أقلام وأراء

نبيل فهمي: خطوات مهمة نحو الدولة الفلسطينية تحتاج إلى متابعة

نبيل فهمي 29-9-2025: خطوات مهمة نحو الدولة الفلسطينية تحتاج إلى متابعة

أشرت في مقالي الأخير هنا إلى أن من ضمن القرارات المهمة المتوقعة في الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري إعلان عدد من الدول اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، وبالفعل أعلنت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وسان مارينو اتخاذ هذه الخطوة ليصل عدد الاعترافات المستجدة منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى 14 دولة، عند كتابة هذه السطور والعدد الإجمالي للدول المعترفة بالدولة الفلسطينية إلى 152 دولة.

والصفات المشتركة لمعظم الدول المعترفة حديثاً أنها دول صديقة لإسرائيل عبر أعوام طويلة، وهو ما أثارها بشدة وجعلها ترد بتشنج وعجرفة، واتهامها بمكافأة الإرهاب، وتهديد الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء نتنياهو شخصياً في هجوم شديد على الدول التي اتخذت هذه المواقف الجديدة، والذي تزامن مع انخفاض التأييد لإسرائيل بين الدول والرأي العام الغربي على وجه الخصوص، ومن أقوى المؤشرات إلى ذلك إعلان بعض الدول الغربية أن عدداً من الوزراء الإسرائيليين مهددون بالاعتقال إذا مروا بأراضيهم نتيجة أحداث غزة، وقيام منظمات غير حكومية بريطانية ببث صور ناقدة لترمب على المباني الحكومية البريطانية خلال الزيارة الرئيسة الأخيرة لبريطانيا، التي استقبل فيها رسمياً بحفاوة بالغة.

وهناك من القانونيين الدوليين من يرون أن الاعتراف بدولة فلسطين في غير محله لغياب المكونات الرئيسة الأربعة المطلوبة للدولة.

وفي المقابل هناك بين الرأي العام العربي والغربي من يرى أن الاعتراف مجرد خطوة رمزية غير مهمة ولن تترجم إلى حيز النفاذ، في حين يركز البعض الآخر على الإنجاز ذاته والترحيب به، من دون إعطاء اهتمام كاف لما يجب اتخاذه من إجراءات تسهم في أن تترجم الاعترافات إلى واقع وخلق وضع جديد للفلسطينيين.

وتوضيحاً وتصحيحاً للأمور لعله من المناسب التعليق على بعض المواقف والملاحظات بغية تنفيذها ووضعها في إطارها الصحيح.

حدد اتفاق منتيفيديو لعام 1933 أربعة معايير أساسية للدولة: وجود شعب، ولا خلاف أن الفلسطينيين أثبتوا وتمسكوا بهويتهم داخل الأراضي المحتلة وخارجها أكثر من 70 عاماً، وثاني الاعتبارات هو القدرة على التواصل والتعاقد والدخول في اتفاقات دولية مع أطراف أخرى، والإجراءات المتفق عليها مع الإسرائيليين ذاتها وفقاً لاتفاق أوسلو وغيره دليل على قدرتهم على إتمام مثل هذه الاتفاقات، والمعيار الثالث هو توافر حكومة فاعلة وقادرة على إدارة الأمور، وهو ما يحاول الجانب الإسرائيلي إفشاله بإضعاف السلطة الفلسطينية، ومنعها من العودة إلى غزة والسيطرة في ظروف بالغة الصعوبة، للتفتيت بدلاً من تجميع الفلسطينيين، وهو ما جعل الرئيس أبو مازن يعرض عدداً من الخطوات الإصلاحية في خطابه الأخير في المؤتمر السعودي – الفرنسي حول حل الدولتين.

والحجة والادعاء الأخير من الإسرائيليين والمشككين هي أن أرض الدولة الفلسطينية غير محددة، ومن ثم يجب عدم الاعتراف بالدولة، هي حجة واهية لأسباب عدة، أهمها أن إسرائيل هي التي تعرقل تحديد الأراضي الفلسطينية تفصيلياً وفقاً للأراضي المحتلة عام 1967، وهي أقل من الأراضي التي خصصت لفلسطين وفقاً لقرار التقسيم، كذلك فإن إسرائيل ذاتها ليست لها حدود محددة تفصيلياً، ولم تكتف بأراضي التقسيم، وتتحدث الآن عن إسرائيل الكبرى متجاوزة في ذلك حدود مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية، فعلى أي أساس يمكن رفض الاعتراف بفلسطين على أساس حدود 1967، والاعتراف لإسرائيل من دون حدود تفصيلية نهائية.

