#شؤون مكافحة الاٍرهاب

نشاط داعش الصيفي ينذر بعودة أكثر عنفا

محمود زكي 27/8/2018

حذرت تقارير رسمية صدرت مؤخرا من جهات دولية، أبرزها الأمم المتحدة وجهاز مكافحة الإرهاب الأوروبي، من وجود نشاط ملحوظ ومكثف من قبل عناصر تابعة لتنظيم داعش، ميدانيا في سوريا والعراق أو من خلال الخلايا النائمة في أنحاء أوروبا أو عبر شبكات الإنترنت التي عاد فيها نشاط التنظيم الدعوي بقوة.

تبدو الصورة قاتمة للكثير ممن بادروا بالتفاؤل بقرب انتهاء التنظيم الأكثر دموية بعد أن توالت هزائم داعش في العراق بتحرير الموصل، وانحسار الرقعة التي يسيطر عليها داعش في سوريا، والقضاء على عناصر كثيرة تابعة له في ليبيا، ووقف نموه في سيناء المصرية، واستمرار مطاردته في بلدان أفريقية وأسيوية عديدة.

وأحبطت قوات الأمن المصرية السبت محاولة إرهابية في شمال سيناء، وقتلت 4 من عناصر داعش كانوا يستعدون لتفجير كمين للشرطة في مدينة العريش.

وقال اللواء نبيل أبوالنجا، الخبير العسكري المصري، لـ”العرب”، إن نشاط العمليات الإرهابية المحتملة يقوم على استغلال أخطاء الخطط الأمنية التي تقوم على أساليب اعتاد التنظيم الإرهابي على مواجهتها واختراقها مرات عديدة من قبل، وعلى رأسها الارتكان إلى الكمائن الثابتة في تأمين الطرق والممرات التي يستهدفها.

وأشار إلى أن وصول العناصر الإرهابية إلى الكمين ونجاحها في تخطي ثلاث نقاط أمنية تمثل سياجا أمنيا قبل الوصول إليه، يبرهن على دراسة تلك العناصر للمواقع الأمنية بشكل دقيق، وأن هناك تقصيرا في التعامل مع تلك العناصر منذ بدء تحركها.

ورغم خروج قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتبشر بقرب اندثار الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، عاد التحالف ذاته ليحذر من استمرار الحرب مع داعش. وكانت تلك المرة في شكل حرب عصابات في الشوارع والأزقة وخلف جدار من المدنيين لتبدو مواجهة داعش قد اتخذت طورا أكثر تعقيدا.

وفتحت تلك التطورات الجديدة مصحوبة بصدور تسجيل صوتي لقائد داعش أبوبكر البغدادي يحث فيه على مواصلة القتال ويقلل من خسارة السيطرة على المدن والقرى، الباب أمام تساؤلات حول أسباب نشاط داعش الصيفي.

ظهور داعش وتأكيد تواجده، سواء بمقاطع إعلامية تصدر على شبكة الإنترنت أو بضربات سريعة وخاطفة في العراق وسوريا وسيناء، حملا رسالة أولى تشي باستمرار هيمنته

وينبع تحرك داعش المكثف من أيديولوجية التنظيم الفكرية القائمة على منظور استعراض القوة، وإثبات شرعيتها التي طالما لعبت عليها بأنها “جيش الله على الأرض الذي لا يمكن دحره ولا ينتهي بخسارة معركة، وباق حتى قيام الساعة”. إلا أن تكثيف العمل الميداني والإلكتروني حمل إشارات وغايات وجهت لجهات محددة.

مع تأكيد تنظيم القاعدة حضوره مؤخرا بتحركات ممنهجة في اليمن وبعض الدول في شرق أفريقيا وظهور تحالفات مبطنة مع جماعات الإسلام السياسي، وإطلاق سلسلة من المقاطع المصورة لقادة في تنظيم القاعدة تارة لإثارة الرأي العام ضد الحكومات العربية، وأخرى لتعطيل محاولة الوصول لهدنة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة.

لذلك أصبح داعش أمام خطر يهدد تربعه على عرش جماعات الإسلام الجهادي وسط زخم القاعدة، المنافس التقليدي، والذي ظهر منحسرا منذ صعود داعش كقوة مهيمنة في العام 2014، والآن بدأ يعود للأضواء مع توالي الضربات التي تلقاها داعش.

ظهور داعش وتأكيد تواجده، سواء بمقاطع إعلامية تصدر على شبكة الإنترنت أو بضربات سريعة وخاطفة في العراق وسوريا وسيناء، حملا رسالة أولى تشي باستمرار هيمنته، والتأكيد على أنه الجهة الشرعية الوحيدة التي تؤول إليها كافة الجماعات المسلحة، والتي يجب اتباعها تحقيقا لتنفيذ الحلمالمنتظر والخلافة الشاملة.

وبشكل عام ارتبط بقاء داعش ميدانيا، والتي أكدت عليه الأمم المتحدة في تقرير لها صدر الأسبوع الماضي وعودة نشاطه مع أشهر الصيف، بحاجة التنظيم إلى ترتيب أوراقه وصفوفه ومصادر تمويله التي عُصف بها بعد تراجعه تحت وطأة ضربات قوات التحالف وجيش العراق والتضييق الذي فرضته قوات سوريا على محافظة دير الزور.

واحتاج قادة داعش الركوع للعاصفة خلال الشهور الماضية، انتظارا لما ستؤول إليه التطورات العالمية، ونجحت بعض التحولات الإقليمية السريعة والأزمات التي طالت تركيا وإيران وتراخي الولايات المتحدة عن استمرار تمشيطها لمناطق تواجد فلول داعش، في إنعاش جنود التنظيم وترتيب صفوفهم لتعود إلى الهجمات الممنهجة على قوات الجيش والشرطة في العراق، وتشتد المواجهة المسلحة في سوريا مع القوات النظامية.

لجان داعش الإلكترونية بدت نشطة للغاية منذ بداية أشهر الصيف على غير عادتها مؤخرا منذ دحرها في العراق

ويربط البعض بين الزخم الإلكتروني لداعش والرغبة في تجنيد شباب جدد من أجل استمرار نهجه بالاعتماد على إستراتيجية الذئاب المنفردة وتحقيق ضربات متنوعة في عدة بلدان، بعيدا عن صراعها المحتدم في الشرق الأوسط.

ويتغذى التنظيم بالأساس على التجنيد المكثف، وتبقى تلك المنظومة أهم ما يملكه داعش وركيزة مهمة لبقائه كعنصر حي، واستمرار تواجده دون تأثير سلبي كبير، على الرغم من التعرض لضربات قوية من قبل قوى إقليمية ودولية مختلفة.

هنا يمكن تفسير النشاط الدعوي لداعش عبر أبواق الإنترنت بالرغبة في استغلال فترة الفراغ لدى الكثير من الشباب مع انتهاء الدراسة والإجازة الصيفية السنوية، وهي الفترة الأكثر زخما للتواصل عبر الإنترنت والجلوس لساعات لمتابعة الأخبار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل الفرصة سانحة لتحقيق المزيد من الاستقطابات ونشر العشرات من المقاطع والرسائل المحفزة والمربكة.

ويقول مارك جينسبرج، وهو باحث في شؤون مكافحة الإرهاب ومستشار الرئيس الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، إن لجان داعش الإلكترونية بدت نشطة للغاية منذ بداية أشهر الصيف على غير عادتها مؤخرا منذ دحرها في العراق.

ويوضح جينسيرج أن هناك سلسلة من الأنشطة الإرهابية حدثت الشهر الماضي تعزز نظرية تحركات داعش المكثفة، وأبرزها إعلان السلطات الفرنسية والألمانية القبض على مجموعة من الشباب حاولوا الاستعانة بمقاطع داعش لصناعة المتفجرات، وصدور نسخة جديدة من المقطع الشهير “أيها الموحدون حاربوا الزنادقة” المحفز لمواجهة الكفار بإعلاء كلمة الله.

وأخيرا الاستعانة بمنصات جديدة مثل “غوغل بلس” و”فايبر” إلى جانب المنصات التقليدية “تويتر” و”إنستغرام” لنشر رسائل تحريضية لحتمية مواجهة “الحكومات الكافرة” وتحقيق هجمات مؤلمة في صدر أوروبا والولايات المتحدة.

ورصد مكتب مكافحة الإرهاب بالاتحاد الأوروبي مؤخرا، نشاطا في استخدام عملة البتكوين الرقمية ظهرت فيها حركات شراء وبيع واسعة، وربطت بينها وبين محاولات جهات إعادة ضخ تمويلات لداعش، وهو ما كان قد انخفض بشكل كبير مع تراجع قيمة العملة.

وينتهج داعش خطة تنقسم إلى مراحل متناسقة للعودة مرة أخرى إلى قوته المؤثرة وتهديده المستمر.

وشكلت المرحلة الأولى إعادة ترتيب الأوراق والاستشفاء من الضربات القوية التي طالت التنظيم، لتنطلق من بعدها المرحلة الثانية بإطلاق هجمات للتأكيد على بقاء التنظيم بالإضافة إلى إعداد صفوف جديدة من الجنود ليكونوا نواة لإطلاق المرحلة الأخيرة التي تعززها توقعات المحللين بعودة صور العنف عبر هجمات إرهابية متنوعة تهدد العالم وستكون بدايتها قريبة بعد انتهاء داعش من مرحلة تنسيق خلاياه واستقطاب جدد.

العرب – محمود زكي – كاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى