أقلام وأراء

نهاد أبو غوش يكتب – إسرائيل تنتخب الاحتلال والعنصرية

بقلم  نهاد أبو غوش *- 21/3/2021

ثمة عدد من الخصائص المميزة لهذه الجولة من الانتخابات الإسرائيلية، وهي الرابعة من نوعها خلال عامين. أهم هذه الخصائص الغياب الكامل لما كان يعرف خلال العقود السابقة بمعسكر السلام الإسرائيلي. وعلى الرغم من الطابع الفضفاض والواسع لهذا المصطلح، الذي كان يشمل قوى ومراكز جادّة وأخرى غير جادّة وغير صادقة في دعوتها للسلام. وبعد غيابها عن الشارع والاحتجاجات الميدانية المتواصلة على استمرار الاحتلال، تراجع تمثيل هذه القوى المحسوبة على اليسار الصهيوني، ووصل إلى حافة الاندثار والغياب عن الخريطة السياسية. وتظهر مختلف الاستطلاعات أن هذه القوى، وخاصة حزب العمل وميريتس، تصارع قريبا من نسبة الحسم، وقد تختفي نهائيا من المشهد السياسي الإسرائيلي.

وفي غياب قوى السلام واليسار، او تقلصها إلى مجرد قوى هامشية عديمة التأثير، خلت الساحة الإسرائيلية لقوى اليمين بتلاوينها المختلفة، فثمة اليمين الشعبوي الذي يمثله بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود، إلى جانب اليمين الأيديولوجي الفاشي وما يسمى بحزب أمل جديد بقيادة جدعون ساعر، واليمين الاستيطاني المتطرف بقيادة نفتالي بينيت، ثم اليمين الأكثر تطرفا إلى درجة التماهي مع عصابات الإجرام كما هو حال حزب الصهيونية الدينية الذي يقوده بتسليئيل سموتريتش، ويضم تلامذة الحاخام مائير كاهانا والمجرم غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، وهذا الفريق بالذات دون غيره هو الذي اختاره نتنياهو لتوقيع اتفاقية فائض الأصوات معه.

كما توجد أحزاب يمينية وعنصرية شكلا ومضمونا، في مواقفها العملية وبرامجها وتكوينها، لكن الأقدار وضعتها في مواجهة شخصية مع نتنياهو، فتهيأ للمتابعين عن بعد أنها أحزاب وسط أو حتى يسار، وأبرزها حزب يوجد مستقبل برئاسة يائير لابيد، الذي يتخذ موقفا عنصريا من فلسطينيي الداخل، ويتبنى خطة الضم ويرفض التفاوض مع الفلسطينيين، لكنه في نفس الوقت يظهر مواقف حادة ضد الأحزاب الدينية وهيمنتها، ما جعله يبدو وكأنه علماني يساري، تماما مثل حزب يسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان، الذي يجاهر بكل صفاقة ببرنامج ترحيل جماعي (ترانسفير) لفلسطينيي الداخل مثل مواطني المثلث، فيقترح ضمهم، دون أراضيهم، لمعازل السلطة الفلسطينية مقابل ضم المستوطنات مع الأراضي المحيطة بها لإسرائيل. ومع هذه الفئة المحسوبة عنوة على الوسط واليسار، يمكن إضافة بقايا حزب أزرق أبيض برئاسة الجنرال بيني غانتس، الذي صار مضرب الأمثال في التنكر لناخبيه والنكث بوعوده لهم، لكنه هو الآخر ينازع قرب نسبة الحسم، ومن الواضح أنه في طريقه للاختفاء.

وإلى جانب هذه القوى اليمينية الفاقعة، يقف اليمين الديني المتزمت ويمثله حزبا شاس ويهدوت هتوراة، وهما حزبان قطاعيان طائفيان، لهما جمهورهما الثابت، وعادة ما يكونان محسوبين على الحكومة، وهما الآن في جيب بنيامين نتنياهو، ورصيد ثابت ومضمون لمساعيه في الاحتفاظ برئاسة الحكومة والتملص من المحاكمة، وربما الإفلات من الإدانة والسجن.

ميزة هذه الانتخابات أيضا أنها تتركز حول شخص واحد هو بنيامين نتنياهو، فبقاؤه أو الإطاحة به هو عنوان التنافس الضاري بين الأحزاب والمعسكرات، الذي لم يحسم خلال الجولات الثلاث السابقة. وإذا كان صحيحا وجود أبعاد وعوامل شخصية في هذا الصراع نتيجة فردية نتنياهو واتهامه بالفساد، وقيامه بتصفية خصومه وتهميشهم، إلا أن هذا الخلاف يعكس خلافا جوهريا أكثر أهمية حول طبيعة الحكم في إسرائيل، ومحاولات نتنياهو بناء نموذج للسلطة الفردية المطلقة، على غرار كل الأنظمة الفاشية في العالم، بديلا لدولة المؤسسات والقانون وفصل السلطات، واستقلال السلطة القضائية واحترام الحريات العامة وخاصة حرية التعبير، والطابع المهني غير الحزبي لجهات إنفاذ القانون. ويرى خصوم نتنياهو أنه من خلال مساسه بهذه الثوابت يقوم بتقويض أركان قوة دولة إسرائيل، بينما يدعي نتنياهو أنه وبفضل جهوده الشخصية حقق لإسرائيل انتصارات سياسية ودبلوماسية لا نظير لها.

ميزة إضافية هي أن هذه الانتخابات تقريبا من دون برامج، وتكاد تقتصر على الشعارات العريضة الأقرب للدعاية وأساليب الترويج التجاري، من حيث تركيزها على الشخوص، والإثارة، ومخاطبة المشاعر والغرائز. ويمكن أن يعزى ذلك إلى ملل الجمهور من تكرار الانتخابات، لكن السبب الأهم في ذلك يعود من دون شك لغياب الفوارق الجوهرية بين هذه الأحزاب، التي ينطلق معظمها من التسليم بقانون القومية العنصري، ويؤيد مخطط الضم، ويرفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويرفض “تقسيم القدس” كما ينكر على الشعب الفلسطيني كونه شعبا، ويتنكر لحقه في تقرير المصير.

إذن إسرائيل، مجتمعا ومؤسسات، تجنح أكثر فاكثر نحو اليمين والتطرف، وسوف يختار ناخبوها أحزابا تجسد رؤاها الاحتلالية والتوسعية والعنصرية، وهذا ليس نتاج التحولات خلال السنوات الأخيرة فقط، بل حصيلة تطورات تراكمية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، ونتاج التحولات في العلاقات الدولية خلال عهد هيمنة القطب الأميركي الواحد، حيث نجحت إسرائيل حتى الآن في الإفلات من العقاب على جرائمها، وحيث تسود علاقات المصالح والمنافع المتبادلة على حساب القيم والأخلاق والمبادىء والقانون الدولي.

وما يشجع إسرائيل بالطبع على الغلوّ والتطرف والتمادي، هو أن الاحتلال لا يكلفها شيئا، فالمجتمع الدولي بين صامت ومتواطىء، وأقصى ما يفعله هذا المجتمع هو الشجب اللفظي الذي قد يتزامن مع بناء أوثق العلاقات السرية والعلنية مع إسرائيل، بل إن كثيرا من العرب والمسلمين يخطبون ودّ دولة الاحتلال حتى وهي في ذروة تطرفها وعنصريتها وعنجهيتها. أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، فقد بددنا وقتا طويلا، وأُنفقت معظم جهودنا وطاقاتنا على إدارة الانقسام ومخاصمة بعضنا البعض، وهمّشنا كثيرا من عناصر القوة التي كان يمكن لنا أن نراكمها ونعززها لنجعل الاحتلال خيارا شاقّا وباهظ التكاليف أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا وأمنيا واقتصاديا، حتى يصبح خياراً مؤلماً ومن الأفضل التخلي عنه لكل إسرائيلي.

* عضو المجلس الوطني الفلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى