ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز- بقلم توماس ل.فريدمان – بايدن- سنقاتل مثل الجحيم من خلال الاستثمار في أمريكا أولاً

نيويورك تايمز –  بقلم  توماس ل.فريدمان – 2/12/2020

 المقابلة التي أجراها مع الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا جو بايدن، والتي ألقى فيها الضوء على مخططات بايدن في الأشهر الأولى له في البيت الأبيض وكذلك السنوات الأربعة لولايته الأولى.

تحدثتُ مع الرئيس بايدن مساء الثلاثاء عبر الهاتف وكان في حالة مزاجية جيدة؛ إذ وَرَده إعلان المدعي العام ويليام بار الذي يفيد أن وزارة العدل لم تجد تزويرًا مؤثرًا في نتيجة الانتخابات الرئاسية. وكان لدى بايدن موضوعات كثيرة للحديث عنها مثل طريقة تعاطيه مع ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الحالي في مجلس الشيوخ، وزملائه الجمهوريين من أجل اختيار الوزراء، وكذلك جدول أعماله وكيف ينوي إعادة تشكيل العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، واستعداده للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ووقف العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

طرحتُ على بايدن سؤالًا شخصيًّا واحدًا: كيف كان شعورك بالفوز بالرئاسة في ظل ظروف جائحة عالمية وحملة إعلامية قادها ترامب وأتباعه زاعمين أن نتيجة الانتخابات مزوَّرة؟ فأجاب بايدن: «أشعر أنني فعلتُ خيرًا للبلاد بأن جنَّبتها ولاية رئاسية جديدة تحت حكم ترامب. لكن لم تكن هناك لحظة ابتهاج، هناك كثير من المهام وأريد إنجاز ما أستطيع إنجازه بأسرع ما يمكن».

وأشار بايدن إلى أن مقدار ما سينجزه يعتمد إلى حد كبير على أمرين: أولًا، رد فعل الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب عندما يعلمون أن ترامب خرج من السلطة بالفعل. ثانيًا، كيف سيتصرف ميتش ماكونيل إذا استمر في منصبه؟

وأوضح بايدن أن أولويته القصوى تتمثل في الحصول على موافقة الكونجرس بشأن حزمة تحفيزية سخية حتى قبل أن يتولى منصبه، وذلك بسبب أن البلاد ستعاني أضرارًا اقتصادية خطيرة وطويلة الأمد إذا لم نتصدَ لحقيقة أن «هناك أكثر من 10 ملايين شخص قلقبن حول كيفية سداد مستحقات الرهن العقاري القادمة، ولدينا عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين لا يملكون دفع قيمة إيجار منازلهم».

وأضاف بايدن: «إن ابتعاد الأشخاص عن قوة العمل (بسبب الإغلاق الذي سببته الجائحة) لمدة طويلة يجعل من الصعب عليهم العودة إلى العمل، وبذلك تضيع عليهم سنوات من الفرص. والأمر نفسه ينطبق على أطفال المدارس، والذين قد ينتهي بهم الأمر إلى فَقْد سنتين أو ثلاثة من سنوات الدراسة».

هل يتعاون الجمهوريون مع بايدن؟

ويرى بايدن أنه ليس هناك ما يمنع من زيادة الضرائب في البلاد لتصل قيمتها إلى 39.6% كما كانت في بداية حكم إدارة بوش. لكن التحدي الحقيقي ما إذا كان بإمكان بايدن تمرير أمر كهذا في الكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية وتجاوز ماكونيل.

وحول العلاقة مع ماكونيل، يقول بايدن: «دعني أصِفها لك، يقول الناس إن هناك عددًا من الأمور التي لن تُنجز طالما أن ماكونيل يحكم مجلس الشيوخ، لكنني استطعتُ إنجازها معه، وأقنعتهم مثلًا برفع الضريبة على الأثرياء». واستدرك بايدن قائلًا: «ولكن، إذا سمح الجمهوريون لهذا الجهد أن يذهب هباءً منثورًا كي لا تنجح إدارة بايدن فحسب، فقد يكون لذلك تأثير على احتمالية ترشِّحهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 2022».

وحول الشأن الأمريكي الداخلي قال بايدن: «عندما يُسرَّح رجال الشرطة ورجال الإطفاء والمستجيبون الأوائل (لحالات الطوارئ) في جميع المجالات، وعندما لا يكون هناك توزيع عادل للقاحات في المناطق الريفية، فسيترتب على هذا الأمر بعض العواقب بلا شك».

وأضاف أن العالم قد يبدو مختلفًا اليوم بالنسبة للجمهوريين بعد خروج ترامب من السلطة. وأكَّد: «لستُ متأكدًا من ثبات الجمهوريين على موقفهم القائل بأننا (الديمقراطيين) لن ننجح في فعل شيء كي تظل الأعمال والمتاجر المدارس مفتوحة بأمان. وإذا كان هناك سيناتور جمهوري يقول: «نتمنى أن تُفلِس الولايات»، أقول له يا أيها السيناتور، الجمهوريون يعيشون في هذه الولايات أيضًا».

خيارات بايدن في التعامل مع إيران

حيث طرح بايدن نقطتين مهمتين. أولًا، سأله عما إذا كان متمسكًا بآرائه بشأن الاتفاق النووي الإيراني التي أوضحها في مقالٍ له بتاريخ 13 سبتمبر (أيلول) على موقع سي إن إن، فأجاب: «سيكون الأمر صعبًا، لكن نعم ما زلتُ متمسكًا بها». وسبق لبايدن أن كتب: «إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم بالاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات»، وستُرفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

من الواضح أن الإيرانيين يأملون في ذلك. إذ قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، إن عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال الكامل بالاتفاق يمكن أن يحدث «تلقائيًّا» و«دون حاجة إلى مفاوضات».

وفي هذا الصدد، يجدر أن نذكر أن التوقيع على الاتفاق النووي – المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) – حدث في عام 2015. وانسحب ترامب من جانب واحد في مايو (آيار) عام 2018، وأعاد فرض عقوبات نفطية خانقة على إيران، مدَّعيًا أنها كانت صفقة سيئة منذ البداية وأن إيران كانت تخدعنا –وهي وجهة نظر لم يؤمن بها حلفاؤنا الأوروبيون أو المفتشون الدوليون.

ويرى بايدن وفريقه للأمن القومي أنه بمجرد عودة الجانبين إلى الالتزام بالاتفاق، يجب أن تكون هناك جولة من المفاوضات للسعي لإطالة أمد القيودالمفروضة على إنتاج إيران للمواد الانشطارية التي يمكن استخدامها لصنع قنبلة نووية –حُدِّدت في الاتفاق أصلًا بـ 15 عامًا- وكذلك التعامل مع أنشطة إيران الإقليمية الخبيثة، التي يُنفِّذها وكلاؤها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ويود فريق بايدن أن تشمل مفاوضات المتابعة ليس الموقِّعين الأصليين على الصفقة –إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي- فحسب، ولكن ينبغي أن تشمل أيضًا جيران إيران من العرب، وبخاصة السعودية والإمارات.

كتبت الأسبوع الماضي في عموده موضحًا أنه من غير الحكمة أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها الخاص بالعقوبات النفطية التي فرضها ترامب على إيران لمجرد استئناف الاتفاق النووي. ويجب أن نستخدم هذا النفوذ للضغط على إيران لكبح صادراتها من الصواريخ الموجَّهة بدقة إلى حلفائها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، والذين يهددون إسرائيل وعديدًا من الدول العربية.

ويدرك فريق بايدن هذه النقطة، ويصرون في الوقت الحالي على أن المصلحة القومية الكبرى لأمريكا تتمثل في إعادة البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة والتفتيش الكامل. ومن وجهة نظرهم، يشكِّل تطوير إيران لسلاح نووي تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للولايات المتحدة والنظام العالمي الخاص بالتحكم في الأسلحة النووية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

يقول بايدن: «هناك كلام كثير عن الصواريخ الموجَّهة بدقة وجميع الأشياء الأخرى التي تزعزع استقرار المنطقة». لكن الحقيقة هي أن «أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة» هي التعامل مع «البرنامج النووي». وإذا نجحت إيران في تصنيع قنبلة نووية، فإن ذلك سيشكل ضغوطًا هائلة على السعودية وتركيا ومصر وغيرها من الدول لتصنيع أسلحة نووية كذلك.

يقول بايدن: «بالتشاور مع حلفائنا وشركائنا، سنشارك في مفاوضات واتفاقات متابعة لتشديد القيود على الأنشطة النووية الإيرانية وإطالة أمدها، وكذلك معالجة برنامج الصواريخ». وأضاف أن الولايات المتحدة لديها دائمًا خيار إعادة فرض العقوبات إذا لزم الأمر، وإيران تعرف ذلك.

استراتيجية محددة للتعامل مع الصين

وفيما يتعلق بالصين، قال بايدن إنه لن يتحرك على الفور لإلغاء الرسوم الجمركية البالغة 25% التي فرضها ترامب على حوالي نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة – أو اتفاقية المرحلة الأولى التي وقَّعها ترامب مع الصين والتي تتطلب من بكين شراء سلع وخدمات أمريكية إضافية بحوالي 200 مليار دولار خلال المدة من عام 2020 إلى 2021 – والتي تراجعت عنها الصين تراجعًا كبيرًا.

وقال: «لن أتخذ أي خطوات فورية، والأمر نفسه ينطبق على الرسوم الجمركية». ويلفت فريدمان إلى أن بايدن يريد أولًا إجراء مراجعة كاملة للاتفاقية الحالية مع الصين والتشاور مع حلفائنا التقليديين في آسيا وأوروبا، حتى «نتمكن من تطوير استراتيجية متماسكة».

وأضاف أن أفضل استراتيجية للتعامل مع الصين هي تلك الاستراتيجية التي تتعامل بها أمريكا مع حلفائها – أو بالأحرى حلفائها السابقين، بحسب المقال. وستكون أولوية رئيسة بالنسبة للرئيس في الأسابيع الأولى من رئاسته أن يحاول لم شمل الولايات المتحدة مع حلفائها. ويشير الكاتب إلى المشاكل التي عانى منها قادة الصين مع ترامب، لكنهم كانوا يدركون أنه طالما ظل ترامب رئيسًا، فلن تستطيع الولايات المتحدة أبدًا تشكيل تحالف عالمي ضدهم. إن استراتيجية بايدن، إذا استطاع تنفيذها، لن تلقَ ترحيبًا من جانب الصين.

وفي الوقت الذي كان يركز فيه ترامب على العجز التجاري مع الصين، دون تحقيق نجاح يذكر على الرغم من حربه التجارية، نجد بايدن يقول إن: «هدفه سيكون اتباع سياسات تجارية تؤدي في الواقع إلى حدوث تقدم حيال ممارسات الصين التعسفية المتعلقة بسرقة الملكية الفكرية وإغراق الأسواق بالمنتجات وتقديم الإعانات غير القانونية إلى الشركات «وفرض» عمليات نقل التكنولوجيا من الشركات الأمريكية إلى نظيراتها الصينية».

وخلُص بايدن إلى أن الأمر كله يتعلق بـ«النفوذ»، و هو أمر من وجهة نظر الكاتب، لا يتوفر بعد للولايات المتحدة. وجزء من توليد المزيد من النفوذ، يتمثل في تطوير إجماع من الحزبين في الداخل لبعض السياسات الصناعية الأمريكية القديمة الجيدة –مثل ضخ استثمارات حكومية ضخمة في البحث والتطوير الأمريكي والبنية التحتية والتعليم لمنافسة الصين بشكل أفضل- وليس الشكوى منها فحسب. ولدى أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين مشروعات قوانين تدعو إلى مثل هذه الاستراتيجية.

الاستثمار في أمريكا أولًا

وفي هذا الصدد، يقول بايدن: «أريد أن أتأكد من أننا سنبذل أقصى ما في وسعنا من أجل الاستثمار داخل أمريكا أولًا». وحدد الطاقة والتكنولوجيا الحيوية والمواد المتقدمة والذكاء الاصطناعي باعتبارها مجالات جاهزة للاستثمار الحكومي الواسع النطاق في مجال البحوث. وقال: «لن أدخل في أي اتفاقية تجارية جديدة مع أي شخص حتى نقوم باستثمارات كبيرة هنا داخل وطننا وفي عمَّالنا وفي التعليم».

وفي هذه المرة، أصر بايدن على أن أمريكا الريفية لن تُهمل مرةً أخرى. ولا يمكن للديمقراطيين أن يضيعوا أربع سنوات أخرى ليفقدوا كل مقاطعة ريفية في أمريكا تقريبًا. ولذلك، يتعين على الديمقراطيين معرفة ما يجري هناك والتحدث إلى الناخبين الريفيين على نحو أكثر فعالية.

وفي هذا الشأن، يقول بايدن: «أحترم القرويين»، وأخطط لإثبات ذلك من خلال «معالجة فيروس كورونا المُستجد في جميع المناطق على حد سواء». وأضاف: «يتعين علينا إنهاء أزمة الرعاية الصحية الريفية في الوقت الحالي من خلال البناء على نظام الرعاية الصحية الذي استحدثه الرئيس الأسبق أوباما. وهناك دعم قوي لذلك الأمر – وخاصة من سكان الولايات الريفية، مثل تكساس ونورث كارولينا.

بايدن : نحن في ورطة حقيقية

وفي رده على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين هدَّدوا بعدم تأكيد تعيين نيرا تاندين مديرة لمكتب الإدارة والميزانية، بسبب سلسلة تغريدات سيئة نشرتها عن الجمهوريين، ضحك بايدن قائلًا: «بالمناسبة، هي شخصية ذكية للغاية. وأعتقد أنهم سيختارون شخصين فقط للدفاع عنهما بشدة بغض النظر عن السبب». واختتم بايدن حواره مع الكاتب بالتأمل في قُبْح السنوات الأربع الماضية – التي لم ينظر فيها إلا إلى نصف الكأس الفارغ لكنه قرر في النهاية، أن ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ. وقال: «إن تصويت 72 مليون شخص لصالح ترامب أمر كبير. لكن ربما عندما يرحل عن المشهد، لا يستمر وجود القبح». وتابع: «يجب أن يعود جزء ما من هذا الشعب إلى أرضية مشتركة يمكننا التعاون فيها. وعلينا معرفة كيفية العمل معًا. وبخلاف ذلك، سنكون في ورطة حقيقية».

توماس فريدمان، الصحفي الأمريكي وكاتب العمود في قسم الشؤون الخارجية في الصحيفة منذ 1995،

** نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

Biden: ‘We’re Going to Fight Like Hell by Investing in America First

الكاتب  Thomas L. Friedman

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى