أقلام وأراء

نبيل فهمي: ملاحظات وتوصيات حول التعامل مع اقتراح ترمب حول غزة (2)

نبيل فهمي 23-10-2025: ملاحظات وتوصيات حول التعامل مع اقتراح ترمب حول غزة (2)

نبيل فهمي 7-10-2025: التعامل مع اقتراح ترمب حول قطاع غزة

توصل إسرائيل و”حماس” إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن مختطفين ومحتجزين بجهد مصري قطري تركي أميركي، وحضور الرئيس دونالد ترمب إلى القدس وشرم الشيخ، وتوقيعه والرئيس عبدالفتاح السيسي والأمير تميم بن حمد آل ثاني والرئيس رجب طيب أردوغان على ما سمي إعلان ترمب للسلام، يفتح الباب أمام خلاصات مهمة من شكل ومضمون المناسبتين، وضرورات من الأهمية مراعاتها للوصول إلى سلام، بخاصة والهدف الإسرائيلي بعد فشل مسيرة التهجير الفلسطيني هو ضمان إفشال أي جهد لإقامة دولة فلسطينية.

كخطوة أولى وللاستفادة من الزخم السياسي المصاحب لاتفاق غزة يجب تأمين وتحصين القراءة السليمة لما تقرر، مع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، التي شملت الإفراجات المتبادلة وفك اشتباك إسرائيلي – فلسطيني أولي بانسحاب جزئي من بعض مناطق غزة.

أبرم اتفاق بين الأطراف المتنازعة وحضور الضامنين، وجرى البدء في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني الغزاوي البطل، على رغم تناقض بعض عناصر الاتفاق مع المواقف المعلنة مطولاً من نتنياهو و”حماس”، مع تمسك الأول بعدم وقف العمليات العسكرية إلا بعد نزع سلاح الحركة والقضاء نهائياً عليها، وكذلك مع موقف “حماس” بعدم تسليم الأسرى والجثامين كافة إلا بعد وقف الحرب نهائياً والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، وهو مؤشر على أن جميع الاطراف أرهقت إنسانياً ومادياً، وأن المجتمع الدولي فاض به الكيل من بشاعة العمليات الجارية وتجاوزها كل الاعتبارات الإنسانية، وعد الاتفاق خطوة مفيدة على رغم ما يحمله من غموض وعموميات.

وعكست المراسم والترتيبات في كل من القدس وشرم الشيخ أن المجتمع الدولي بأسره كان مقدراً الدور الأميركي، وعلى استعداد لمغازلة الرئيس ترمب والاستجابة إلى نرجسيته الشديدة، مما يتجاوز كل السوابق والتقاليد، بما في ذلك من شخصيات قيادية نرجسية سابقة، وهو أمر استغله ترمب ذكاء، والدبلوماسية النرجسية والشخصية أصبحت في حساباته وحسابات الآخرين.

لم تشمل محطة القدس سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين جمعت محطة شرم الشيخ عدداً كبيراً جداً من القادة الإقليميين والدوليين مع وجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وغياب نتنياهو و”حماس”، ويعكس ذلك التقارب الشديد للموقف الأميركي – الإسرائيلي، وانعزال هذا الموقف عن موقف الشرعية الدولية الذي مثله وعكسه الحضور الواسع في اجتماع شرم الشيخ.

وأفرط ترمب بالقدس في الثناء على المواقف الإسرائيلية وعلى نتنياهو شخصياً، وسعى نتنياهو إلى استثمار الحدث نحو اليمين السياسي الإسرائيلي، مشيراً إلى نقل ترمب السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بضم إسرائيل للجولان، فضلاً عن محاولة رفع عنه الضغوط الإسرائيلية السياسية والقضائية، وكلها دلالات أن تنفيذه للاتفاق لن يكون شمولياً أو بما يرضي الطموحات الفلسطينية.

في حين أشاد ترمب في شرم الشيخ بدور ومواقف القادة المشاركين في الوساطة وفي احتفالية شرم الشيخ من دون تناول مضمون الاتفاق وتطلعاته بأي قدر من التفصيل حول كيفية التنفيذ أو أهدافه النهائية، وتجنب التطرق كلية إلى الشق الختامي والهدف الأسمى، وهو تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أمانيه وتطلعاته المشروعة.

