أقلام وأراء

نواف الزرو: الدور البريطاني في صناعة اسرائيل والنكبة: من بلفور الى هولوكوست غزة!

نواف الزرو 2-11-2023: الدور البريطاني في صناعة اسرائيل والنكبة: من بلفور الى هولوكوست غزة!

لا نبالغ إن وثقنا بداية ان السياسات والمؤامرات الاستعمارية البريطانية ضد العرب على نحو عام، وضد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية على نحو خاص لم تتوقف في يوم من الايام، وتمتد من المؤتمر الاوروبي الاول الذي عقد في لندن عام 1840 برئاسة بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا آنذاك والذي تبنى شعار”ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”، مرورا بكامبل بنرمان ثم “وعد بلفور”ووصولا الى سوناك رئيس الوزراء البريطاني الخالي ووصولا الى هولوكوست غزة الجاري بالببث الحي والمباشر.

وفي ضوء هذا التاريخ البريطاني الاسود من المواقف البريطانية المنحازة تماما لصالح “اسرائيل”، نعود هنا لنذكر ونثبت ونحن اليوم امام مائة وثلاثة وثمانين عاما على مؤتمر لندن-1840- برئاسة بالمرستون، وامام مائة وسبعة عشر عاما على مؤتمر كامبل بانرمان،  وامام مائة وستة اعوام على بلفور الاجرامي، ان الحكومات البريطانية المتعاقبة من بالمرستون وصولا الى سوناك، لم تتوقف عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني ووجود الدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح الكيان وعلى حساب الامة والعروبة …!.

و نوثق اليوم ايضا ونحن ما زلنا في أجواء المحرقة والمجازر الصهيونية الاجرامية في غزة، ونوثق ايضا غدا ودائما للاجيال والمستقبل، وحتى تدفع بريطانيا ذات يوم الثمن:”هناك دَين تاريخي ضخم في ذمة السياسات البريطانية، لايمكن تصفيته أو نسيانه أو المسامحة به ، وإن تقادم عليه الزمن، فمجمل المآسي الكارثية الفلسطينية هي جراء السياسات الإستعمارية البريطانية في القرن العشرين المنصرم، فبريطانيا هي صانعة النكبة الفلسطينية، وهي المسؤولة ماضيا وحاضرا ومستقبلا عن عذابات الفلسطينيين ، ورحلة آلامهم التاريخية عبر اكثر من قرن من الزمن، منذ وعد بلفور عام 1917″ . فرغم زخم الاحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي الشرق اوسطي، ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلة التي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48 وحتى محرقة غزة، ورغم كل التضحيات اليومية للشعب الفلسطيني التي من شانها ربما ان تشغل بال الجميع عما حصل في الماضي، الا اننا لا يمكننا ان نغفل دور صانعة”اسرائيل” والنكبة الفلسطينية، ولا يمكننا ان نغفل ذلك الدور البلفوري البريطاني في المستمر ..!،  فنحن اليوم عمليا امام نحو:

  106 اعوام على وعد بلفور…!

 85 عاما على توصيات بيل..!.

  76 على قرار التقسيم ومنح اليهود الوطن القومي..!.

 67عاما على العدوان الثلاثي…!

 56 على عدوان حزيران/67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة اضعاف فلسطين المحتلة 48…!

 ونحو 20 عشر عاما على العدوان الامريكي –البريطاني على العراق /2003/ ..!

 تصوروا…!

 وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة “اسرائيل” على خراب فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بنا في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية …

 لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى اكثر من قرن من الزمن عن دعم وتعزيز وجود الدولة الصهيونية ، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة …!، بل انه نحو قرن كامل من الدعم البريطاني لـ “إسرائيل”..

  المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك -كما يوثق لنا د.اسعد أبو شرخ وهو كاتب وأكاديمي فلسطيني- “سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركة الصهيونية/15/5/2008 “. والسبب –يضيف ابو شرخ-في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي “بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم”.

الباحث مأمون كيوان وصف الوعد قائلا:” انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط”. و”كان الوعد حاضرا /كما يوثق شفيق شقير في الجزيرة نت/11/2/2007/بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو /1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا”.

 وها هو ينقضي اليوم مائة وستة اعوام تقريبا على الوعد ولا تزال تداعياته النكبوية تلاحقنا، ذلك ان ذلك “الوطن القومي لليهود” وذلك “المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي”يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره…!، وبعد كل ذلك – ياتينا وزير الخارجية البريطاني الاسبق لشؤون الشرق الأوسط “كيم هاويلز”وبعد ستين عاما على النكبة واغتصاب فلسطين-آنذاك- ليتخذ موقفا بريطانيا جديدا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حينما اعلن قائلا: ” أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم “غير منطقي”/ الخليج/2007/7/24″، مضيفا في مؤتمر صحافي عقده في عمان: “من الصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم”.

 فهل هناك جريمة ابشع من هكذا جريمة بريطانية…؟!

 فبعد ان قامت بصناعة اسرائيل” وتسببت وانتجت النكبة وقضية اللاجئين  والمعاناة الفلسطينية المفتوحة يأتي رئيس وزراء بريطانا الحالي سوناك ليمنح الغطاء الاستعماري البريطاني المطلق ل”اسرائيل” كي تواصل اقتراف المجازر وصناعة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني..!.

فلسطينيا- كان شاعر فلسطين إبراهيم طوقان (1905-1941) خاطب المستعمرين الانجليز وما تسببوا به من ويلات وكوارث ألمت بفلسطين والعرب قائلا: منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقراً وجوعاً وإتعاساً وإفساداً بفضلكم قد طغى طوفانُ هجرتهم وكان وعداً تلقيناه إبعاداً .

ولكن شاعر فلسطين عبد الرحيم محمود يعاتب الفلسطينيين والعرب معا قائلا:

 بلفور ما بلفور ماذا وعده لو لم يكن أفعالنا الإبرام إنا بأيدينا جرحنا قلبنا وبنا إلينا جاءت الآلام

 ونقول بدورنا: لم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية…؟.

ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى “وطن قومي لليهود” لو ارتقى العرب إلى مستوى “الوعد والحدث”؟!!

 وما بين “بلفور آنذاك الى سوناك وترامب وبايدن اليوم” نقول: لم يكن “الوعود البلفورية لترى النور لو لملم العرب أنفسهم وارتقوا إلى مستوى الحدث والأخطار الداهمة الآتية عليهم من الجهات الأربع؟!! .

وما بين “الوعد البلفوري” و”الوعد البوشي” ثم”الوعد الترامبي” ثم هولوكوست غزة الجاري، تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني، في ظل الصمت العربي الرهيب وفي ظل الفرجة العربية المذهلة، بل وتواطؤ بعض العرب، بل وتحالف اعراب التطبيع مع العدو….!

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى