ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز: هل ينهي حزب العمال مسيرة حزب المحافظين في بريطانيا؟

نيويورك تايمز 29-10-2022م، لينسي هانلي : حزب المحافظين

أصبح ريشي سوناك، الثلاثاء الماضي، ثالث رئيس وزراء محافظ لبريطانيا العام الحالي، وتمت ترقيته إلى أعلى منصب سياسي في البلاد بتأييد أقل من 200 عضو برلماني، وهي مهمة سهلة إذا ما قارنتها بعشرات الملايين من الناخبين الذين سيحتاجون إلى الإقناع في الانتخابات العامة.
من الواضح أن سوناك وأعضاء حزبه يأملون في أن تشكل تجارب الأسابيع القليلة الماضية ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس عناصر دعم لهم، وأن رئيس الوزراء الجديد يمكنه المضي قدماً في إدارة البلاد من خلال حكومته المعدلة حديثاً.
لكن في الوقت الذي شرع فيه الجميع في تغيير مقاعدهم على الطاولة، فقد بدأ البريطانيون في المعاناة من ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض حاد في مستويات المعيشة. إن من يعيش في بريطانيا حالياً لا بدَّ وأن يشعر أن لا شيء يعمل بصورة صحيحة: لا الخدمة الصحية، ولا السكك الحديدية، ولا حتى العمل نفسه، حيث تفوق أسعار كل شيء زيادات الأجور.
لهذا حذر سوناك من «اتخاذ قرارات صعبة»، والتي يفترض الكثيرون أنها تتضمن المزيد من تقليص الإنفاق والحرص على التقشف. حزب المحافظين لا يحظى بشعبية كبيرة، ويبدو أنه قد أفلس من ناحية الأفكار. لا عجب إذن أن كير ستارمر، زعيم حزب العمال، ما زال يقول إن موعد «الانتخابات العامة الآن». فبعد 12 عاماً في صفوف المعارضة، يبدو أن حزب العمل بات أخيراً جاهزاً لاغتنام الفرصة.
السيد ستارمر لديه سبب للثقة. ففي استطلاع أجرته مؤسسة «يوغوف» في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، قبيل تنصيب سوناك، اعتقد 63 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنه يجب إجراء انتخابات عامة بمجرد اختيار زعيم. واقترح آخر، الأسبوع الماضي أيضاً، أنه في حال إجراء انتخابات عامة الآن، سيحصل حزب العمال على 56 في المائة من الأصوات، وهو ما يكفي لمنحه أغلبية هائلة. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
لكن إذا بدا أن الحزب يتمتع الآن بالأفضلية، فنستطيع القول إن الأمر قد استغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى هذه النقطة. فقد اتسم تاريخ حزب العمال الحديث بقدر من التقلبات السياسية التي تميز الحزب الحاكم: من عام 2015 حتى عام 2020، كان حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين، وهو من قدامى المحاربين في الجناح اليساري للحزب، لم يؤخذ برنامجه الاجتماعي الديمقراطي على محمل الجد من قبل الصحافة البريطانية، حتى عندما كان الحزب يتمتع بأداء قوي في انتخابات عام 2017. ثم في انتخابات عام 2019، هزم رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون حزب العمال واتفاقه السهل «الجاهز» لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتم إلقاء اللوم على كوربين.
بعد تلك الانتخابات، كانت معدلات الأفضلية الخالصة لكوربين أقل من 50 في المائة. واحتاج حزب العمال إلى زعيم يبدو ببساطة أكثر منطقية. بالنسبة لأعضائها المكلفين باختيار خليفة لكوربين، بدا السير كير ستارمر نموذجاً لذلك الرجل.
ترقى ستارمر من خلفية متواضعة نسبياً ليصبح محامياً، وفي عام 2008، أصبح رئيساً لدائرة الادعاء الملكية. بحلول عام 2015، حصل على وسام الفروسية للخدمات القانونية، وأصبح عضواً من حزب العمال في البرلمان. وبحلول أبريل (نيسان) 2020، أصبح زعيماً للحزب.
إذا كان يُعتقد بشكل مختلف أن معتقدات كوربين شديدة الصرامة، أو يسارية للغاية أو ببساطة بعيدة جداً عن الناخبين العاديين، فهذا يعني أن الناس قد عجزوا عن تحديد معتقدات ستارمر. ويشير النقاد إلى سجله في إدارة خدمة النيابة العامة، حيث دافع عن قانون حقوق الإنسان ضد مقترحات المحافظين لإلغائه، لكنه رفض أيضاً متابعة قضية ضد ضابط شرطة لوفاة إيان توملينسون، بائع الصحف الذي لقي مصرعه بعد أن دفعه شُرطي على الأرض خلال الاحتجاجات في لندن. وعندما أصبح ستارمر زعيماً لحزب العمال، وعد بالاحتفاظ بالعديد من سياسات سلفه، ولكن في غضون أشهر بدا أن ستارمر قد مزق تلك المؤسسات دون التفكير فيما سيحل محلها. يبدو أن الشعار العنيف، «الأمن، الرخاء، الاحترام» يلخص عرضه الجذاب، والضعيف من حيث الجوهر.
الحزب نفسه يعاني من مشكلة إدراكية سبقت فترة طويلة وجود ستارمر وكوربين. فقد وجد الحزب دائماً -مع استثناء توني بلير، رئيس الوزراء من 1997 إلى 2007- صعوبة في النظر والتعامل مع الحكومة.
لكن شيئاً ما تغير في سبتمبر (أيلول)؛ ففي مؤتمره السنوي للحزب، بدا حزب العمال أخيراً وكأنه حزب لديه خطط للاستثمار في قطاع «الخدمات الصحية الوطنية»، وإنشاء صندوق ثروة سيادي للاستثمار البيئي، وتأميم السكك الحديدية.
وفيما كان المؤتمر لا يزال مستمراً، أعلنت تراس ومستشارها كواسي كوارتنج، عن الميزانية التي أدت إلى انهيار الجنيه. وفي الوقت الذي كان فيه المحافظون يفقدون المصداقية الاقتصادية التي اعتمدوا عليها بشكل شامل، بدأ حزب العمال في الظهور كبديل معقول.
لكي نكون واضحين، حتى لو كانت هناك رغبة في إجراء انتخابات قريباً، لظلت فرص الانتخابات محدودة نسبياً. وتستمر الدورات البرلمانية في بريطانيا لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ تشكيل الحكومة -حتى إذا تغير زعيم الحكومة- لذلك لا يلزم إجراء انتخابات أخرى قانوناً حتى يناير (كانون الثاني) 2025. سيكون الطريق الأكثر وضوحاً لإجراء انتخابات مبكرة هو رئيس وزراء يدعو لإجرائها، لكن بما أن الاقتراع يشير إلى القضاء على حزبه، فإن هذا أمر بعيد الاحتمال. والأرجح أنه، مع تعيين سوناك الآن، سيحاول حزب المحافظين المضي قدماً وتحسين فرصه الانتخابية قبل نفاد الوقت.
سيتعين علينا أن نشاهد ونرى، لكن بعد أكثر من عقد من حكم المحافظين، والتقشف، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والوباء وأربعة رؤساء وزراء، تحدث ستارمر للكثيرين أمس عندما حث سوناك على الدعوة إلى انتخابات عامة قائلاً: «دع العمال يقولون كلمتهم».
عاجلاً أم آجلاً، سيقول العمال كلمتهم.

* كاتبة ومذيعة بريطانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى