ترجمات عبرية

نظرة عليا– بقلم  أودي ديكل – لحماس منطقها فأين منطقنا

نظرة عليا– بقلم  أودي ديكل – 1/9/2021

” اذا لم تكن ارادة في الطرف الاسرائيلي لتغيير قواعد اللعب واخذ المخاطرة التي ينطوي عليها السلوك الفاعل وغير المتوقع فيجب أن نفهم بانه تم اختيار المسار الثالث لادارة النزاع واستمرار السلوك وفقا لقواعد الابتزاز التي تقررها حماس “.

يوم السبت 21 آب، توجه آلاف الفلسطينيين الى الجدار الفاصل على حدود اسرائيل – قطاع غزة، في مظاهرة نظمتها حماس مع باقي الفصائل في القطاع لاحياء يوم الذكرى لاحراق المسجد الاقصى (على ايدي شاب استرالي في 1969). وهكذا نفذت حماس تهديدها لان تسخن مرة اخرى الحدود مع اسرائيل وان تجري مظاهرات عنيفة قرب العائق الامني. مئات الفلسطينيين اصطدموا مع قوات الامن الاسرائيلية – القوا الزجاجات الحارقة والعبوات ورشقوا الحجارة على قوة الجيش الاسرائيلي واصيب مقاتل من حرس الحدود بجراح حرجة بنار فلسطيني عبر فوهة في السور، وبعد بضعة ايام تقررت وفاته. في المواجهة التي نشأت قتل شاب فلسطيني واصيب نحو 40 بنار قوات الجيش الاسرائيلي. ومنذئذ تتواصل مساعي التحرش من القطاع من خلال اطلاق البالونات الحارقة نحو حقول البلدات في منطقة غلاف غزة وكذا المظاهرات قرب العائق الامني. وصرح نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في القطاع، خليل الحية قائلا ان حماس لا تخاف من اسرائيل وان على الامة العربية ان تصعد جهودها كي تضع حدا لـ “الاحتلال”. واضاف بان المعركة منذ المواجهة الاخيرة تستأنف وتتواصل. 

كان هذا الحدث هو الاكثر عنفا منذ حارس الاسوار – فترة ثلاثة اشهر، ساد فيها الهدوء النسبي رغم القيود التي فرضتها اسرائيل على قطاع غزة، بهدف حرمان حماس من اي انجاز مقارنة بالوضع الذي ساد فيه عشية الحملة. بدأت حماس تبادر الى احداث ومواجهات عنيفة ضد اسرائيل (اطلاق صاروخين، اطلاق بالونات حارقة، اطلاق النار ضد الطائرات ومواجهات على العائق الامني) بالذات في الاسبوع اياه الذي سجل فيه انجاز لها حين اعلنت اسرائيل عن اتخاذ تسهيلات واضحة في سياسة الاغلاق: ايجاد آلية لتحويل المال القطري عبر الامم المتحدة؛ الاذن بدخول 1.800 عامي يومي في اسرائيل، واضافة الى ذلك النية بتوسيع هذا العدد بالاف اخرى في الاسابيع القادمة؛ توسيع تنوع البضائع التي تدخل الى القطاع (مواد بناء – لاول مرة منذ الحملة، سيارات وشاحنات، قطع غيار، اجهزة خلوية)؛ وزيادة التصدير من القطاع (في مجالات الزراعة، النسيج والاثاث). 

الناطقون بلسان حماس، وفقا للطريقة المعروفة لشرح اطلاق الصواريخ على اسرائيل كـ “خلل”، سارعوا الى  الايضاح بان النار على مقاتل حرس الحدود كانت مبادرة شخص فرد، وليست عملا مخططا مسبقا، وانه لم تكن اي نية للوصول الى مواجهات عنيفة؛ وان هذه نبعت من غضب الجمهور الفلسطيني عقب الوضع الانساني الخطير السائد في القطاع. ولكن الى جانب ذلك اعلنوا عن تنفيذ خطة مرتبة لسلسلة اعمال لاحقا، وذلك ضمن مطلب رفع “الحصار” عن القطاع وكتعبير عن التزام المنظمة بالقدس، بشعار: “سيف القدس لن يغمد ابدا”. واصلت آلة الدعاية لدى حماس اطلاق وابل من الرسائل: “غزة لن تسكت عن “العدوان الاقتصادي” لاسرائيل ولن تقبل الابتزاز الاسرائيلي”؛ “تملص اسرائيل من الالتزامات التي تحققت وتملصها من رفع “الحصار” عن قطاع غزة فيؤدي الى عودة النشاطات الشعبية التي توقفت في بداية العام 2021″؛ “استمرار “الحصار” على القطاع يمكن أن يدفع الفلسطينيين الى اعمال اخرى لا يمكن توقعها مسبقا”، وغيرها. 

في اسرائيل، الجانب “العقلاني” المزعوم في المعادلة يبحثون عن المنطق الذي يوجه سلوك حماس وزعيمها في القطاع يحيى السنوار، يعزون له اضطرابا في التفكر ويقدرون بانه تحركه مشاعر مسيحانية. مصر هي الاخرى غضبت من أن حماس سحبت من ايديها انجازا حيال ادارة بايدن، في شكل قدرتها على احلال الهدوء في ساحة القطاع. وتعاظم الغضب المصري بسبب خيار حماس “ركل الدلو”، في ظل خرق تعهدها بمنع التصعيد في القطاع، بالذات في اثناء تقدم مساعي الوساطة. في اعقاب الاحداث اغلقت مصر معبر رفح لعدة ايام. 

بالنسبة للسنوار، يبدو ان فهمه للواقع اجتاز تغييرا جذريا. فبعد ان انتخب زعيما لحماس في القطاع حاول أن يحسن الوضع المدني والاقتصادي في المنطقة في ثلاث قنوات: حيال محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية – بمبادرة المصالحة بين الفصائل في 2017، أبدى استعدادا لان يعيد للسلطة الادارة المدنية في القطاع (وان لم يكن السيطرة الامنية)؛ حيال اسرائيل – محاولة لبلورة تفاهمات بوقف نار طويل مقابل اعمار القطاع، رفع “الحصار” (بتعبيره)  وصفقة تبادل اسرى ومفقودين؛ حيال مصر – محاولة تحسين صورته في ظل عرضه كلاعب مسؤول، لنيتحدى المصريين ويوقف المساعدة لمحافل الارهاب في سيناء. القناتان حيال عباس واسرائيل سدتا، وفشلت ايضا محاولات مصر العمل على رفع “الحصار” وصفقة تبادل الاسرى بين حماس واسرائيل. ليس هذا  فقط، بل كاد السنوار يسقط في الانتخابات على قيادة حماس في القطاع، والتي اجريت في بداية السنة. علمته التجربة بان عندما يكون الوضع هادئا وصامتا لا يكون لاسرائيل سبب لتخفيف القيود المفروضة على القطاع او التقدم الى التسوية. والسبيل “لابتزاز” التسهيلات من اسرائيل هو المبادرة الى احداث غير متوقعة وتفعيل القوة من القطاع. وتحديدا بالنسبة لدافع حماس الحالي لاحداث التصعيد، فان استياء المنظمة من الوضع تفاقم لان نجاحاتها المزعومة في حارس الاسوار لم تترجم الى انجازات في اعمار القطاع. كما أن الالية لتحويل المال القطري عبر الامم المتحدة تجاوز تحويل الاموال لموظفيها ولهيئاتها المختلفة في القطاع. وبالتالي، من ناحيتها، فان وسيلة الضغط الوحيدة التي تحت تصرفها هي قوة الضرر، التي تعتمد على السلوك غير المتوقع وتجد تعبيرها مثلا في اطلاق الصواريخ نحو القدس، والتي كانت رصاصة البدء لحملة حارس الاسوار، او في التصعيد الذي وقع في الايام الاخيرة. تسعى حماس لان تستنزف بل وان تسحق اسرائيل من خلال معركة متواصلة من التحرش غير المنقطع، على نحو متقطع ومن عدة ساحات – ارهاب وعنف شعبي من القطاع، تحريض على اعمال الشغب في القدس، اطلاق الصواريخ من لبنان وتشجيع الارهاب في الضفة الغربية. كل هذا، على اساس تقديرها بان ليس في نية اسرائيل ان تحدث الان مواجهة عسكرية واسعة في القطاع. 

خلاصة وتوصيات

حان  الوقت لان تغير اسرائيل قواعد اللعب، تكف عن ان تكون متوقعة وان تسلك سياسة مبادرة وحازمة. في اللعبة الحالية للسعي الى التفاهمات بل والى التسوية مع حماس، تعزز اسرائيل عمليا مكانتها كالقوة السياسية المتصدرة في المعسكر الفلسطيني وبالضرورة تضعف السلطة الفلسطينية وتساهم بعرضها كغير ذات صلة كشريك لتسوية سياسية، في  ظل مس اضافي بشرعيتها. منعا لهذه التداعيات السلبية وغير المرغوب فيها وفي نفس الوقت تعطيل قوة الضرر لدى حماس، على  اسرائيل أن تدرس بديلين لم يبحث فيها بعمق حتى الان:

  1. قطع تام لقطاع غزة عن اسرائيل– اغلاق مطبق للمعابر بين القطاع واسرائيل. يتطابق هذا البديل مع سياسة العزل بين مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين قطاع غزة الذي تحت سيطرة حماس ويستوجب بالتوازي تعزيز أداء السلطة في الضفة الغربية. ستكون حماس مطالبة بان تولي الاهتمام بمجالات مدنية والاستثمار فيها، عقب التردي المتوقع في الوضع، على حساب السعي الى تنفيذ رؤياها المتعلقة بـ “المقاومة”. لهذا البديل مواضع ضعف، إذ انه لن يمنع استمرار الاحتكاك بين حماس، فصائل اخرى تعمل في منطقة القطاع وسكانه وبين اسرائيل؛ سيستوجب من اسرائيل انتهاج تسهيلات في الاغلاق البحري بسبب الضغط الدولي للسماح بوصول المساعدة الانسانية للقطاع من البحر؛ وهو كفيل بان يحدث توترا مع مصر، التي ستصبح رغم انفها ورغم استيائها (قناة الحياة) الوحيدة للقطاع وعمليا المسؤولة عن الوضع هناك. 
  2. معركة متواصلة ضد شبكات الارهاب في القطاع– في ظل استغلال الاحداث الهجومية التي تبادر اليها حماس لتشديد قوة الهجوم الاسرائيلية وتنوع مظاهرها، فيما تكون الغاية هي ضرب بناها التحتية، قدرات الانتاج لديها واطلاق الصواريخ، وذراعها العسكري، لهذا الغرض سيكون مطلوبا التصميم، الصبر وقدرة الامتصاص. 

هذان البديلان، معا وكل على حده، كفيلان بان يؤديا الى ثلاثة مسارات تطور: الايجابي – حماس ستصحو، ستوافق على التفاهمات على هدوء طويل وستلتزم بتعهداتها. التفاهمات ستلزم اسرائيل بتسهيلات في الاغلاق واعطاء الاذن للمشاريع لاعمار القطاع؛ مسار تطور ثانٍ من شأنه ان يكون التدهور الى معركة عسكرية، تستوجب مناورة برية عسكرية اسرائيلية الى اراضي القطاع لغرض توجيه ضربة قاسية لدرجة تفكيك الذراع العسكري لحماس؛ والثالث استمرار ادارة النزاع، الذي في اطاره ترد اسرائيل في الغالب على الاعمال الاستفزازية لحماس في ظل التكيف بين الحين والاخر على فترات من الهدوء والتصعيد. اذا لم تكن ارادة في الطرف الاسرائيلي لتغيير قواعد اللعب واخذ المخاطرة التي ينطوي عليها السلوك الفاعل وغير المتوقع فيجب أن نفهم بانه تم اختيار المسار الثالث لادارة النزاع واستمرار السلوك وفقا لقواعد الابتزاز التي تقررها حماس.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى