أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب إسرائيل: استبدال المحترف بالمتدرب

نبيل عمرو ١٨-٦-٢٠٢١م

أخيراً نجح الانقلاب الذي أطاح محترف رئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو، ليأتي بمتدرب ومبتدئ بديلاً عنه، بعد أن تم تأمين الصوت السحري الواحد الذي غيّر المعادلة المعمول بها منذ تأسيس الدولة العبرية.
إنه انقلاب بكل ما للكلمة من معنى ليس عسكرياً بأي حال؛ لأنَّ العسكرية من اختصاصنا، فالنظام الإسرائيلي وفق قوانين تداول السلطة فيه يستبعد ذلك، بل برلماني سياسي وحتى عقائدي فيه الكثير الجديد الذي يحدث لأول مرة.
ولأبدأ بتحديد الهدف الذي أملى وقوع هذا الانقلاب بعد ثلاث محاولات تعثرت وأبقت بنيامين نتنياهو في مكانه رئيساً للحكومة.
كان هدفاً واحداً هو إطاحة الرجل الذي وفّر لنفسه فائض قوة، ربما لم يتوفر مثله لكل من سبقه، فقضى أطول مدة رجلاً أول وحتى مركزياً في الحياة السياسية الإسرائيلية، وحظي بأوصاف لم يحظَ بمثلها مؤسسو الدولة والنظام، فهو الساحر والملك والأخطبوط الذي يطوق بأذرعته كل مقومات الدولة العميقة، وبفعل طول المدة وضعف المنافسين وقدرته على التلاعب بالخصوم والموالين، لم يعد مجرد الرجل الأقوى في إسرائيل، بل أضحى وتكرس كالأقوى من إسرائيل.
إسرائيل واجهت تحديات مصيرية ولا تزال، إلا أن هذه التحديات لم تفرض ائتلافاً يجمع كل التناقضات على طاولة واحدة، أما التخلص من نتنياهو فقد فعل ذلك، وها نحن نرى «ميريتس» أقصى اليسار تعانق ليبرمان أقصى اليمين، و«العربية الإسلامية الموحدة» تتحالف مع بينيت، والنواب العرب يشكلون شبكة أمان لحكومة يتربع على رأسها أكثر شخصية سياسية وعقائدية لا تحب رؤية عربي واحد فيها، إنه سحر نتنياهو الذي كان مركزياً في الصيغة القديمة وصار مركزياً كذلك في بلورة الصيغة الجديدة، ليس هذا فحسب، بل هنالك انقلاب آخر حدث لأول مرة في التاريخ عنوانه منصور عباس، الذي اقتحم المعادلة الإسرائيلية مغلقة الأبواب والنوافذ أمام أي عربي، بل كان أقطاب السياسية اليهود يجمعون على تفادي الحضور العربي سوى بالتصويت لمرشحيهم، أو بترجيح فوز فريق على آخر حتى صار ممثلو العرب في الكنيست مجرد داعمين أو مانعين من الخارج.
والى أن مات رابين كان يواجه اتهاماً ملحاً وربما أدَّى إلى قتله، وهو اعتماده على النواب العرب لتمرير اتفاق أوسلو، ولولا التصويت العربي لما رأت أوسلو النور حتى لو كان في ظهرها كل العالم.
الانقلاب الذي أطلق بلاغه الأول منصور عباس لم تقتصر مفاعيله على التركيبة الحكومية الجديدة، بل طالت النسيج العربي الذي يبلغ تعداده قرابة المليوني نسمة، لقد تبلور انقسام معلن بين من ينادون بالاندماج المطلق في الحياة الإسرائيلية، وخصوصاً الداخلية منها وبين من ينادون بحذر ليس للاندماج، بل للمساواة.
انقلاب منصور عباس المدعم بناخبين عرب وضع الأولوية للاندماج، وضيّق الهوامش على دعاة المساواة، وفي الانتخابات القادمة سيظهر عمق ومساحة التحول لدى الجماهير العربية من خلال التصويت، فإن تضاعفت مقاعد عباس في الكنيست يكون الرجل قد أنجح انقلاباً جذرياً مدعوماً بكثافة شعبية ذات وزن، أما إذا حدث العكس فإن انقلابه يكون قد فشل.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تحمل فقط تغييراً انقلابياً على الصيغة، حين تولى رئاستها صاحب واحدة من أصغر الكتل البرلمانية في الكنيست واستبعد صاحب الكتلة الأكبر، بل تم استبدال حكومة فعالة بحكومة شلل حتمي، وسيكون أقصى ما تستطيع فعله أن تظل على قيد الحياة لأطول أو لأقصر مدة.
إن حكومة كهذه سيكون شرط بقائها ألا تقترب من القضايا الجوهرية التي تفرض نفسها على إسرائيل، فلو فتح مثلاً ملف التسوية بفعل إلحاح إقليمي ودولي وربما أميركي، فإن عضواً واحداً من أعضائها يملك قدرة حاسمة على إطاحتها، وذلك أمر ينبغي ألا يستبعد من حساب الاحتمالات، خصوصاً أن خصم الحكومة الذي سيتفرغ لإطاحتها هو نتنياهو صاحب التسعة وخمسين صوتاً، وفوقها قدراته المميزة على تقويض الخصوم.
إن ما حدث في إسرائيل هو انقلاب مركب وغير مسبوق عرفنا اتجاهاته من خلال المشهد الذي رأيناه في جلسة الكنيست الحاسمة، وكيف جرت وكيف كان خطاب نتنياهو الذي قبل على مضض وضعه الجديد رئيساً للمعارضة، والذي توعد بإسقاط الحكومة مهما كلف الأمر، ليس نتنياهو فحسب، وإنما كل المطرودين من الفردوس الحكومي كيف تصرفوا وكأنهم فقدوا اعز ما يملكون، ولن يوفروا جهداً لاسترجاع ما فقدوا.
إن ما حدث في الجلسة الحاسمة لم يكن مجرد مناكفات برلمانية يمكن نسبتها إلى طقوس الديمقراطية المفتوحة حتى حدود الفوضى، بل هي بروفة لما سيحدث في قادم الأيام من صراع داخلي لا هوادة فيه، مركزه شلل حتمي في مجال القرارات الأساسية فلنراقب لنرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى