ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – بقلم روجر كوهين –  بالنسبة لنتنياهو ، مثل ترامب ، فقط “الاحتيال” يمكن أن يفسر هزيمته

نيويورك تايمز- بقلم روجر كوهين – 8/6/2021 

كتب الكاتب المخضرم، روجر كوهين، تحليلًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تناول فيه كيف أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، استلهم من صديقه المقرب دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، موقفه الأخير قبل أن يفقد منصبه في السلطة الذي ظل متربعًا عليه طيلة أكثر من 12 عامًا متتالية. وأشار إلى أنه لجأ للادعاءات نفسها التي استخدمها ترامب بأن الانتخابات شابتها عمليات تزوير، وأنه تعرض لمؤامرة للإطاحة به من السلطة.

في مستهل تحليله، قارن الكاتب بين ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد خسارته للانتخابات الإسرائيلية، إن إسرائيل شهدت «أكبر عملية تزوير للانتخابات في تاريخها»، وبين ما قاله الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي وصف هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأنها «جريمة القرن». ويبدو أن لغة الشخصين تشابهت لأن العملية الديمقراطية أربكت إحساسهما الغامر بأنه من غير الممكن هزيمتهما.

ويُوضح الكاتب أن نفتالي بينيت، زعيم حزب «يمينا» القومي اليميني، سيتولى منصب رئيس وزراء إسرائيل يوم الأحد، إذا وافق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على منحه الثقة ليحل محل حكومة نتنياهو، لكن الهجوم الحاد الذي يشنه نتنياهو ضد خليفته المحتمل لا يُظهر أي علامة على أنه قد يستسلم أو يلين. وقال إنه يتعرض لمؤامرة من «الدولة العميقة».

واتهم نتنياهو خليفته المحتمل نفتالي بينيت بأنه يعرض «إسرائيل للبيع بسعر زهيد». ويقول إن إسرائيل بانتظار «حكومة استسلام» بعد انتخابات «مزيفة». أما بالنسبة لوسائل الإعلام، فإنها تحاول إسكاته، كما يرى، من خلال أساليب «الفاشية الشاملة».

وأردف الكاتب قائلًا: على الرغم من أن إسرائيل ستشهد على ما يبدو انتقالًا ديمقراطيًّا سلميًّا للسلطة، لكن لا يوجد شيء مؤكد. وشنَّ حزب «الليكود»، الذي يتزعمه نتنياهو، هجمات وحشية جدًّا ضد حزب «يمينا» الصغير، الذي يتزعمه بينيت، لدرجة أن بعض السياسيين المنتمين لحزب «يمينا» كانوا بحاجة إلى تدابير أمنية.

كيف كانت أساليب نتنياهو أحد أسباب انتشار العنف في إسرائيل؟

وفي مقابلة أجرتها معها «قناة 13» التلفزيونية الإسرائيلية، ذكرت إديت سيلمان، نائبة عن «يمينا» في الكنيست الإسرائيلي، أن متظاهرًا خارج منزلها أعرب عن ألمه بسبب ما تمر به أسرتها، قائلًا: «لكن لا تقلقي، سنذبحك في أول فرصة يمكننا فيها الوصول إليك».

ويرى الكاتب أن الاحتفاء بأساليب نتنياهو وتمجيدها مهما كانت نتائجها كانت سببًا في نشر العنف في أرجاء إسرائيل. وأن أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) في الولايات المتحدة، عندما اقتحمت الحشود مبنى الكابيتول بتحريض من ترامب، ليست بعيدة عن أذهان الإسرائيليين.

وفي هذا الصدد، قالت المحللة السياسية داليا شيندلين: «على مدى أكثر من عشر سنوات، أقنع نتنياهو نفسه بأن أي شخص آخر غيره يحكم إسرائيل سيُشكل تهديدًا وجوديًّا على البلاد. وتمثل تكتيكات الذراع القوية التي يتبناها نتنياهو تحديًّا مباشرًا للانتقال السلمي للسلطة».

ويُلفت الكاتب إلى أن أهم أدوات نتنياهو السياسية المفضلة هي بث الفرقة، والانقسام بين طوائف المجتمع ونشر الخوف. وكما هو الحال في الولايات المتحدة، تعيش إسرائيل حالة انقسام، لدرجة أن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، شين بيت حذَّر قبل أيام قليلة من تداعيات «الخطابات المحرضة والعنيفة بشدة». وكان هذا تحذيرًا استثنائيًّا.

مسيرة الأعلام لعب بالنار

وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أعلنت أنها لن تسمح بتنظيم مسيرة قومية (مسيرة الأعلام) كان من المخطط تنظيمها يوم الخميس عند باب العامود مرورًا بالأحياء ذات الأغلبية المسلمة في البلدة القديمة بالقدس، لكن المشاعر تجاه تنظيم المسيرة تتصاعد بين السياسيين من جناح اليمين بعد إلغاء مسيرة يوم القدس الأصلية التي كان من المقرر تنظيمها في الشهر الماضي بسبب الصواريخ التي تطلقها حماس.