وفي المقابل عرض الرئيس السيسي الموقف السياسي المصري والعربي والدولي كاملاً، مؤكداً بوضوح أن الهدف النهائي هو إنهاء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، بدءاً بوقف إطلاق النار ووصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة لكي تعيش مع إسرائيل في أمن وأمان، وقد وفق وأصاب في ذلك، وهو تسجيل مهم للموقف أمام جمع دولي كبير وتأييد واسع لشرعية هذا الموقف وضرورته، وبحضور الرئيس الأميركي شخصياً، في صورة مهمة ولها مغزاها السياسي، لأن هذه القيادة كانت عارضت فكرة تهجير الفلسطينيين وجعلت ترمب يعدلها ولو مرحلياً.

وتضمن عناصر إعلان ترمب للسلام والاتفاق الحمساوي – الإسرائيلي المقدم نصوصاً واضحة في مراحله الأولى الخاصة بالإفراجات ووقف إطلاق النار، وعناصر أقل وضوحاً وتفصيلاً من حيث المضمون والآليات في المراحل التالية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر “تفكيك أسلحة حماس”، وهي الترجمة الفنية لعبارة (arms decommissioning) المستخدمة، ودور تفاصيل وقواعد عمل اللجنة الإدارية، وتشكيل ومهمات عمل القوات الأمنية الدولية الموقتة، وحدود الدور الذي تسعى إليه إسرائيل في تقييم سلامة تنفيذ كل بند من البنود قبل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.

ويزداد الغموض والعمومية كلما اقتربنا من النهاية، نحو البند الخاص بتهيئة الظروف التي تسمح بتحقيق الشعب الفلسطيني تمنياته وتطلعاته المشروعة، مع التباين الواسع بين المواقف الإسرائيلية من جانب ونظيرتها الفلسطينية والدولية المقرة من القانون الدولي حول هذه المسألة بصورة خاصة.

ولكل هذه الاعتبارات أعتقد أن نجاح أو فشل هذا الاتفاق، ووصوله إلى النتائج التي يتطلع لها المجتمع الدولي مرهون باستمرار باتخاذ المجتمع الدولي لعدد من المواقف والإجراءات لتثبيت الاتفاق وتحصينه وتوضيحه وتأمين تنفيذه، وفقاً للشرعية الدولية والقرارات الدولية، مع ضرورة عدم إغفال الضفة الغربية وما تقوم بها إسرائيل داخلها، ومنها على سبيل المثال:

أولاً، تقديم الاتفاق وما صاحبه من مواقف متسقة مع الشرعية الدولية في الاجتماع الأميركي العربي والإسلامي في نيويورك إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإقراره وإعطاء الإطار والشرعية للإجراءات الأمنية والإنسانية، وهو ما سبق أن اقترحته.

ثانياً، إعطاء اهتمام خاص بضمان استمرارية توفير المساعدات الإنسانية الغذائية، وبما يسهم في إعادة بناء القطاع باعتبارها جزءاً من توفير الحد الأدنى الإنساني لمواطني القطاع وبصورة غير مسيسة، مع تجنب ترسيخ آليات حق إسرائيل في إقرار ما يدخل أو يمنع، من خلال إنشاء آلية دولية تحت غطاء فلسطيني بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.

ثالثاً، رفض أية محاولة إسرائيلية لترسيخ وتثبيت مواقعها الأمنية داخل قطاع غزة، باعتبار أن الهدف هو انسحاب تلك القوات كاملة.

رابعاً، عدم إغفال الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية لنهر الأردن، وتسليط الضوء ورفض الإجراءات الإسرائيلية التوسعية ومحاسبة إسرائيل عليها، لأنها في النهاية تمنع التوصل إلى حل نهائي للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي لاستحالة وجود سلام مستقر مع دوام الاحتلال الظالم وغير المشروع، ولإسرائيل سياسات وممارسات عديدة ممتدة من خلق الوقائع على الأرض، حتى في مراحل لم تسع أو تستطع ضمها رسمياً، أهمها خطط ألون الأمنية، التي طورت واستغلت أيديولوجياً بعد ذلك، أو عند انسحاب إرئيل شارون من غزة بصورة أحادية للتركيز على الضفة الغربية، ولن تتردد إسرائيل في الاستمرار على هذا النهج على رغم إعلان ترمب رفضه الضم الرسمي.

وهنا أتوقع إسراع وزراء اليمين الإسرائيلي والمشرفين على الأمن القومي والموارد ذات الصلة، في مثل هذه الخطوات خلال العام الحالي، لانتهاز رغبة نتنياهو في الحفاظ على استقرار حكومته، فضلاً عن أنه يتبنى هذا النهج أيديولوجياً، وأتوقع أيضاً أن يستغل التردد الدولي المتوقع في مهاجمة إسرائيل مرحلياً بعد اتفاق غزة، على رغم أن القضية والصدامات لم تحل ولن تحل، وتنتهي إلا مع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى