ترجمات أجنبية

نيويوركر: هل هذه نهاية بيبي؟

نيويوركر 22-7-2023، بقلم ديفيد ريمنيك: هل هذه نهاية بيبي؟

لقد كان بنيامين نتنياهو رئيسًا لوزراء إسرائيل لفترة أطول من أي شخص في تاريخ الدولة ، وأطول من المدة التي قضاها الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت رئيسا للولايات المتحدة، قبل خمسة وعشرين عاما ، خلال ولاية نتنياهو الأولى ، تحدثت مع سلفه وزميله عضو الليكود يتسحاق شامير. “بيبي؟” قال شامير. “إنه ليس رجلاً جديرًا بالثقة.” وأضاف: “لا أصدق أنه يؤمن بأي شيء. لديه غرور. الناس لا يحبون مثل هؤلاء الناس. أنا لا أحبه “. بعد فترة وجيزة ، تحدثت مع شيمون بيريز ، زعيم حزب العمل الذي خسر أمام نتنياهو في عام 1996. كان بيريز غاضبًا من تصميم نتنياهو على تقويض اتفاقيات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين. كان تقييمه العام لخطأ نتنياهو غير الأخلاقي والسخرية يشبه إلى حد كبير تقييم شامير. وقال بيريز: “الاعتبار الوحيد لنتنياهو هو ائتلافه الخاص”. “إنه قلق دائمًا بشأن فقدان السلطة – هذه دائمًا أولويته الأولى.”

وفي نفس الرحلة اكتشفتأن الرجل لم يكن بطلا حتى بالنسبة لمسؤول الاتصالات وتخطيط السياسات الذي يعمل معه، وهو ديفيد بار إيلان، ومحرر صحيفة “جيروزاليم بوست”، والذي لم يكن واهما حول نتنياهو حتى مع تعهده بالولاء الكامل له. وعندما سأل بار إيلان حول كيفية جذب نتنياهو لأصوات الأرثوذكس اليهود رغم حياته العلمانية، أجاب بار إيلان “قدرته على التلاعب بأنه علماني لا تقارن بأمور أخرى مثل الزنا، فأن تكون لك علاقة مع شيكسا (امرأة من الغوييم) متزوجة، وهو عمل يفعله الزعيم الديني (ريبي)، ولكن امرأة متزوجة؟ والآن قد يذهب بيبي إلى الكنيس اليهودي في روش حاشانا، وربما ذهب في يوم كيبور إلى حائط المبكى أو قد يقول “بمعونة الله” لكنه لا يخدع أحدا”.

وعندما نشرت تعليقات بار إيلان في المجلة والصحافة الإسرائيلية، عبر نتنياهو عن غضبه ومنع مسؤول اتصالاته من مرافقته في الطائرة إلى واشنطن. ومات بار إيلان عام 2003 والذي شعر بالفزع ونفى أن يكون قد أطلق هذه التصريحات بل وأخبر محطة تلفازية إسرائيلية أنه لم يلتق به، وذهبت للتلفزيون الإسرائيلي للاطلاع على إهداء بار إيلان كتابه “عين على الإعلام” وما كتبه “من ديفيد لديفيد بكل احترام وأطيب التمنيات”. والنقطة هنا هي أن نتنياهو لم يخدع أبدا أحدا، ولم يخدع زملاءه من الساسة ولا الرؤساء الأمريكيين الذين عرفوا أنه كذاب وانتهازي.

كما لم يخدع اليهود الشرقيين، الذين يعرفون أنه من أصول أشكنازية، ولم يخدع المتشددين الأرثوذكس والذين يعرفون أنه لا يتبع قوانين الكوشير.

وبحث نتنياهو عن المصلحة الخاصة ومخادعته وقواعده الأخلاقية الخاصة لم تكن صادمة لأنصاره أكثر من المميزات التي لدى ترامب وقاعدته المماثلة، فقد فاز في الانتخابات طالما حقق وعوده الانتخابية لقاعدته.

