هآرتس: مسيرة الأعلام بكامل قبحها

هآرتس 2022-05-31، بقلم: نير حسون
بعد بضع سنوات هادئة نسبياً، حيث في سنة ألغيت المسيرة بسبب إغلاق «الكورونا» وتم في أخرى تحويل مسارها بسبب التوتر الامني، عادت الآن مسيرة الاعلام الى باب العامود والحي الاسلامي في القدس بكل قبحها. في السنوات التي سبقت 2020، وبضغط من المحكمة العليا والشرطة ووسائل الإعلام، فإن منظمي المسيرة عملوا على تقليص نقاط العنف واسكات الشعارات العنصرية، وكان يبدو أنهم نجحوا. فالمشاركون في المسيرة الذين انطلقوا بأغنية «الموت للعرب» أو «لتحرق قريتكم»، حافظوا على هدوء نسبي، وبقي عدد من المحلات الفلسطينية مفتوحا.
في هذه السنة عادت القدس زمنياً الى الوراء. منذ الصباح بدأ مئات المشاركين في المسيرة لملء شوارع البلدة القديمة. في باب المغاربة سجلت منظمات الهيكل رقما قياسيا في عدد اليهود الذين زاروا الحرم في يوم واحد، كما يبدو منذ 1967، حيث وصل عددهم الى 2600. عدد منهم نجحوا في السجود وآخرون في رفع العلم. في الازقة تجول عشرات المجموعات من الشباب اليهود الذين اطلقوا شعارات عنصرية وشتموا واغلقوا الطرق امام الفلسطينيين. هؤلاء تم ابعادهم من المنطقة بسرعة من قبل رجال الشرطة، الذين اكتفوا بالصراخ على اليهود. التجار الذين فهموا ماذا سيحدث اغلقوا محلاتهم.
لكن هذه كانت فقط البداية. ففي فترة الظهيرة تجمع في البلدة القديمة المزيد من المشاركين في المسيرة، منظمين في مجموعات حسب المدارس الدينية أو حسب المدارس، والتيار أخذ في التزايد الى أن بدأت المسيرة نفسها. الاغنية الاكثر شعبية في اوساط المحتفلين وبفجوة كبيرة هي «تذكرني من فضلك»، وهي الاغنية المعروفة من عرس الكراهية والتي تنتهي بكلمات «ستنتقل عين من عيوني من فلسطين (المصدر التوراتي – «من بلشتيم»)، «ليمحى اسمهم»؛ الكلمتان الاخيرتان يتم غناؤهما بالصراخ، هذا هو التيار العام الذي هو «وريث المسيح في القدس»، كما يقول نشيد اليوم. المجموعات الاكثر تطرفا مرت في باب العامود وهي تنشد اغنية تبعث على النشوة، «الموت للعرب»، «فلتحترق قريتكم»، «محمد مات»، «شعفاط تحترق» وغيرها. المعتدلون ايضا الذين اكتفوا بـ «الشعب الخالد لا يخاف» و»شعب اسرائيل حي» لم يفوتوا فرصة الضرب على ابواب المحلات التجارية. يمكن فقط تخيل كيف ظهر كل ذلك لمئات العائلات الفلسطينية التي بقيت مغلقة البيوت على نفسها لساعات.
احياناً كان يبدو أن الشرطة تجد صعوبة في السيطرة على الحدث. امرأة فلسطينية عجوز رفعت يديها نحو الذين كانوا يشتمون تم الرد عليها برش غاز الفلفل والركل من قبل المحتفلين، وعندما تم نقلها ألقيت زجاجة مياه على الحمالة التي كانت عليها. الفلسطينيون ردوا بالقاء الكراسي والاجسام على اليهود الذين قاموا برشهم بالغاز المسيل للدموع. مراسل فلسطيني تمت مهاجمته وشاب يهودي امتشق المسدس في منطقة باب العامود وصوبه نحو الفلسطينيين. مواجهات ايضا كانت في الشوارع وابلغ عن مصابين بسبب رشق الحجارة في الطرفين. بعد ذلك هاجم عشرات اليهود سيارات وبيوت فلسطينيين في الشيخ جراح، الذين ردوا برشق الحجارة. موجات المسيرة الارتدادية كان بالامكان جيدا استشعارها في المدينة حتى بعد أن انتهت. في الشارع رقم واحد رشق اليهود الحجارة على سيارة فلسطينية، وفي العيسوية القيت زجاجات حارقة على حافلة اسرائيلية، وفي احياء شرقي القدس تمت مرة اخرى مشاهدة الصور المعروفة للمواجهات بين السكان ورجال الشرطة.
الجواب على سؤال لماذا عاد هذه السنة المشاركون في المسيرة الى سابق عهدهم؟ يجب البحث عنه في مكانين. الأول هو الحملة البيبية التي تغرق اليمين في السنة الاخيرة، بين أعلام اسرائيل برزت في المسيرة ثلاثة أعلام اخرى وهي اعلام الليكود وأعلام عليها صورة نتنياهو وأعلام حركة لاهافا. يبدو أن كراهية كل من اعتبر عربياً أو يسارياً أو مرتبطاً بوسائل الإعلام، اعتملت طوال اشهر في نفوس المشاركين في المسيرة وانطلقت من داخلهم في اللحظة التي اجتازوا فيها باب العامود أو واجهوا فلسطينيين. يكمن الثاني في ما حدث في السنة الماضية. حقيقة أن المسيرة لم تمر في باب العامود وفي الحي الإسلامي مدة ثلاثين سنة اعتبرت هزيمة يجب التكفير عنها بمسيرة أكبر ومتطرفة أكثر.
كان هناك من حاولوا ضبط الشعارات وتهدئة النفوس، لكنهم ووجهوا على الأغلب بالاحتقار، هذا اذا لم يتعرضوا للشتائم. أحد هؤلاء كان ياكي سعده، وهو رجل تعليم من جفعات واشنطن والذي تجادل مع عشرات الشباب. «هذا يخرجني عن طوري»، قال. «في كل سنة أنا آتي، من المهم بالنسبة لي الاحتفال، لكن أن لا أستفز الآخرين. هؤلاء اطفال صغار بدون راع. هذه ليست يهودية». ولكن هذه الأقوال وكأنها ابتلعت داخل الغناء العنصري وداخل اصوات الضرب على ابواب المحلات التجارية.
في الفترة التي سبقت يوم القدس تطورت في المدينة حرب أعلام، بدأت في جنازة الصحافية شيرين أبو عاقلة، التي عملت فيها الشرطة على إزالة أعلام فلسطين. بعد ذلك ظهرت في الحرم وفي الأحياء العربية. رد اليهود بآلاف الاعلام الخاصة بهم، ليس فقط في المسيرة. مبنى البلدية القديم في ميدان الجيش الاسرائيلي تم لفه بعلم كبير، وجسر الأوتار واسوار البلدة القديمة تمت اضاءتها بألوان علم اسرائيل. عندما لاح حسم في المعركة، كعمل شيطاني ظهرت فوق رؤوس المحتفلين في السماء طائرة صغيرة تحمل علم فلسطين. الحديث لا يدور عن أمر تافه. فهذه العملية بحاجة الى اختراق المنع على استخدام الطائرات الصغيرة والتملص من رقابة الشرطة. الشرطة نجحت في اعتراض الطائرة المعادية، ولكن مع ذلك هذا اعتبر انتصاراً فلسطينياً صغيراً.
حتى كتابة هذه السطور يبدو أن يوم القدس مر بسلام نسبي. التحفظ مطلوب لأن تجربة الماضي تعلم بأنه في الليل يتجول في شوارع المدينة مثيرون للشغب يبحثون عن ضحية فلسطينية. ولكن «حماس» لم تبدأ بجولة قتال اخرى والشرطة نجحت في استيعاب معظم الاحداث بدون اصابة بالغة. المشاركون في المسيرة سيعودون الى بيوتهم والاسرائيليون سيواصلون روتين حياتهم. في القريب سيصادف عيد نزول التوراة ومرة اخرى ستكون زيارات في الحرم وسيعود التوتر. ولكن ما هي بالضبط تداعيات هذه المسيرة، ما هي البصمة التي ستتركها في قلوب آلاف الشباب المملوئين بالكراهية والعنصرية المتطرفة. وفي قلوب آلاف الفلسطينيين الذين تعرضوا للكراهية والخوف؟ الإجابة سيتم الحصول عليها في المستقبل فقط. في مساء أمس من ساحة باب العامود الملوثة بالزجاجات البلاستيكية والملصقات وعصي الاعلام المحطمة، فإن المستقبل ظهر كئيباً.