ازدواجية في المعايير للأسف كانت دوماً على حساب الحق العربي ومصالحنا في المنطقة، وهو أمر يجب رفضه والتصدي له بوضوح وصراحة، ولم أفاجأ بالازدواجية في المعايير بخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنما دهشت أن يركز على ضرورة حل المشكلات في الأوطان الآمنة للحد من دوافع الهجرة، في الوقت نفسه الذي يدعو فيه إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

وأود انتهاز هذه الفرصة لأحيي الشعب الفلسطيني البطل المكافح والصابر أمام ظروف صعبة وتحديات قاسية لم تشهد من قبل، وأشكر مصر والأردن على ما قدمتا من دعم سياسي للقضية الفلسطينية وإنساني ومادي للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، كذلك أشكر السعودية وفرنسا على الجهد المبذول لانعقاد مؤتمر حل الدولتين، وخلق زخم سياسي ساعد على دفع كثير من الدول إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد تأخر طال وتردد غير مبرر قانونياً وأخلاقياً وسياسياً.

أنا سعيد بالتطورات الأخيرة بالفعل وأقدر مواقف الدول التي أخذت قرارات واضحة دعماً للحق الفلسطيني، وإنما من الأهمية عدم الاكتفاء بهذه الخطوة، ويجب اعتبارها نقطة تحول، ودافعاً للتحرك على ثلاثة محاور متوازية في ضوء الزخم السياسي المتنامي لمصلحة الحق الفلسطيني ألا وهي:

محور وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية والإفراج عن الأسرى والمختطفين وإعادة تعمير غزة وفقاً للخطة العربية الإسلامية المقدمة من مصر والإجراءات المنصوص عليها في مقررات مؤتمر حل الدولتين، وأقترح هنا وضع خطة تحرك دبلوماسية هادفة تجمع بين عدد فعال من مؤيدي القرارات الأخيرة عرب وغير عرب، حتى نوسع ساحة الاتصالات والضغط، وفقاً لخطة تحرك بإجراءات عملية ووفقاً لبرنامج زمني محدد.

ومحور محاسبة إسرائيل ومسؤوليها على ممارساتها في الأراضي المحتلة حتى الآن ومستقبلاً، سواء كان ذلك في غزة أو الضفة الغربية، مع تصعيد وتشديد الإجراءات المطبقة ضد استغلال إسرائيل تلك الأراضي المحتلة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها، وقد اتخذت إسبانيا والنرويج عدداً من الإجراءات الأخيرة وتتناول دول الاتحاد الأوروبي عدداً من المواقف والإجراءات، ويجب متابعة وتقييم استغلال إسرائيل إمكانات تلك الأراضي باعتبارها من ثروات الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، الذي يحرم القانون الدولي استغلالها بصورة غير مشروعة، وأولى هذه الخطوات وقف التسليح لإسرائيل والتعامل مع القوات المسلحة والشرطة الإسرائيلية باعتبارها أكثر المؤسسات الإسرائيلية تجاوزاً في الضفة والقطاع.

والمحور الثالث التعامل مع الهيئات الفلسطينية ومسؤوليها باعتبارها جزءاً من الدولة وهيئات سيادية رسمية بكل ما يحمله ذلك من حقوق ومراسم وإجراءات، بما في ذلك التعامل مباشرة مع هيئات مالية فلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.

أرى أن الأسبوع الثالث من سبتمبر كان إيجابياً بالنسبة إلى المسار الفلسطيني على المستوى السياسي، على رغم استمرار معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بصورة غير آدمية ومعاناة الفلسطينيين في الضفة، إلا أنه سيكون خطأ وخطيئة أن نبالغ في الإنجاز أو نهدأ ونتردد في عزيمة التحرك، فالحق الفلسطيني لا يزال مهضوماً ومسلوباً، واتخاذ خطوة يجب أن تعقبها جهود وخطوات جدية متواصلة ومستمرة، إلى أن يحاسب المحتل ويتحول الحلم الفلسطيني إلى واقع ملموس.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى