نبيل عمرو: هشاشة وقف النار أم هشاشة السياسة؟
نبيل عمرو 9-12-2025: هشاشة وقف النار أم هشاشة السياسة؟
خلال الحرب على غزة، التي دخلت عامها الثالث، تمّ التوصل إلى هدنٍ عديدةٍ كان وقف إطلاق النار فيها يوصف بالهش، وهو بالمناسبة وصفٌ متداولٌ في كل الحروب الداخلية والبينية كذلك.
وفي أيامنا هذه حيث انتهاء استحقاقات المرحلة الأولى من مبادرة الرئيس ترامب تجاه حرب غزة، إلا من جثةٍ واحدة، تتعالى الأصوات حول الدخول إلى المرحلة التالية التي يقرّ الجميع بأنها الأصعب والأكثر تعقيداً، وتكاد تكون هي المرحلة الفاصلة بين أن يكون وقف إطلاق النار مجرد هدنةٍ أو أن يكون نهايةً للحرب يُبنى عليها وفق مبادرة ترامب، الذهاب إلى ما هو أبعد، أي إلى حلّ مشكلات الشرق الأوسط.
هشاشة وقف النار ترتبط بصورةٍ وثيقةٍ بهشاشة المعالجات السياسية للحالة التي أنتجت الحرب، وفي هذه المرحلة تتصدر الإدارة الأميركية المشهد، ما يتطلب تحليلاً موضوعياً للأداء الأميركي ولكيفية التعامل مع الأطراف المباشرة في الحرب، وكذلك مع الوسطاء الذين منذ لقاء شرم الشيخ تحوّلوا إلى شركاء في عمليةٍ كبرى، يفترض أن تنبثق عن مبادرة ترامب التي تعززت بقرارٍ من مجلس الأمن الدولي.
منذ طرح مبادرة ترامب إلى أيامنا هذه، ما الذي فعلته أميركا بالضبط، تحديداً فيما يتصل بالجبهات الثلاث الغزية واللبنانية والسورية؟
على الجبهة الغزية، أطلقت يد إسرائيل في العمل العسكري بذرائع ومن دون ذرائع، ما أغرى رئيس أركانها على القول: إن الخط الأصفر هو الحدود الجديدة مع غزة.
وعلى الجبهة اللبنانية، أغرقت أميركا لبنان بالمبعوثين دون أن تقيّد ولو نسبياً يد إسرائيل، مانحةً إيّاها حرية عملٍ كما هو الحال في غزة، وأيضاً بذرائع ومن دون ذرائع.
وعلى الجبهة السورية، المفترض أنها الأهم إستراتيجياً، حيث اندفاعة النظام الجديد نحو علاقةٍ تتجاوز حدود التحالف مع أميركا إلى ما هو أكبر وأعمق، بينما يتحدث نتنياهو عن منطقةٍ عازلةٍ تشمل جنوب سورية حتى أبواب دمشق، مع إعلانٍ متجددٍ ببقاء الجولان «هبة ترامب لإسرائيل» تحت السيادة الأبدية لها، مع صعودٍ وبقاءٍ دائمٍ على قمة جبل الشيخ، واستغلالٍ لحكاية السويداء تحت ذريعة حماية «حلفائنا الدروز».
ربما تكون إدارة ترامب أظهرت انزعاجاً من السلوك الإسرائيلي الذي بدا معوِّقاً لخططها أو لادعاءاتها، حتى أن دعوة نتنياهو لزيارةٍ خامسةٍ لأميركا اعتبرت استدعاءً للفت النظر، إلا أن مضي إسرائيل في عملها على الجبهات الثلاث، يجسّد توظيفاً من جانبها لهشاشة الموقف الأميركي من تطبيق استحقاقات مبادرة ترامب، إن لم نقل تواطؤاً.
الرئيس ترامب يتحدث عن أن الانتقال إلى المرحلة الثانية بات قريباً، وقد تكاثرت التكهنات حول معنى «قريباً»، هل هو قبل لقاء فلوريدا مع نتنياهو أم بعده؟ هل هو مع احتفالات رأس السنة الجديدة أم قبلها أو بعدها؟ وهل سيكون بعد تسليم آخر جثةٍ لإسرائيل أم قبل ذلك إذا ما تعذّر الوصول إليها؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تثار، ليس بفعل ترتيباتٍ تحرص الإدارة الأميركية على جعلها طيّ الكتمان، بل لأن الإدارة ذاتها لم تستقر على قرارٍ نهائيٍ بشأن جميع الاستحقاقات التي تكوّن المرحلة الثانية، والتي لا مناص من عبورها للانتقال إلى ما بعدها.
دعونا نصدق أن إدارة ترامب تريد فعلاً إنهاء الحرب على غزة «ولِمَ لا»، وتريد معالجة الحالة اللبنانية، بما يساعد الدولة على فرض سيادتها على الأرض والناس والسلاح «ولِمَ لا»، وتريد ترتيب أوضاع سورية لتلحق بركب اتفاقات أبراهام المتعثرة أمام الجدار السعودي الصلب «ولِمَ لا»، ولنطمع أكثر ونعتبر أنها ستمضي قدماً في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد، وفق ما وعدت به أدبيات ترامب وقرار مجلس الأمن، فهل هنالك من مسوّغاتٍ واقعيةٍ توفر ثقةً بجدية أميركا في تحقيق ذلك؟
إن ما نلاحظه كمراقبين إيجابيين يشير إلى عكس ذلك تماماً.
المرحلة الثانية المنتظرة وكيفية الأداء الأميركي لاستحقاقاتها، والتي جميعها بيد إسرائيل، ستكون الاختبار الحقيقي ليس للصدقية وحسب، وإنما لقابلية التنفيذ.