لكن الدراما التي أصبح عمرها جيلا كاملا، أو عهد نتنياهو، وصل إلى لحظته المحبطة، فقد بحث عن كل السبل للتمسك بالسلطة وبأي ثمن. ونظرا للملاحقة القضائية له والتهم الجنائية فقد شكل ائتلافا من الديكتاتوريين القياميين والمتعصبين والذين صمموا على ضرب استقلالية القضاء وحرية الصحافة وحقوق الأقليات وسياسة الاحتجاج والمعارضة والديمقراطية نفسها.

مناقشات الكنيست لإلغاء “بند المعقولية” وهو قيد مستعار من التقاليد البريطانية ويسمح للمحكمة العليا معارضة تحركات المشرعين في البرلمان. وتحرك كهذا في بلد بدون دستور سيعمل على تقويض التوازن الهش القائم في الحياة السياسية الإسرائيلية. وحذر النائب العام السابق أفيشاي ماندلبلت قبل فترة من أنه في حالة فشل نتنياهو في ضبط تحالفه فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة شبه ديكتاتورية. ومحاولة تحرير الحكومة من القيود القضائية هي واحدة من البنود على أجندة غير ليبرالية، بما فيها تقييد حرية الإعلام الناقد للحكومة وتأكيد إعفاء اليهود الأرثوذكس من الخدمة العسكرية. وفي احتقاره لحكم القانون وتوازن السلطات وحقوق الأقليات العرقية والجنسية، فإن الائتلاف لا يختلف عن أي حكومة أو حزب غير متسامح حول العالم. إنها في الحقيقة نذير بترامب ثان.

ويعول نتنياهو على المتدينين الذين يتوالدون بكثرة ورهن مستقبله السياسي بهم. وكما كتبت سيلست ماركوس في العدد الأخير من مجلة “ليبرتيز” فإن نتنياهو الذي قدم ولعقود صورة له كحامي إسرائيل تحالف مع الناس الذين يصرون على أن دراسة التوراة تقدم لإسرائيل الأمن كما يقدم الجيش لها ولهذا يتجنبون الخدمة الإجبارية، وبحثه عن مصالحه لا حد له”.

وباتت القطاعات الانتخابية الإسرائيلية ذات الميول اليسارية والأحزاب ضعيفة، فلم يزد عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقادوا محاولات القتال من أجل هيمنتهم على المناطق فقط، بل وعملوا على تشكيل الخطاب السياسي وطابع الدولة. ومن النادر ما يتم الحديث عن الموضوع الفلسطيني وكأن سكان غزة والضفة الغربية عملوا خدمة لإسرائيل بأنهم اختفوا، وطالما عومل فلسطينيو إسرائيل بأنهم أقل من مواطنين في نظر الأحزاب المتطرفة. ولأن معظم العالم بما فيه الولايات المتحدة غارق في السياسة الشعبوية وصعود اليمين المتطرف فمن النادر ما التفت أحد للمتطرفين في إسرائيل.

ومهما كانت الصورة قاتمة إلا أن حالة الانهزامية لدى الذين يعارضون اليمين المتطرف في إسرائيل قد وصلت نهايتها. وهناك صراع ثقافي في إسرائيل “كولوتوركامبف” لكنه ليس موضوعا تم حسمه أو تسويته. وعلى مدى 28 أسبوعا خرج المحتجون الغاضبون من تحالف نتنياهو وإصلاحاته القضائية من احتجاج لآخر، وحصلت هذه التظاهرات في المدن الدينية والعلمانية. وشاركت فيها قطاعات مختلفة من المجتمع وشلت الحياة في المراكز والطرق.

ويخشى المتظاهرون من أن يؤدي الإصلاح إلى تجريد المرأة من حريتها المدنية ودعا أرنون بار- ديفيد، رئيس الهستدروت، اتحاد العمال الوطني إلى إضراب عام وقال: “لو وصل الوضع إلى حالة متطرفة فسنتدخل ونستخدم القوة”. وصوتت نقابة الأطباء التي تمثل كل أطباء إسرائيل لصالح “استخدام كل الوسائل المتوفرة” لو اقتضى الأمر لوقف الإصلاحات القضائية. وهددت رموز في القطاع التكنولوجي بأنها ستترك البلد، وأكثر درامية وقع ضباط الاحتياط في سلاح الجو على عريضة احتجاج.

ويعرف نتنياهو أنه لو تجرأ وأوقف عملية التصويت فسيتمرد عليه وزراء حكومته، ولكن أين سيترك هذا رجلا يثمن القوة؟ وقال أنشيل بيفر، الصحافي الإسرائيلي المعروف ومؤلف سيرة لحياة نتنياهو إنه لا يوجد رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل كان في وضع ضعيف مثل نتنياهو “وفي الـ 75 عاما لم يكن هناك أي شك في ولاء الجيش أو أي نوع من العصيان العام، أمور صغيرة ولكن ليس كهذا” و”انتقلنا من فكرة أن نتنياهو هو أطول رئيس وزراء مدة لأضعف رئيس وزراء على الإطلاق! وبالنسبة إليه لا يمكن حساب هذا. ولا يستطيع فهم ما يجري له. وبالنسبة له، مثل تلك الكوابيس التي تتخيلها وأنت تسوق السيارة ولكن عندما تدوس على الكوابح أو تحرك العجلات لا شيء يحدث. ولا ترد السيارة”. وقال إن نتنياهو “يعيش في فقاعة ويفكر، لماذا لا يستمعون إلي؟” وأضاف “لديه هذه الفكرة المجنونة والخاطئة بأن المعجزة التكنولوجية هي إنجازه. ويفكر، لقد جعلت هؤلاء الرجال أثرياء، وقبل ذلك كنا نبيع أعضاء، ويفكر: كيف يمكنهم الانضمام إلى الاحتجاجات وينتقلون للخارج”.

وانتقد نتنياهو الجيش إلا أن جنود الاحتياط أكدوا أن من حقهم التظاهر عندما تكون الدولة في خطر، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”. وكان الجنرال في الاحتياط عوفر لابدوت من بين الذين استقالوا حيث أخبر القناة 11 قائلا “ما هو أسوأ تدمير البلد أم تقوية جيش لخدمة حكومة غير شرعية، أيا كانت قانونية أم غير قانونية، كل هذا يقربنا نحو ديكتاتورية ستصدر قريبا أوامر غير قانونية”.

وكتب على بعض اليافطات “الرئيس بايدن ساعدنا”، وبالنسبة لبايدن فقد قضى معظم الأسبوع وهو يرسل رسائل إلى رئيس الوزراء بأنه يعرض إسرائيل للخطر وكذا العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية. وكتب ألوف بن من صحيفة “هآرتس” أن هذه الإشارات “يمكن تلخيصها كمطلب لاستبدال الائتلاف” والتخلص من المتشددين المجانين مثل بتسلئيل سمورتيش وإيتمار بن غفير واستبدالهم بأشخاص مثل بيني غانتس.

ويقول الكثيرون إن بايدن هو صديق قديم لإسرائيل وربما لم يشترك الجيل الجديد من الديمقراطيين معه في المواقف. ويريد بايدن رؤية سلسلة من التغييرات بما فيها وقف الإصلاحات القضائية وتجميد الاستيطان وتقوية السلطة الوطنية الفلسطينية والتنسيق الكامل مع الجيش فيما يتعلق بإيران. و”من المستحيل تحقيق أي بند على هذه القائمة مع التحالف الحالي لنتنياهو” و”الشخص الوحيد الذي يملك القوة لسحب زر الطوارئ ومنع قطار الدمار الذي يقوده نتنياهو قبل أن يدمر البلد هو بيني غانتس وحان الوقت لكي يقدم نفسه كمخلص وطني، الرجل الذي يمنع تدمير الجيش والاقتصاد قبل الحرب الأهلية. ولن تعود إسرائيل إلى الصورة المثالية في حفلات الترفيه للجيش والتي يحبها غانتس، لكن النزيف سيتوقف”.

وتحول كهذا من خلال استبدال المتحمسين المجانين بجنرال وقيادات من الوسط ليس أمرا ثوريا فقط لكنه إجراء متعقل وتصالح وأبعد من الخيال الفقير لبنيامين نتنياهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى