ترجمات أجنبيةشوؤن دولية

نيويورك تايمز – بقلم توماس إدسال – لماذا يحافظ ترامب على شعبيته إلى حد الآن ؟

نيويورك تايمز – بقلم  توماس إدسال *- 24/1/2020

يشير فشل الناخبين الأمريكيين في معارضة الرئيس دونالد ترامب، رغم توثيق الفظائع التي ارتكبها، إلى أن الناخبين أقل تسامحًا وتعاطفًا وإصرارًا على النزاهة مما يعتقد الكثيرون، وقد كشف انتخاب ترامب وأداؤه خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايته عن تناقض آراء الأمة بشأن قضايا مثل الهجرة والعرق والمساواة والعدل وحتى القواعد الأساسية للديمقراطية.

ماذا لو كانت أنظمة الاعتقاد المستخدمة لتبرير السياسات المناهضة للمهاجرين والتحيز العرقي، التي تتمثل في العداء للأجانب والتعصّب والحساسية العالية للتهديد الخارجي، متأصلة بعمق في الكيان السياسي الأمريكي، على غرار أنظمة الاعتقاد المتعاطفة مع الهجرة ومع المساواة العرقية، والانفتاح، وتقبل التجارب الجديدة، ولكن ماذا عن الثقة؟

أجابت كارين ستينر، وهي عالمة نفس سياسية وخبيرة سلوكية اشتهرت “بالتنبؤ بصعود شخصيات مثل ترامب في ظل الظروف التي نواجهها الآن”، على استفساراتي عبر البريد الإلكتروني، وقد أشارت إلى الضغوط المتعارضة التي تلعب دورًا هامًا: “لا أعتقد أنني قد أتفق على أن المواقف المحافظة المؤيدة ترامب بشأن الهجرة والعرق وظاهرة التشرد، تشكّل موقفًا أكثر “طبيعية”. إن المجتمعات المتوازنة التي تضم الأشخاص الذين يبحثون عن التنوع والتعقيد والابتكار والتجارب الجديدة والمثيرة، وأولئك الذين يشعرون بالاشمئزاز من مثل هذه الأمور وينفرون منها ويتجنبونها ويطلبون من الآخرين أن يحذوا حذوههم، تميل إلى النجاح والازدهار وتساهم في تطور الإنسان”.

من المرجح أن تؤدي الديمقراطية الأقل ليبرالية في نهاية المطاف إلى جعل الديمقراطية الليبرالية أكثر أمانا.

فيما يتعلق بالعثور على التوازن الصحيح، أكدت ستينر أنه أمر “ضروري للتماسك الاجتماعي وازدهار الإنسان على حد السواء”، لكنها حذرت من أنه “ربما نكون قد دفعنا التوازن بعيدًا لصالح التنوع والتعقيد الذي لا يخضع إلى قيود”، الأمر الذي دفع الحدود إلى ما هو أبعد من “قدرة العديد من الأشخاص على تحمل ذلك“. وفي هذه المرحلة، جادلت ستينر بأنه ينبغي علينا أن نتكيّف مع هذا التوازن وأن نوصله بطريقة صحيحة للجميع، لذلك، يوجد مفارقة في عصرنا الحالي: من المرجح أن تؤدي الديمقراطية الأقل ليبرالية في نهاية المطاف إلى جعل الديمقراطية الليبرالية أكثر أمانًا.

جادلت ستينر بأن المشاعر المتضاربة في صفوف الليبراليين تكون خاصة حول “قضايا الهجرة”، ويمكن لهذا التناقض أن يتفاقم بسبب عدم رغبة الليبراليين في قبول نقاش مفتوح يمكن فيه لمعارضي الهجرة “التعبير عن مخاوفهم واهتماماتهم، دون أن يُنعتوا بالعنصريين”.

في حال كان المجتمع بالفعل متنوعًا إلى حد كبير، تقل أهمية زيادة تنوعه. وتعتبر التدفقات الكبيرة من الوافدين الجدد المتنوعين أقل تهديدا لأن المجتمع قد تكيف بالفعل مع تنوع أكبر.

من جهتها، توصلت سوزيت بروكس ماسترز، التي كتبت بشكل موسع عن اندماج المهاجرين والاحتجاز والهجرة القائمة على التوظيف ومجال حقوق المهاجرين عمومًا، إلى نقطة موازية في دراستها الأخيرة للهجرة بعنوان “التغيير صعب”: يتفق الأكاديميون على أن وتيرة التغيير بالنسبة لتكوين المجتمع المُتلقي هي العنصر الأكثر أهمية. ببساطة، في حال كان المجتمع بالفعل متنوعًا إلى حد كبير، تقل أهمية زيادة تنوعه، حيث تعتبر التدفقات الكبيرة من الوافدين الجدد المتنوعين أقل تهديدًا لأن المجتمع قد تكيف بالفعل مع تنوع أكبر. خلافاً لذلك، في مجتمع متجانس نسبيًا، يمكن حتى للأعداد المطلقة الصغيرة من الوافدين الجدد، على غرار اللاجئين، أن تؤدي إلى خلق اضطراب وتنشيط القلق الثقافي.

في سياق متصل، قدم جوناثان هايدت، وهو أستاذ في كلية ستيرن نيويورك للأعمال في نيويورك، فحصًا دقيقًا مماثلا لكيفية تحقيق التوازن بين العصبية القبلية والانفتاح. وحول العصبية القبلية، كتب في رسالة البريد الإلكتروني: “إنها ليست عقلية “نحن ضد الباقين” الحمقاء والأبدية، بل مجموعة من إجراءات التكيف النفسي التي تجعل الأشخاص يستجيبون للتهديدات والمنافسة بين المجموعات بالرغبة في توحيد صفوفهم، وفرض الولاء للفريق، وحراسة الحدود أو الإقليم”.

في الساحة السياسية، أورد هايدت أنه “إذا ما حظي المرء بنوع من النفوذ وتفوق على الآخرين فيما يتعلق بإخلاص المرء للقيم المقدسة، على غرار تشديد الحراسة على الحدود الأمريكية بالنسبة للأحزاب اليمينية، أو مناهضة العنصرية بالنسبة للأحزاب اليسارية، وأصبح خطاب الحزب أكثر تطرفًا، يتقدم المرشحون بمقترحات أكثر تطرفا لاكتساب مكانة، كما أشار هايدت إلى أن الضغوط الرامية إلى الانتقال إلى أحد طرفي النقيض “متناظرة تقريبًا بين اليسار واليمين”.

يميل اليمين إلى إلقاء اللوم على الإخفاقات الفردية بينما يميل اليسار إلى إلقاء العبء على القوى الاقتصادية والسياسية.

يتخذ جون هيبنغ، وهو عالم سياسي في جامعة نبراسكا، موقفًا أكثر تشددًا، حيث قال في رسالة البريد الإلكتروني: “مع أن النظر في مثل هذه الأمور دائمًا ما يكون مجرد تخمين، يعد احتمال أن تكون التوجهات المحافظة، خاصةً في موضوعات مثل الهجرة والعرق، تطورية بشكل أساسي، معقولًا تمامًا”.

في كتابهم “المنحازون: الليبراليون والمحافظون وبيولوجيا الاختلافات السياسية”، جادل كل من هيبينغ، وكيفين سميث من جامعة نبراسكا، وجون ألفورد من جامعة رايس، بأن “الترف التطوري” يمكن أن يظهر لدى الأشخاص حين تصبح “المحفزات السلبية أقل انتشارًا وأقل فتكًا”، أو كما وصفها هيبينغ في رسالة بريد إلكتروني، “عندما تتلاشى التهديدات اليومية للحياة وفروعها التي يفرضها البشر الآخرون”. في المقابل، كتبوا أنه إذا عادت البيئة إلى “جو مليء بالتهديدات”، فإن “الاختيار الإيجابي للتوجهات المحافظة سيعاود الظهور”.

دعونا نلقي نظرة على أحد الانقسامات الأساسية بين الليبراليين والمحافظين: أسباب الفقر. يميل اليمين إلى إلقاء اللوم على الإخفاقات الفردية بينما يميل اليسار إلى إلقاء العبء على القوى الاقتصادية والسياسية. ويظهر الرسم البياني المصاحب، الذي أعدّ انطلاقا من بيانات مجموعة دراسة الناخبين التي أجراها زاك غولدبرغ، وهو مرشح لدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية في ولاية جورجيا، هذه الفروقات.

لماذا بعض الأمريكيين فقراء؟

أجرت ليندا سكيتكا، وهي أستاذة علم نفس من جامعة إلينوي في شيكاغو، صحبة أربعة من زملائها، مجموعة من الاختبارات المثيرة للاهتمام لتحديد ديمومة وقوة المعتقدات الليبرالية والمحافظة حول الفقر في ورقة بحثية نشرت في سنة 2002، بعنوان “الترتيبات، البرامج النصية، أو التصحيح الحماسي؟ فهم الاختلافات العقائدية في تفسيرات المشاكل الاجتماعية”.

لقد وجدوا أنه في الأوقات الصعبة، عندما تزداد حدة المنافسة على السلع المحدودة، ينتقل الليبراليون إلى اليمين: “يعتبر الأمر أسهل إذا أصبحت ليبراليًا يتصرف مثل محافظ، مقارنة بمحافظ يتصرف مثل ليبرالي. يتصرف الليبراليون كمحافظين عندما تكون الموارد شحيحة، والحمل المعرفي كبير، والمساعدة تخدم الاحتياجات الثانوية وليس الاحتياجات الأساسية. ولا يتصرف المحافظون مثل الليبراليين إلا حين يُطلب منهم التفكير في مساعدة أي شخص لديه أسباب يمكن التحكم فيها داخليًا وقد قام بإصلاحها بشكل مقنع”.

إن الليبراليين يميلون إلى التركيز على التفسيرات الظرفية أو المؤسسية لأمور مثل التشرد أو سبب ارتكاب الأشخاص للجرائم، في حين يميل المحافظون إلى التركيز على التفسيرات الشخصية لنفس الظواهر

في رسالة بريد إلكتروني، قدمت سكيتكا بعض أسباب هذا الاختلاف: “تبيّن من البحث الذي أجريته أن تحميل الأشخاص المسؤولية عن محنتهم يُشكّل استجابة طبيعية أكثر من الشعور بالتعاطف مع المحتاجين. في معظم الأحوال، يكون الليبراليون أكثر تعاطفًا مع المحتاجين إلى حد كبير لأنهم غالبًا ما يعزون أسباب احتياجهم إلى الوضع التي يعيشونه. في المقابل، يعزو المحافظون أسباب حاجة الناس إلى أمر يتعلّق بالشخص المحتاج على وجه التحديد، على غرار أنه لا يعمل بجد بما فيه الكفاية، وما إلى ذلك”.

وفقًا لسكيتكا، بما أن إلقاء اللوم على الفرد يعتبر موقفًا افتراضيًا أو موقفًا احتياطيًا، فإنه يتعين على الليبراليين أن يخوضوا عملية “معرفية مضنية” للوصول إلى أقل استنتاج “طبيعي” – أو بالأحرى ينبغي على الناس أن يتغلبوا بشكل أساسي على الميل الطبيعي لاتخاذ مواقف غير موضعية بدلاً من ذلك”. وأضافت سكيتكا بأن الليبراليين، تحت ضغوط معينة، يستجيبون للمحتاجين بقدر ما يستجيب المحافظون وذلك عندما تكون الموارد نادرة أو عندما يكونون تحت ضغط معرفي هائل (على سبيل المثال، تشتت انتباههم)، أو تقلّص قدرتهم على ضبط النفس (على سبيل المثال، عندما يكونون تحت تأثير الكحول).

تنطبق الاختلافات بين اليسار واليمين حول أسباب الفقر على مواضيع أخرى مثيرة للجدل وبارزة إلى حد كبير في السياسة الأمريكية المعاصرة. وقد أشارت سكيتكا وزملاؤها إلى أن الليبراليين يميلون إلى التركيز على التفسيرات الظرفية أو المؤسسية لأمور مثل التشرد أو سبب ارتكاب الأشخاص للجرائم، في حين يميل المحافظون إلى التركيز على التفسيرات الشخصية لنفس الظواهر. وقد تلقت سكيتكا وزملاؤها المؤلفون دعمًا قويًا لحجتهم في مقال نشر سنة 2012 بعنوان “الفكر منخفض الجهد يشجع السياسة المحافظة”، من تأليف سكوت إيدلمان، أستاذ علم النفس في جامعة أركنساس، وثلاثة مؤلفين مشاركين.

إن المعنى الوحيد لوجود دليل على أننا نتغلب على ميولنا نحو القبلية هو من خلال التعليم.

في هذا الإطار، أجرت سكيتكا وزملاؤها سلسلة من الاختبارات قارنوا من خلالها بين إجابات مجموعتين حول مجموعة من الأسئلة الأيديولوجية. واجهت المجموعة الأولى ضغطًا زمنيًا كما أجبرت على الإجابة في خلفية ضوضاء مشتتة للانتباه، في بيئة “مربكة، مقيّدة ومفككة للجهد الفكري التداولي”. طُرحت الأسئلة نفسها على المجموعة الثانية مع منحهم الوقت الكافي للتفكير بعيدًا عن الضوضاء أو أي مصادر إلهاء أخرى. وفي كلتا الحالتين، قدّمت المجموعة التي خضعت للاختبار في ظل ظروف مواتية إجابات أكثر سخاء من تلك التي خضعت للاختبار في ظل ظروف أكثر عدائية. بعبارة أخرى، أرغمت الظروف القاسية هؤلاء المشاركين على أداء ما أطلق عليه المؤلفون “التفكير منخفض الجهد”، وأظهرت النتائج أن “التفكير منخفض الجهد يشجع السياسة المحافظة”.

علاوة على ذلك، توجّه المؤلفون في إحدى تجاربهم الأربعة إلى حانة مجهولة الهوية في نيو إنغلاند وأقنعوا 85 سكيرا بإجراء الاختبار وقياس مستويات الكحول لديهم، وأظهرت نتائج التجربة أنه كلما أفرط روّاد الحانة في شرب الخمر أفصحوا عن مواقف أكثر اعتدالاً، وذلك نظرًا لأن الكحول يحد من القدرة المعرفية ويؤدي إلى تعطيل التحكم في الاستجابة، في حين يترك التفكير التلقائي سليمًا إلى حد كبير، لذلك، تدعم هذه البيانا ادعائنا بأن التفكير بجهد منخفض يعزز السياسة المحافظة.

في شأن ذي صلة، أشارت ديانا موتز، أستاذة العلوم السياسية والاتصالات في جامعة بنسلفانيا، إلى أن أحد الآثار المترتبة عن تقدّم مستويات التعليم يتمثّل في إحداث تغيير جوهري في وجهات نظر العالم الفردية، وكتبت في بريد إلكتروني: “إن المعنى الوحيد لوجود دليل على أننا نتغلب على ميولنا نحو القبلية هو من خلال التعليم. كل دراسة رأيتها من قبل في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية تبيّن أن التعليم يقلل المحسوبية داخل المجموعات ويعزز التسامح مع أولئك الذين يختلفون عنا. أما فيما يتعلّق بالدراسات المطوّلة التي تتعقب نفس الأشخاص بمرور الوقت، فقد تبين أنه مع اكتساب الناس لمستويات متقدمة من التعليم، يصبحون أكثر تسامحًا وميلا تجاه المعايير الديمقراطية الليبرالية”.

إن نسبة كبيرة ومتنامية من عامة الناس في الولايات المتحدة يتمتعون بوجهات نظر ليبرالية متسامحة، وهذه الآراء عميقة الجذور ودائمة”.

كرس الباحث رونالد إنغلهارت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيغان، قدرًا كبيرًا من حياته المهنية لدراسة الانتقال في البلدان المتقدمة من القيم المادية إلى القيم ما بعد المادية – من التوجه القيمي الذي يؤكد على الأمن الاقتصادي والمادي إلى التوجه الذي يؤكد على التعبير عن الذات ونوعية الحياة، إذ يرى إنغلهارت تحولًا عامًا نحو وجهات نظر أكثر ليبرالية في العالم ـ ربما مع ارتفاع عدد الناخبين الحاصلين على الشهادات الجامعية والمتخرجين من المعاهد العليا، وقد أشار إنغلهارت في رسالة بريد إلكتروني إلى أن “القيم الليبرالية ليست مجرد مظهر خادع يخفي حقيقة أقل إبهاجًا بكثير. إن نسبة كبيرة ومتنامية من عامة الناس في الولايات المتحدة يتمتعون بوجهات نظر ليبرالية متسامحة، وهذه الآراء عميقة الجذور ودائمة”.

والجدير بالذكر أن بحث إنغلهارت وجد أن هؤلاء الذين طوروا قيمًا ما بعد مادية (والتي ترتبط ارتباطًا قويًا بما تعتقده من قيم “ليبرالية”) في سنوات ما قبل البلوغ، ظلوا نسبيًا كذلك بعد أربعين عامًا. بشكل عام، يتخذ الماديون وما بعد الماديون جانبين متعارضين في الرد على هذه العبارات: “يجب على المرأة أن/ ليس بالضرورة أن تنجب أطفالا لضمان الوفاء؛ أنا أرغب/ لا أرغب في أن يكون الأجانب أو الشواذ جنسيا أو الأشخاص المصابون بمرض الإيدز جيراني، الطفل يحتاج إلى/ لا يحتاج إلى العيش في منزل مع الأب والأم لكي يكبر بسعادة؛ الخيال يعدّ/ ليس من الأشياء المهمة لتعليم الطفل؛ الرجال لا يعتبرون قادة سياسيين أفضل من النساء؛ الشذوذ الجنسي له / ليس له ما يبرره أبدًا”. استنادًا لما قاله إنغلهارت، منذ سنة 1970 وحتى الوقت الراهن، ارتفعت نسبة الماديين الذي أصبحوا ما بعد الماديين من 4-1 إلى 1-1.

في المقابل، أثبتت أبحاث ريان إينوس، العالم السياسي بجامعة هارفارد مدى خطورة الالتزامات العنصرية الليبرالية عندما اختُبرت في ظروف العالم الواقعي، وحسب إينوس “لا شك أن المشاعر المتضاربة في التعامل مع هذه القضايا بين الليبراليين والمحافظين أكثر من تلك التي انعكست في استطلاعات الرأي”. وأضاف إينوس أنه “إلى جانب ضغوط “الانحياز للمقبول اجتماعيًا” لإعطاء الإجابة الليبرالية، سوف يكذب آخرون على أنفسهم ويقنعون أنفسهم بأنهم يصدّقون أمرًا لا يؤمنون به حقا، بينما يكون البعض الآخر ليبراليين من الناحية النظرية ولكن أقل من ذلك في الممارسة العملية عندما يتعلق الأمر بأشياء مثل التشرد في مدينتهم أو حيهم”.

فضلا عن ذلك، هناك مصادر أخرى للتوتر الداخلي والمصالح المتضاربة بين الديمقراطيين والليبراليين. لقد كتبت مرارًا وتكرارًا عن المشكلات التي تواجه الائتلاف الديمقراطي “على الصعيد العلوي والسفلي” – الذي يجمع بين الناخبين الأثرياء المثقفين جيدًا ونسبيا الذين هم من البيض بشكل غير متناسب، والناخبين من الطبقة العاملة والفقراء الذين يشكّلون أكبر الأقليات.

ما هي الأرضية المشتركة التي تجمع التحالف الديمقراطي الأمريكي وما مدى شيوعها؟

في كتابه بعنوان “السياسة من أجل السلطة: كيف تتجاوز السياسية مرحلة الهواية؟ بادر بالتحرك وأحدث تغييرًا حقيقيًا”، وفي مقال نشرته مجلة “ذا أتلانتيك”، ركز إيتان هيرش، وهو عالم سياسي في جامعة تافتس، على الالتزامات الأضعف نسبيًا التي تتعهد بها التحالفات الديمقراطية رفيعة المستوى للقيام بمبادرات سياسة تهدف إلى توفير مساعدة جوهرية.

في حديثه عن خريجي الجامعات الذين “يعتقد الكثير منهم أنهم يشاركون بفعالية في الحياة السياسية”، كتب هيرش في تقريره الذي نشرته مجلة “ذا أتلانتيك”: “إنهم يتابعون الأخبار ويقرؤون مقالات مثل هذا المقال ويناقشون آخر التطورات على وسائل التواصل الاجتماعي. قد يوقّعون عريضة عبر الإنترنت أو يقومون بتبرع على الإنترنت بقيمة 5 دولارات لدعم مرشح للرئاسة. لكنهم في الحقيقة، يلبون حاجتهم العاطفية والفكرية من خلال استهلاكهم للمعلومات السياسية، هؤلاء ليسوا سوى هواة سياسيين، ما يقومون به ليس انخراطًا في السياسة بل أشبه بمشاهدة برنامج سبورتز سانتر الرياضي عوضًا عن لعب كرة القدم”.

يحكم هيرش بقسوة على هؤلاء الناخبين، ويصفهم بأنهم “خريجون جامعيون بيض، وفئة ديمغرافية أغلبهم من الديمقراطيين”. وأضاف قائلا “يمارس هؤلاء الناخبون هواية السياسة لأنه في وسعهم القيام بذلك، إنهم لا يشعرون بالالتزام أو “بارتباط مصيرهم” بالأشخاص الذين لديهم احتياجات ملموسة، ليكونوا على أهبة الاستعداد لدعمهم. قد يتّحدون كحلفاء على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن قلة قليلة من الليبراليين البيض ناشطون في منظمات سياسية على أرض الواقع ليضحوا بوقتهم في الكفاح من أجل المساواة العرقية أو من أجل أي قضية أخرى يدعون بأنهم مؤمنون بها”.

ما أهمية هذه الازدواجية؟ كيف تحدث فارقًا إذا كان الليبراليون والديمقراطيون أكثر تضاربًا من المحافظين والجمهوريين؟ في الحقيقة إن السبب الوحيد الذي يفسر ذلك هو أنه في خضم الانتخابات التي يتناقص فيها عدد المشاركين شيئا فشيئا، فإن الأنصار المتعارضين -أي الديمقراطيون في هذه الحالة – سيكونون أكثر عرضة للهجمات المولدة للصراع وإضعاف الحماس وهو ما يزيد من احتمال عدم التصويت. ومن المؤكد أن الرئيس ترامب وأنصار الحزب الجمهوري الذي يهيمن عليه يبذلون قصارى جهدهم للاستفادة من نقطة الضعف هذه.

لكن الأهم من ذلك، في العام الذي يُشترط فيه الإقبال الكبير على الانتخابات، تعكس الازدواجية في صفوف الديمقراطيين المشكلة الأكبر التي تواجه حزبًا سياسيًا يركز على العداء المشترك لترامب. قد يكون هذا العداء كافيًا لدفع مرشحه الرئاسي للفوز وقد لا يفي بالغرض، لكن التوتر المتأصل بين القطاعات المختلفة في ائتلاف يسار الوسط حول القضايا الأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن التباين الصارخ في الدخل بين الأحزاب، يثير التساؤل حول الأرضية المشتركة التي تجمع التحالف الديمقراطي ومدى شيوعها؟

*توماس إدسال ،  كاتب وصحفي مختص في الاتجاهات الاستراتيجية والديمغرافية للسياسة الأمريكية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى