أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب انجاز عظيم وقلق مشروع عليه

بقلم  نبيل عمرو 2/6/2021

الثورة الفلسطينية المعاصرة التي اطلقت رصاصتها الأولى “فتح”، وتطورت لتتحول الى جبهة وطنية جامعة داخل اطار منظمة التحرير، خاضت حروبا عسكرية طاحنة، ومعارك سياسية معقدة.

وقد أحرزت الثورة الفلسطينية نجاحات نوعية في المجالين العسكري والسياسي وحققت نتائج بالغة الأهمية أولها وليس آخرها استعادة الهوية السياسية للشعب الفلسطيني بعد ان كادت تتلاشى في واقع الشتات وسطوة الاجندات الاستثمارية، والانجاز الاخر الذي لا يقل أهمية هو فرض القضية الفلسطينية في موقع متقدم من بين القضايا الدولية، ولعل النجاح الذي أحرزته الثورة الفلسطينية كان بفعل المواءمة الذكية بين العمل العسكري والسياسي.

كانت المعركة الاكبر في تاريخ الثورة الفلسطينية هي تلك التي استمر القتال فيها ثمانية وثمانين يوما دون توقف في لبنان، وبفعل الإدارة الناجحة للحرب والاشتباك السياسي الذي تلاها، تم تعويض خسارة الجغرافيا الثمينة بدخول الى حالة سياسية اضحى الفلسطينيون فيها رقما صعبا يستحيل تجاوزه.

وفي هذه الأيام وقعت حرب فلسطينية إسرائيلية جديدة انطلقت شرارتها الأولى من القدس وتطورت الى حرب مدافع وصواريخ وطائرات اكتسبت صفة حرب غزة ، ووقعت على العالم وبوجه خاص على إسرائيل وحلفائها وقع الزلزال الذي وصلت اهتزازاته ومفاعله كل مكان في الزمن الذي نعيش.

وهنا ونحن في نشوة الشعور بالانتصار والزهو بالانجاز يتعين علينا ان نستعيد درسا قوّض نتائج حرب بيروت المجيدة وارغمنا على الانكفاء، هو درس الانشقاق الذي تلا حرب بيروت بأشهر قليلة، تحول البقاع اللبناني والمخيمات الى ساحة حرب فلسطينية فلسطينية، وراح ضحيتها عدد كبير من الشهداء يتقدمهم رئيس اركان قوات الثورة الفلسطينية اللواء سعد صايل، وبدل ان نتابع الإنجازات السياسية التي بُنيت على الإنجاز العسكري الهام انصرفنا الى معالجة كارثة الانشقاق، وتحول ازدهار حالتنا الى عكسه تماما، ومن ينسنى ذلك الانحدار المروع الذي تجسد في مؤتمر قمة عمان الذي كاد يسحب حق تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب والقضية.

وهنا جاءت الانتفاضة الشعبية الاولى منقذا للظاهرة الفلسطينية ولاطارها الشرعي المعترف به دوليا، ليعود الدم الى عروق القضية، بعد ان كاد يجف، هذا الدرس ينبغي تمثله في هذه الأيام بالذات حيث الاختلافات النائمة تحت السطح والظاهرة على الملأ ، اختلاف حول الشرعيات واختلاف حول الأدوار واختلاف حول التوظيف السياسي واختلاف على الجدارة في التمثيل والقيادة، وكل ذلك يجسد قلقا حقيقيا على إمكانية اهدار الإنجاز الكبير.

المعركة من الفها الى يائها منذ اول فاعلية تحدت الاحتلال في الأقصى وباب العامود والشيخ جراح، كانت معركة الشعب الفلسطيني كله بامتياز، فمن لم يشارك في اطلاق الصواريخ شارك بالقبضات العارية ومن بدا بعيدا عن ساحة المواجهة في آخر الدنيا صار شريكا فيها حين امتلأت عواصم العالم بالمتضامنين مع الحق الفلسطيني مع حق غزة في الحياة الكريمة ومع حق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره.

معركة بهذا الحجم وبهذا الاتساع وبهذا القدر من المشاركة الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية والأجنبية، ينبغي ان لا تكون بأي حال احتكار فصيل واحد في إدارة ما بعدها ولا ينبغي كذلك ان تتحول من انجاز وطني بامتياز الى تباهٍ ساذج بين من قدم اكثر من الاخر في معركة كهذه.

ان الاختلاف داخل البيت وبين اهله يمكن ان يكون شرعيا وبناءً اذا جرى في حاضنة وحدوية وداخل اطار مؤسساتي مجمع عليه ونحو هدف وطني لا اختلاف على محتواه ولا على طريق الوصول اليه

ثنائية التنازع على الشرعية ينبغي ان تنتهي لمصلحة شرعية واحدة أرى ان السبيل اليها هو العودة مجددا الى صندوق الاقتراع كي يشعر المواطن الفلسطيني بأنه شريك في تقرير مصيره واتجاهه، وكي تشعر القوى السياسية ان شرعيتها تجددت وان القرار الوطني المتكامل لابد وان يحل محل القرارات الفصائلية التي تمثل اجنداتها اكثر بكثير مما تمثل كل أطياف الشعب.

من حقنا كفلسطينيين ان نشعر بنشوة الإنجاز ولكن من واجبنا ان نوفر إمكانيات الاستفادة منه والبناء عليه وبالطريقة التي يجري فيها التعامل مع ما حدث فلن نجني غير ما جنيناه بعد معركة بيروت المجيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى