أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب معركة وهمية… خسارتها حقيقية

بقلم نبيل عمرو 28/4/2021

في التاريخ الفلسطيني الحديث، الذي بدايته النكبة ونهاياته مفتوحة على الزمن، خاض الفلسطينيون حروبا ومعارك كانت موازين القوى في غير صالحهم على الدوام، تسجل نتيجة مثبتة هي الخسارة العسكرية تنتج مكاسب سياسية، المعارك العسكرية افقدتهم الجغرافيا الثمينة، والمكاسب السياسة عوضتهم بدخول المعادلات وتثبيت قضيتهم في مكان بارز على الاجندات.

غير ان معركة الانتخابات العامة الثالثة سجلت حتى الان خسائر بلا مكاسب، فمنذ صدور مراسيم اجراءها وحتى تأجيلها انفجر التوق الشعبي لخوضها فارتفعت نسبة المسجلين في قوائم التصويت الى ما يربو عن الخمسة والتسعين بالمائة وارتفع عدد القوائم المتطلعة لدخول المجلس التشريعي الى ست وثلاثين ودون انتظار المدة القانونية اشتعلت الدعاية الانتخابية، وانتقل الاهتمام الشعبي من قضايا هابطة فرضت عليه ومشاجرات صبيانية تفرج عليها الناس الى متابعة شأن اكثر رقيا مما سبقه، واستمع الناس الى تحليلات ووعود وآمال وانتظروا من الستة والثلاثين قائمة برامج تتطابق او تتعارض مع ما يريدون ، او ما حرموا منه خلال فترة طويلة من العيش تحت اسقف سلطة غير منتخبة وإدارة مرتجلة، وداعبت المواطنين الأبرياء الذين عانوا من ارتجالات الفصائل ، أحلام مشروعة بولادة برلمان يمثل كل الناس وليس وعاءً يمارس فيه الاقتتال على النفوذ والمزايا وفق نمطية ملّها الفلسطينيون وأملّوا بتجاوزها نحو مشاركة حقيقية للقوى الفعلية التي حملها الشعب وأرسلها الى البرلمان ، كلٌ بحجم ما تمكن من الفوز به وفق التصويت الحر.

وسمع الناس طروحات عززت ثقتهم بأنفسهم وبواقعية الامال التي بنوها على الانتخابات، وصدّقوا القول ” ستجري لا محالة، وستكون حرة ونزيهة، ومجسدة لارادة الشعب الفلسطيني” وقيل اكثر… ان لا مجال لا لامريكا ولا لإسرائيل ولا لغيرهما التأثير عليها فالطبقة السياسية الفلسطينية ستقف بالمرصاد لخصوم العملية الانتخابية وستفشلهم بالتأكيد.

أليست هي سادنة القرار المستقل؟!

الخمسة والتسعون بالمائة الذين هم الناخبون الفلسطينيون والذين انتجوا ستة وثلاثين قائمة ظنوا وكادوا يتأكدوا وانا منهم رغم انني لست في السباق، ان الزخم الذي انتجته مراسيم اجراء الانتخابات سيجعل من التراجع عنها امرا غاية في الصعوبة ان لم يكن وفق الحسابات المنطقية مستحيلا .

كان هؤلاء الأبرياء وحسنوا النية يراكمون آمالا بينما كان غيرهم يراكم أسبابا للتأجيل مع الاخذ بالاعتبار ان مفردة التأجيل هي التخفيف الساذج للالغاء ، لقد اكتشف الذين جددوا سجلاتهم الانتخابية والذين اسسوا القوائم حقيقة كانوا لا يحبون تصديقها وهي ان اللامنطق هو منطق الطبقة السياسية وان اتخاذ قرارا يعترض الرغبة والاجماع الشعبي يمكن ان يتم بجرة قلم دون الحاجة لذرائع مقنعة فما اسهل ان يتم توزيع دم الانتخابات على القبائل الامريكية والأوروبية والإقليمية والإسرائيلية، ودع المليونين ونصف المليون ناخب والستة وثلاثين قائمة تطارد املها المهدور لأن الرهان انها سوف تتعب أخيرا وتيأس .

عودة الى العنوان، لم يتحقق انجاز الاستحقاق الشعبي والقانوني والديموقراطي والسياسي الذي بفعل السعي اليه صدرت المراسيم وتجندت لجنة الانتخابات المركزية الطيبة للغاية مثلنا في العمل الدؤوب والمتقن لاجراء انتخابات ينحني العالم كله امام نزاهتها ودقة ترتيباتها على نحو يجسد شهادة كفاءة بل وجدارة بإنتاج دولة حديثة يحترمها العالم ويضاعف جهوده من اجل تحقيقها.

وفي حمى المعركة الانتخابية وبفعل شراسة التنافس على المقاعد وحتى على ترتيب المواقع في القوائم طُردت الفصائل الصغيرة وقيل لها بصريح العبارة لا مكان لكم في الزحمة جربوا الاعتماد على أنفسكم

إذ يفترض ان اجتياز الواحد والنصف بالمائة لن يكون مستحيلا عليكم بعد ان ملأتم الشاشات كقادة على مدى عقود طويلة ، وقيل لهم أيضا انتظروا فسنعوضكم في المجلس الوطني دون ان يخطر ببالهم ان الحلقة الثالثة ذهبت كالاولى ولا مجال للتعويض الا بقاء الوضع على حاله.

اما فتح التي دخلت المعركة بثلاث فقرات منفصلة عن عمودها الفقري الذي حمل الجسم الفلسطيني من البداية حتى انها أضحت العمود الفقري للوضع الفلسطيني كله، فإذا بها تتنافس مع نفسها أولا ويبدو منافسوها الحقيقيون اقرب اليها من كثيرين من أبناء جلدتها، كان هذا بتأثير معركة الانتخابات الوهمية التي لم تحدث.

في الوطن دوافع قوية لانطلاق انتفاضة سلمية ضد الاحتلال والاستيطان وكل ما يفعلان ، ولقد تولت القدس اطلاق عينة نوعية من العمل السلمي القوي والفعال وكأنها تقول للعالم وللطبقة السياسية الفلسطينية ولاسرائيل ان وضع صناديق اقتراع تحدٍ في المدينة اسهل بكثير من إزالة الحواجز الفولاذية بالأيدي العارية وقبلها الكاميرات والبوابات فليست القدس من تفرط بدورها التاريخي كهدف ورافعة لتكون احد عناوين الغاء الاستحقاق الانتخابي ، ذلك ان انتعاش الحال في كل ارجاء الوطن هو الطريق الوحيد لجعل تحرير القدس هدفا واقعيا.

ان حال ما جرى معنا في امر الانتخابات كحال من اطلق النار أولا ثم سدد على الهدف بعد ذلك فطاشت الطلقة وبقي الهدف على حاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى