أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب –  حكاية الحكومات الفلسطينية ..!

نبيل عمرو *- 27/8/2021

 الجديد الذي جاءت به عملية أوسلو، هو التغيير في بنية النظام السياسي الفلسطيني الذي كان يسمى نظام منظمة التحرير، فصار لدى الداخل برلمان منتخب ينتج حكومة إن لم تكن من بين أعضائه فلا شرعية لها إن لم تحصل على ثقته، ولأول مرة صار لدى الفلسطينيين موازنة عامة يقرها البرلمان وتتقيد بها الحكومة، وتظل تحت رقابة دائمة ومساءلة مستمرة.

نظرياً لم يكن للحكومة الفلسطينية دور سياسي مباشر، فلقد ظل هذا الدور منوطاً بمنظمة التحرير، إلا أن رئاسة عرفات للمنظمة والحكومة والسلطة خلقت حالة اندماج في المهام، وفي هذا المجال تحديداً كانت المهمات السياسية التي تؤديها الحكومة أو بعض أعضائها مستمدة من تكليفات رئيس الجميع ياسر عرفات، وكانت منظمة التحرير تكتفي بأن يوضع شعارها على الورق فقط.

هكذا كانت الحكومة التي أتت بها التسوية، ما أوجد معادلة مفادها أن فاعلية الحكومة الفلسطينية مرتبطة بحبل سري هو الحالة السياسية المرتبطة كذلك بتقدم العملية التفاوضية أو توقفها أو انهيارها.

في زمن فاعلية المسار التفاوضي كانت الحكومات تعمل مشحونة بثلاثة مصادر رئيسية للطاقة: المصدر الفلسطيني جسده نفوذ ياسر عرفات الذي لا حدود له في أمر القرارات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ثم الدعم الدولي الذي كان يعتبر الحكومة من ضمانات تقدم المشروع السياسي، ثم حجم الدعم الإسرائيلي لها، إذ إن الدولة العبرية كانت مسيطرة على جميع المقدرات الفلسطينية من خلال كونها سلطة احتلال تغطيها اتفاقيات وبروتوكولات تملك الحكومة الإسرائيلية التقيد بها أو الانقلاب عليها.

هذه كانت وما تزال مصادر الطاقة التي تحتاجها أي حكومة فلسطينية كي تعمل، إضافة إلى عامل آخر يخص الفلسطينيين وحدهم وهو مستوى كفاءة الأداء الوظيفي، فكانت قلة الخبرة الحكومية وتأثير الوضع الداخلي دائم الاضطراب وتصارع الأجندات الداخلية على النفوذ عاملاً إضافياً ذا تأثير سلبي على وضع الحكومة وأدائها.

الآن… المصادر الرئيسية تعثرت على نحو لا مغالاة في وصفه بالكارثي، فقد غاب ياسر عرفات عن المشهد فأنتج غيابه تعجلاً من جانب «حماس» في حسم أمر التنافس على النفوذ وما أمكن من السلطة، كما غاب الأفق السياسي المحفز للعالم على تقديم الدعم المفترض لتوفير الوقود لمركبة الحكومة، أما إسرائيل التي هي وفق الاتفاقات المصدر الأساسي لميزانية السلطة فقد ألقت بالاتفاقات إلى سلة المهملات ودمجت شروط منح الفلسطينيين لما لهم بشروط أجندتها السياسية، أما إسهام الوضع الداخلي الفلسطيني في خفض فاعلية الحكومات إلى ما هو دون الحد الأدنى، فلم يجد حتى الآن علاجاً شافياً له، فاستمر الوضع الحكومي «الشاذ» من خلال وجود حكومة شرعية ولكنها مكبلة بقيود صارمة ومركزها الضفة في صراع لا يهدأ مع حكومة غير شرعية ولكنها فعالة في غزة، ما وضع الاثنتين تحت طائلة عجز عن أداء المهام المفترض أداؤها وفق حاجات ومتطلبات الشعب الفلسطيني.

في غزة تغطي حكومة الأمر الواقع نفسها ببرنامج كفاحي شعبي وقتالي تفسر به التدهور المستمر لحياة الناس من دون الاعتراف بعجزها عن إيقاف هذا التدهور وتوفير وسائل خروج عملية منه، ليبقى الأمر الواقع سيد المعادلة، ما اضطر الجميع إلى التعامل معه كل وفق أجندته.

وفي الضفة تغطي الحكومة نفسها بالشرعية المعترف بها دولياً، وتفسر عجزها بنسبته لإسرائيل تارة ولبخل بعض المانحين تارة أخرى، مع محاولات لا تتوقف لصرف النظر عن فشلها في الإدارة على أكثر من صعيد، وغالباً ما تكون الحجج مفتعلة في هذا المجال.

الخلاصة… تظل الحكومة الفلسطينية بعد ذوبان منظمة التحرير وانفصال غزة غير الرسمي حاضرة حتى الآن، ولكن الواقعي هو الواجهة التي يقوّم بها الوضع الفلسطيني، فهي تسمى حكومة الرئيس، وفي قول آخر حكومة فتح، وفي قولها عن نفسها حكومة الكل الفلسطيني، وفي العالم تسمى حكومة ما تبقى من الاعتدال الآخذ بالتلاشي لمصلحة أي بديل غامض، وبالنسبة للأميركيين فهي مشروع رعاية وتقوية في مواجهة «حماس»، وبالنسبة لـ«حماس» فهي المانع من أن تدك بقبضاتها أبواب القدس، وبالنسبة لإسرائيل فهي مجرد راعية للتنسيق الأمني.

هذا الواقع الكارثي صار مادة مفضلة لتندر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تارة يشكلون حكومة، وتارة أخرى يعدلونها، ودائماً لا يثقون بقدرتها على أداء دورها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى