ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز الأمريكية- بقلم لكاترين بنهولد- استثناء ألماني ؟ 5 أسباب جعلت الوفيات بسبب كورونا في البلاد منخفض

صحيفة  نيويورك تايمز الأمريكية  – بقلم  لكاترين بنهولد -4/4/2020

وقد ضرب الوباء ألمانيا بشدة ، حيث أصيب أكثر من 100.000 شخص.  لكن النسبة المئوية للحالات المميتة كانت منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بتلك الموجودة في العديد من البلدان المجاورة.

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا لكاترين بنهولد، مديرة مكتب الصحيفة في العاصمة الألمانية برلين، تناولت فيه أسباب انخفاض معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد في ألمانيا، التي شهدت إصابة أكثر من 92 ألف شخص، بينما كانت النسبة المئوية للوَفَيَات منخفضة انخفاضًا ملحوظًا، مقارنةً بتلك الموجودة في العديد من البلاد المجاورة.

في بداية التقرير، تصف المراسلة أطباءً يرتدون ملابس ومعدات واقية، ويتجولون في شوارع مدينة هايدلبرج الفارغة لمتابعة أحوال المرضى القابعين في منازلهم، بعد خمسة أو ستة أيام من إصابتهم بفيروس كورونا، ويسمى هؤلاء «تاكسي كورونا».

يأخذ هؤلاء الأطباء عينات دم من المرضى لفحصها، والتحقق من وجود دلالات تشير إلى أن حالة المريض أوشكت على التدهور الحاد. وقد يقترحون عليهم الذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج. حتى بالنسبة للمريض الذي يعاني من أعراض خفيفة فقط، تزيد فرص النجاة إذا بدأ هذا التدهور عند وجود المريض في المستشفى.

قال البروفيسور هانز جورج كروسليتش، رئيس قسم علم الفيروسات في المستشفى الجامعي في هايدلبرج، إحدى المستشفيات البحثية الرائدة في ألمانيا: «تحدث نقطة التحول هذه في نهاية الأسبوع الأول. وإذا كان من الممكن أن تتوقف رئتيْكَ عن أداء وظيفتهما، فحينئذٍ تبدأ حالتك في التدهور».

البداية بين الشباب

لفتت المراسلة إلى أن «تاكسي كورونا» في هايدلبرج، هي مبادرة واحدة فقط في مدينة واحدة. لكنها توضح مستوى من المشاركة والالتزام بتخصيص الموارد العامة لمكافحة الوباء؛ مما يساعد في تفسير أحد أكثر الألغاز إثارة للاهتمام بشأن الوباء: ما سبب الانخفاض الكبير لمعدل الوفيات في ألمانيا؟

ضرب الفيروس والمرض الناجم عنه، كوفيد-19، ألمانيا بقوة. وفقًا لجامعة جونز هوبكنز، كانت هناك أكثر من 92 ألف إصابة مؤكدة مختبريًّا في البلاد حتى منتصف يوم السبت، متخطيةً أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا. ولكن بعد وفاة 1.295 شخص، بلغت نسبة الوفيات في ألمانيا 1.4%، مقارنة بـ12% في إيطاليا، وحوالي 10% في إسبانيا، وفرنسا، وبريطانيا، و4% في الصين، و2.5% في الولايات المتحدة. وحتى في كوريا الجنوبية، وهي نموذج لتسطيح المنحنى، تخطى معدل الوفيات 1.7%.

وقال هندريك ستريك، مدير معهد علم الفيروسات في مستشفى بون الجامعي: «دار حديث عن أن ألمانيا شذَّت عن القاعدة». ويتلقى البروفيسور ستريك مكالمات من زملائه في الولايات المتحدة وأماكن أخرى لمتابعة أخبار الجائحة. وقال: «سألوني: ما الأمر المختلف الذي تفعلونه؟ ما سبب الانخفاض الكبير في معدل الوفيات لديكم؟».

متوسط ​​عُمْر المصابين بالفيروس في ألمانيا أقل منه في العديد من البلاد الأخرى.

يقول الخبراء إن هناك العديد من الإجابات عن هذه التساؤلات، لكنها مزيج من المغالطات الإحصائية والاختلافات الحقيقية للغاية في كيفية تعامل البلاد مع الوباء. ذلك أن متوسط ​​عُمْر المصابين بالفيروس في ألمانيا أقل منه في العديد من البلاد الأخرى. وقال البروفيسور كروسليتش إن العديد من أوائل المرضى الذين أصيبوا بالفيروس كانوا في منتجعات التزلج النمساوية والإيطالية، وهم من الشباب ويتمتعون بصحة جيدة نسبيًّا. وأضاف: «في البداية، كانت وباءً في صفوف المتزلجين».

وأوضح التقرير أنه مع انتشار العدوى، أُصيب عدد أكبر من كبار السن، وارتفع معدل الوفيات؛ بلغ 0.2% فقط قبل أسبوعين. لكن متوسط ​​عُمْر المصابين بالمرض ما يزال منخفضًا نسبيًّا؛ إذ يبلغ 49. وفي فرنسا، 62.5، وفي إيطاليا 62، وفقًا لأحدث التقارير الوطنية لديهم.

وهناك تفسير آخر لانخفاض معدل الوفيات، وهو أن ألمانيا كانت تختبر عددًا أكبر بكثير من الأشخاص مقارنةً بمعظم الدول. وهذا يعني أنها توصَّلت إلى المزيد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض قليلة، أو لا يعانون من أي أعراض، مما يزيد من عدد الحالات المعروفة، ولكن ليس من عدد الوفيات. وهو ما «يؤدي تلقائيًّا إلى تقليل معدل الوفيات المُسجَّلة على الورق»، كما يقول البروفيسور كروسليتش.

ولكن هناك أيضًا عوامل طبية مهمة أبقت عدد الوفيات في ألمانيا منخفضًا نسبيًّا، كما يقول علماء الأوبئة وعلماء الفيروسات، وأهمها: الاختبارات والعلاج المبكر والواسع النطاق، والكثير من أسرِّة العناية المركَّزة وحكومة موثوقة تُتَّبع إرشاداتها الخاصة بالتباعد الاجتماعي على نطاق واسع.

اختبارات كورونا.. 350 ألف اختبار أسبوعيًّا

أوضحت المراسلة أنه في منتصف يناير (كانون الثاني)، وقبل وقت طويل من تركيز معظم الألمان اهتمامهم على الفيروس، طوَّرت مستشفى شاريتيه في برلين اختبارًا ونشرت الوصفة الطبية عبر الإنترنت. وبحلول الوقت الذي سجَّلت فيه ألمانيا أول حالة إصابة بفيروس كوفيد-19 في فبراير (شباط)، كانت المختبرات في جميع أنحاء البلاد طوَّرت مخزونًا من أجهزة الاختبار.

وقال الدكتور كريستيان دروستين، كبير أطباء الفيروسات في شاريتيه، والذي طوَّر فريقه الاختبار الأول: «السبب في أن لدينا في ألمانيا عددًا قليلًا جدًّا من الوفيات في الوقت الحالي مقارنةً بعدد المصابين يمكن تفسيره إلى حد كبير من خلال حقيقة أننا نُجري عددًا كبيرًا جدًّا من التشخيصات المخبرية».

وحتى الآن، تُجري ألمانيا حوالي 350 ألف اختبار للإصابة بفيروس كورونا أسبوعيًّا؛ أي أكثر بكثير من أي دولة أوروبية أخرى. وقد أتاحت الاختبارات المبكرة واسعة النطاق للسلطات إبطاء انتشار الوباء عن طريق عزل الحالات المعروفة حين تكون ناقلة للعدوى. كما أتاحت فرصة إعطاء العلاج المنقذ للحياة في الوقت المناسب للمصابين.

قال البروفيسور كروسليتش: «عندما يكون لدي تشخيص مبكر، وبإمكاني علاج المرضى مبكرًا – على سبيل المثال، وضعهم على جهاز التنفس الصناعي قبل أن تتدهور حالتهم الصحية – فإن فرصة إنقاذ حياتهم تصبح أعلى بكثير».

ويخضع الموظفون الطبيون للاختبار بانتظام، وهم معرَّضون لخطر الإصابة بالفيروس ونشره على نحو خاص. ولتبسيط الإجراءات، بدأت بعض المستشفيات في إجراء اختبارات جماعية، باستخدام مسحات من 10 موظفين، ومتابعة الاختبارات الفردية فقط إذا كانت هناك نتيجة إيجابية.

وأردفت المراسلة أنه في نهاية أبريل (نيسان)، تخطط السلطات الصحية أيضًا لبدء دراسة واسعة النطاق للأجسام المضادة، واختبار عينات عشوائية من 100 ألف شخص في جميع أنحاء ألمانيا كل أسبوع؛ لقياس الأماكن التي تكثر فيها المناعة.

أحد أهم الإجراءات التي تضمن إجراء اختبارات واسعة النطاق هو أن المرضى لا يدفعون شيئًا مقابل ذلك.

وقال البروفيسور ستريك إن أحد أهم الإجراءات التي تضمن إجراء اختبارات واسعة النطاق هو أن المرضى لا يدفعون شيئًا مقابل ذلك. وأضاف أن هذا كان أحد الاختلافات البارزة مع الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة الأولى من تفشي المرض. ويوفر مشروع القانون الذي يستهدف تخفيف وطأة التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا الذي أقره الكونجرس الشهر الماضي الاختبارات مجانًا.

وتابع: «من غير المرجح أن يذهب الشاب الذي ليس لديه تأمين صحي ويعاني من حكَّة في الحلق إلى الطبيب، وبذلك يخاطر بإصابة المزيد من الناس».

التتبع

في يوم جمعة في أواخر شهر فبراير الماضي، تلقى البروفيسور ستريك أنباءً بأن مريضًا كشفت الاختبارات عن إصابته بفيروس كورونا، وكانت أول حالة في مستشفاه في مدينة بون.

رجل يبلغ من العمر 22 عامًا لم تظهر عليه أي أعراض، ولكن الجهة التي يعمل لديها – مدرسة – طلبت منه الخضوع للاختبار، بعد أن عَلِمتْ أنه شارك في احتفال شارك فيه شخص آخر أظهر نتائج إيجابية. ويقتصر الاختبار في معظم البلاد، لا سيما الولايات المتحدة، إلى حد كبير على المرضى الأشد مرضًا، ولذلك ربما يرفض الشخص إجراء اختبار.

ولا يمكن أن يحدث ذلك في ألمانيا؛ إذ إنه بمجرد ظهور نتائج الاختبار، أُغلقت المدرسة، وطُلِب من جميع الطلاب والموظفين البقاء في المنزل مع عائلاتهم لمدة أسبوعين. وخضع نحو 235 شخصًا للاختبار.

وقال الأستاذ ستريك: «الاختبار والتعقب بمثابة الاستراتيجية الناجعة في كوريا الجنوبية، وحاولنا التعلم من ذلك». وأضاف: «تعلمت ألمانيا أيضًا من الخطأ الذي وقعت فيه في البداية: كان ينبغي استخدام استراتيجية تعقب مخالطي المرضى بشكل أكبر».

أضاف ستريك أن جميع أولئك الذين عادوا إلى ألمانيا من إيشجل، منتجع تزلج نمساوي تفشى فيه الفيروس، على سبيل المثال، كان يجب تعقبهم واختبارهم.

نظام رعاية صحية عام قوي

وأفادت المراسلة، بأنه قبل أن تنتشر جائحة فيروس كورونا في جميع أنحاء ألمانيا، كان لدى المستشفى الجامعي في جيسن 173 سرير عناية مركَّزة مجهزًا بأجهزة تنفس. وفي الأسابيع الأخيرة، سارعت المستشفى لتجهيز 40 سريرًا إضافيًّا، وزاد عدد الموظفين الذين كانوا على أهبة الاستعداد للعمل في العناية المركزة بنسبة تصل إلى 50%.

وقالت سوزان هيرولد، أخصائية في أمراض الرئة في المستشفى، والتي أشرفت على إعادة الهيكلة: «لدينا قدرة استيعابية كبيرة الآن، ونقبل مرضى من إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا. نحن أقوياء جدًّا في مجال العناية المركَّزة».

وسعت المستشفيات في جميع أنحاء ألمانيا من قدراتها الاستيعابية في العناية المركَّزة. وكانت البداية من مستوى عال بالفعل. في يناير (كانون الأول)، كان لدى ألمانيا حوالي 28 ألف سرير عناية مركَّزة مجهزة بأجهزة تنفس، أو 34 سريرًا لكل 100 ألف شخص. وبالمقارنة، فإن هذا المعدل يبلغ 12 سريرًا في إيطاليا، وسبعة أسرَّة في هولندا.

أصبح العدد الآن 40 ألف سرير عناية مركَّزة في ألمانيا. ويشعر بعض الخبراء بتفاؤل حذِر من أن تدابير التباعد الاجتماعي قد تُسطِّح المنحنى بما يكفي ليتمكن نظام الرعاية الصحية الألماني من التغلب على الوباء، دون حدوث نقص شديد في معدات إنقاذ الأرواح، مثل أجهزة التنفس.

وأكمل البروفيسور ستريك: «من المهم أن تكون لدينا إرشادات للأطباء حول كيفية ممارسة سياسة الفرز بين المرضى، إذا اضطروا لذلك. ولكن آمل ألا نحتاج إلى استخدامها أبدًا».

وتباطأ الوقت اللازم لتضاعف عدد الإصابات بمقدار حوالي ثمانية أيام. وقال البروفيسور هيرولد إنه إذا تباطأ أكثر قليلًا ليتراوح بين 12 و14 يومًا، فإن النماذج تشير إلى أنه يمكن تجنب الفرز. وقال: «بدأ المنحنى في الاستقرار».

الثقة في الحكومة

ألمح التقرير إلى أنه بالإضافة إلى الاختبارات الجماعية، واستعدادات نظام الرعاية الصحية، يرى الكثيرون أيضًا أن إدارة المستشارة أنجيلا ميركل للأزمة كانت سببًا آخر للحفاظ على انخفاض معدل الوفيات؛ إذ تواصلت السيدة أنجيلا ميركل مع الجمهور بوضوح وهدوء وانتظام طوال الأزمة، وفرضت تدابير تباعد اجتماعي أكثر صرامة على البلاد.

صحيح أن هذه القيود، التي كانت حاسمة في إبطاء انتشار الوباء، قوبلت بمعارضة سياسية بسيطة، لكن الناس يلتزمون بها على نطاق واسع، كما ارتفعت معدلات تأييد المستشارة الألمانية.

واختتمت المراسلة تقريرها بكلام للبروفيسور كروسليتش، والذي قال: «ربما تتمثل قوتنا الأكبر في ألمانيا في اتخاذ القرار العقلاني على أعلى مستوى في الحكومة، مقترنًا بالثقة التي تتمتع بها الحكومة في صفوف الشعب».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى