نبيل عمرو يكتب أمريكا والاستثمار الأفغاني ..!

بقلم نبيل عمرو 15-8-2021م
قبل الانقلاب الشيوعي الذي وقع في افغانستان القرن الماضي، لم تكن تلك البلاد ذات شأن كبير في الحياة الدولية، كانت راضية بعزلتها وقبائليتها وطائفيتها ونظام حكمها، وبدافع من وهم تحويل كابل الى براغ، وقندهار الى بوخاريست، وادخال البلاد الافغانية كامتداد اسيوي للمنظومة الاشتراكية، ارسلت الدولة العظمى جيشها الاحمر الذي كان مرعبا مجرد ذكره لتثبيت الحكم الشيوعي هناك، ومع دخول اول كتيبة سوفياتية اشتعلت البلاد بحرب لم تتوقف حتى الان.
امريكا وهي في خضم الحرب الباردة صنعت من افغانستان مصيدة للسوفييت ونجحت في ذلك الى حد كبير.
خسائر السوفييت في افغانستان لم تكن مجرد ارواح ومعدات واموال، بل وصل الامر حد ان تكون الحرب هناك احد العوامل الاساسية التي أدت الى تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره.
وبعد ان خرج السوفييت بشق الانفس من ذلك المغطس المميت، دخلت امريكا لاستثمار جهودها التي بذلت لضرب السوفييت واضعافهم وانهائهم، وشرعت ومعها حلفاؤها الغربيون والمحليون في محاولة لتركيب افغانستان جديدة، وركزت جهدها على بناء جيش حليف ودون الاسهاب في سرد يوميات او سنوات الوجود الامريكي هناك انتهى الامر الى ما هو عليه الان فإذا بطالبان الذي بني الجيش الحكومي لمنعها من الاستيلاء على الحكم، تكتسح البلاد لتقف على ابواب كابل، بعد ان تسرب الجيش الحكومي كل الى قبيلته واخلى مساحات واسعة دون قتال.
قدرت تكاليف بناء الجيش المتلاشي بالف مليار دولار اي ما يكفي لتمويل تنمية مستدامة في معظم دول ومجتمعات العالم الثالث، ولم تكن هذه هي الخسارة الاولى او الاهم بل نزفت امريكا في ذلك البلد الكثير من هيبتها وسجل في التاريخ انها فشلت في تحقيق اي من اهدافها المعلنة والمستترة وها نحن نرى مشهدا فيه هزيمة عندما يكون اقصى ما تستطيعه الدولة العظمى هو انقاذ رعاياها وموظفيها وفنيي جيشها.
امريكا لا تهمها الخسارات المادية كالمعدات والاموال وحتى الارواح فإذا ما شعرت ان بقائها في مكان ما صار عديم الفائدة فما اسهل ان تخليه مسجلة الخسائر الباهظة تحت بند استثمارات فشلت اخيرا.
وهنا يكمن الدرس الذي يتعين على الدول ان تتمثله جيدا في علاقاتها مع امريكا فالدولة الكونية العظمى تريد شركاء فاعلين ولا تريد اعباءً تحملهم على اكتافها وهم عاجزون عن اداء دور المساعد الفعال في بلادهم.
حين كانت افغانستان استثمارا رابحا زمن الحرب الباردة انفقت امريكا عليها بسخاء وحين صارت عبئا ادارت ظهرها لها تاركة ورائها نصيحة تقول “اخلعوا اشواككم بأيديكم فلم تعد لنا حاجة بكم بعد الان”.
امريكا تقيم علاقاتها وفق ميزان المصالح المتبادلة فمن هو جدير باللعب معها وفق هذا الميزان فله كل الدعم، ومن لا يعي ذلك ولا يتصرف على اساسه فليس له الا ما فعل بغيره وفق مصطلح اخلع اشواكك بيديك.
هذا هو الدرس ويصلح له عنوان آخر ربما يكون اكثر صدقية وبلاغة.. هكذا يكون اللعب مع الكبار.