ومن جانبه، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) في حكومة نتنياهو يوم الثلاثاء الماضي إعادة جدولة مسيرة الأعلام على أن تُنظَّم يوم الثلاثاء المقبل 15 يونيو (حزيران)، بعد الحصول على تصريح من الشرطة الإسرائيلية. وينظر نتنياهو إلى هذه المسيرة على أنها رمزًا مهمًّا للسيادة الإسرائيلية.

ويُؤكد الكاتب أن تنظيم المسيرة سيكون بمثابة لعب بالنار، كما أظهرت الحرب القصيرة التي خاضتها إسرائيل مع حركة حماس في الشهر الماضي. ويبدو أن أزمة تنظيم المسيرة في الوقت الراهن ستُلقى على عاتق حكومة بينيت لحلها.

من الذي أسقط نتنياهو؟

واستطرد الكاتب قائلًا: حتى الآن، لم يُقدَّم أي دليل لدعم الادعاءات القائلة بأن حكومة بينيت الجديدة المحتملة ليست إلا نتيجة قانونية للانتخابات الإسرائيلية الحرة والنزيهة التي أُجريت في مارس (آذار)، وهي الانتخابات التي تُجرى للمرة الرابعة منذ عام 2019، مع حرص نتنياهو، المتهم بالرشوة والاحتيال، في كل مرة على الحفاظ على السلطة.

ويصف نتنياهو حكومة بينيت، التي شكلها ائتلاف ضعيف مكوَّن من ثمانية أحزاب بينها أحزاب يمينية متطرفة وأحزاب يسارية، بأنها حكومة يسارية «خطيرة». لكن اليسار لم يكن هو الذي أطاح برئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو من منصبه، بل كان التيار اليميني هو من فعل ذلك؛ إذ أصبح السياسيون اليمينيون مثل بينيت وجدعون ساعر، وزير العدل المرتقب، مقتنعين بأن نتنياهو أصبح يُشكل تهديدًا على الديمقراطية الإسرائيلية.

قلعة «المسَّادا» الخاصة بنتنياهو

وفي إشارة إلى الانتحار الجماعي الذي نفذه اليهود من قلعة «المسَّادا» الحصينة لرفضهم الخضوع للاستعباد الروماني، قال بينيت في خطاب يشرح فيه قراره لرئاسة حكومة بديلة: إن نتنياهو «يريد أن يأخذ معه المعسكر الوطني بأكمله وإسرائيل بأسرها إلى قلعة مسَّادا الخاصة به».

وكان هذا تشبيهًا استثنائيًا، لا سيما من نفتالي بينيت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق في عهد حكومة نتنياهو، ولفت النظر إلى الانطباع المتزايد بين العديد من الإسرائيليين بأن نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي مصمم، بأي ثمن، على استغلال بقائه في السلطة لعرقلة العملية الجنائية ضده.

وفي السياق ذاته، يقول يوفال شاني، أستاذ القانون في «الجامعة العبرية» في القدس المحتلة والعميد السابق لكلية الحقوق في «الجامعة العبرية» في القدس: «كان ينبغي على نتنياهو الاستقالة من منصبه فور صدور لائحة الاتهام ضده في عام 2019. وكان هذا هو ما سيفعله أي سياسي عاقل. لكنه، بدلًا من ذلك، وقف بكل قوة ضد القضاء. وفي النهاية بدا أن هدفه السياسي الرئيس هو الحصول على حصانة تحميه من إجراءات المحاكمة».

لماذا حاول نتنياهو تقويض سيادة القانون؟

وأضاف الكاتب قائلًا: وبمعنى آخر، كانت الأولوية القصوى عند نتنياهو هي مصلحته الشخصية وألا يُزج به في السجن، إلى حد أنه كان مستعدًا لتقويض المؤسسات الأساسية لسيادة القانون والديمقراطية، مثل المحكمة العليا والقضاء المستقل والصحافة الحرة. ومن هذا المنطلق، كانت الاضطرابات التي شهدتها إسرائيل في الأيام الأخيرة بمثابة بلوغ ذروة الغضب ضده وليس خروجًا عن المألوف. وقال شاني إن نتنياهو: «أصبح سياسيًّا يذهب إلى أبعد الحدود بلا أي حدود».

وكان لدى نتنياهو رفاق وحلفاء مرموقين، إذ أقام رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي منحه فوزه غير المتوقع بالانتخابات في عام 2015 إحساسًا جديدًا بأنه بالغ القوة، علاقات وثيقة مع فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، ومع ترامب. وتوطدت صلات نتنياهو بقادة دول العالم التي تعتزم تركيز السلطة في نماذج حكم جديدة غير ليبرالية.

وخلال كل الانتخابات الإسرائيلية، كان نتنياهو بحاجة إلى أغلبية قوية بالقدر الكافي لتغيير القانون الأساسي لإسرائيل لكي تُصبح محاكمة رئيس الوزراء في منصبه أمرًا مستحيلًا، ومن أجل سلب سلطة إلغاء هذا التشريع من المحكمة العليا. لكنه لم يحصل أبدًا على هذه الأغلبية.

وفي السياق ذاته، استشهد الكاتب بما قاله يوهانان بليسنر، رئيس معهد إسرائيل للديمقراطية: «ليس ثمة شك أن نتنياهو أراد الحد من دور سلطة المراجعة القضائية للمحكمة العليا وتقليل سلطتها على كلٍّ من تشريعات الكنيست الإسرائيلي والقرارات الإدارية للمؤسسات الحكومية. لكن الضوابط والتوازنات الرقابية في ديمقراطية إسرائيل الفتية سليمة». بحسب وصف بليسنر.

نتنياهو لن ينتهي إلى الأبد

ورجَّح الكاتب أن هذه الضوابط والتوازنات الرقابية تدفع إسرائيل نحو التغيير الديمقراطي للحكومة في يوم الأحد القادم. لكن إسرائيل، على النقيض من الولايات المتحدة، دولة برلمانية وليست ديمقراطية رئاسية، وهذا يعني أن نتنياهو لن يختفي ذاهبًا إلى منتجع مشمس بجوار ملعب الجولف. لكنه سيظل يتمتع بسلطات واسعة بصفته رئيسًا لحزب الليكود.

وقالت ميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل والعضو في الائتلاف الجديد لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، إن: «نتنياهو لن يرحل ولن يهدأ. وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لإصلاح الأضرار».

ونوَّه الكاتب إلى أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستنظر في سن قانون يحدد الحد الأقصى لتولي رئاسة الوزراء بفترتين رئاسيتين متتاليتين، أي ثمانية سنوات، ثم إلزام الشخص بقضاء أربع سنوات خارج الكنيست قبل الترشح مرة أخرى لرئاسة الوزراء. وهذا التشريع يُبرز كيف اهتزَّت الديمقراطية الإسرائيلية على يدي نتنياهو الذي مكث في السلطة مدة 15 عامًا.

التخلي عن سياسة الأرض المحروقة

بدوره، قدَّم نير أورباخ، نائب حزب يمينا في الكنيست الإسرائيلي، والذي تعرَّض لهجوم شرس من حزب الليكود وضغطوا عليه من أجل تغيير رأيه بشأن دعم الائتلاف الجديد، شرحًا لفكرته التي دفعته لدعم الائتلاف على صفحته على «فيسبوك».

وكتب أورباخ في منشوره إنه: «ليس قرارًا سهلًا، ولكن يفرضه واقع الحياة التي نستيقظ عليها كل صباح يوميًّا، إذ عشنا أكثر من 700 يوم من عدم الاستقرار الحكومي، والأزمات المدنية، بالإضافة إلى تصاعد الخطاب المحرِّض على العنف والإحساس بانتشار الفوضى، وأصبحنا على شفا اندلاع حرب أهلية».

واعتبر الكاتب منشور أورباخ على «فيسبوك» بمثابة وصف جيد للاستنزاف الذي عاشته إسرائيل بسبب تصميم نتنياهو الملتوي على البقاء في السلطة. وأكدت ميراف ميخائيلي أن: «نتنياهو يعمل منذ مدة طويلة للغاية على تآكل ديمقراطية إسرائيل». وفي إشارة إلى مقتل إسحاق رابين عام 1995، تابعت قائلةً: «تذكر أننا شهدنا اغتيال رئيس حكومتنا، وسنظل في صراع مستمر من أجل الحفاظ على شخصية إسرائيل وروحها. لكننا سننتصر».

واختتم الكاتب تحليله بالقول: إن الأيام القليلة القادمة ستكون بمثابة اختبار لهذا الادعاء. وحثَّ نفتالي بينيت، رئيس الحكومة المرتقب، نتنياهو على «ترك السلطة» والتخلي عن سياسة «الأرض المحروقة». لكن يبدو أن خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي من السلطة خروجًا مشرفًا أمر بعيد المنال، كما كان متوقعًا من الرئيس الأمريكي الذي ادعى أيضًا أن هزيمته في الانتخابات كانت مجرد سرقة.

**نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

For Netanyahu, like Trump, Only ‘Fraud’ Can Explain His Defeat 

الكاتب  Roger Cohen 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى