السياسية على أساس العرق أو القومية، يوجد لها اسم وهو “الابادة السياسية”. هذه العملية تبدو إنسانية حيث ما زال السياسيون العرب بعيدين عن الإعدام، بل هي مقبولة ومبررة حتى من قبل السياسيين اليهود الذين يتظاهرون بالليبرالية. لأنه في نهاية المطاف هي مسألة بقاء سياسي ومسألة دفاع ضرورية، لان “هذا ما يريده الشعب”، الى حين حدوث التغيير الذي سيهدم هذا الجدار الدفاعي. نظام نتنياهو يشن حملة تطهير سياسية وثقافية ضد شريحة واسعة من الجمهور، التي قيادتها وصفت بانها “عدو داخلي”، الضرورية من اجل “وحدة الشعب”.
ان رفض تعيين العقيد غيلتمان بسبب انتمائه لـ “اخوة السلاح”، هو فقط المشهد الغض لهذه العملية، التي أصبحت جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي. هذه العملية تشمل: الاعتقال العنيف للمتظاهرين الرجال والنساء والتحقيق معهم ومعاملتهم بشكل سيء، قرار رئيس بلدية حيفا الذي يعتبر نفسه شخص ليبرالي، منع المظاهرات في مركز حوريف، السعي الحثيث للسيطرة على وسائل الاعلام التي ينظر اليها بانها تنتمي للعدو، منع الميزانيات عن المسارح التي تقدم عروض “غير لائقة”، مقاطعة رئيس المحكمة العليا، ومهاجمة جهاز القضاء، توجيهات للمدارس حول من يسمح بدعوتهم لالقاء محاضرات، مشاريع القوانين التي تهدف الى السماح بفصل المحاضرين الذين اعربوا عن “دعمهم للارهاب” – كل ذلك هو مظاهر علنية لهذه العملية.
هذه حملة منهجية وهي مستمرة بلا انقطاع. ويستثمر قادتها الأدوات القانونية لتشويه أسس الديمقراطية، ويحرضون اتباعهم على تاجيج خطاب عام، عنيف ومهدد. وهم لن يكتفوا بـ “الانقلاب النظامي”، بل ان هدفهم هو تشكيل مجتمع متجانس، خاضع وخائف، ليس فقط في المجال العام، بل في المجال الخاص أيضا. وقد تم تحديد المراحل: أولا، تحديد “العدو”، وهي عملية شبه مكتملة، ثم تطبع عليه رموز تصنيفية، (“خونة”، “رجال دين”، “رافضون للتجنيد”، “دولة عميقة”، “معاداة الصهيونية”)، بعد ذلك يسهل نزع شرعيته وربطه باعداء حقيقيين مثل حماس، أو “مجرد” عرب، الامر الذي يبرر، بل ويقتضي، القضاء عليه.
ان القيادة التي أجزاء فيها تعتقد ان إبادة عدو خارجي هي فقط فكرة بالطبع وخيار لا يجب ادانته، وتتبنى الإبادة السياسية للمواطنين العرب كطريقة مناسبة، لن تتوقف عن السعي الى تحويل الشعب اليهودي في إسرائيل الى عدو. ان مصطلح انقلاب صغير عليها.



