أقلام وأراء

نبيل سالم يكتب – مسلسل صناعة الأزمات

نبيل سالم 16/12/2020

من العراق إلى سوريا فليبيا، وصولاً إلى شرق المتوسط، يبدو مسلسل صناعة الأزمات التركي متواصلاً بشكل بات يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها، حيث يسعى نظام الحكم القائم في أنقرة، بزعامة رجب طيب أردوغان، إلى التوسع على حساب جيرانه، حالماً باستعادة الإمبراطورية العثمانية البائدة، ومحولاً الإقليم كله إلى بؤر توتر ساخنة، تنذر بالمزيد من الصراعات، وهو أمر بات يقلق المجتمع الدولي بأسره.

ففي خطوة تأتي رداً على السياسة التركية المغامرة، والتي تحدد مسارها التوجهات العدوانية لأردوغان، قرر قادة الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم في بروكسل، فرض عقوبات على تركيا، بسبب تصرفاتها غير القانونية والعدوانية في البحر المتوسط ضد أثينا ونيقوسيا، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية وأوروبية عدة.

وعلى الرغم من أن الإجراءات التي تم إقرارها ستكون عقوبات فردية، فإن هذه العقوبات، قد تزداد في حال واصلت أنقرة أعمالها العدوانية في المنطقة.

وأعطى القادة الأوروبيون تفويضاً لوزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل «لكي يقدّم لهم تقريراً في موعد أقصاه مارس/آذار 2021، حول تطور الوضع»، وأن يقترح، إذا لزم الأمر، توسيعاً للعقوبات، لتشمل أسماء شخصيات أو شركات جديدة، بهدف تضييق الخناق تدريجياً على أنقرة.

هذه العقوبات الأوروبية تأتي في أعقاب إعلان أنقرة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عودة السفينة «عروج ريس» للقيام بعمليات استكشاف في المناطق البحرية المتنازع عليها مع اليونان وقبرص، حيث دان الاتحاد الأوروبي استمرار الأعمال الأحادية والخطاب العدائي من جانب تركيا.

ويتزامن القرار الأوروبي مع قرار أمريكي بفرض عقوبات على تركيا، بسبب شرائها منظومة صواريخ (S400) الروسية.

وبدلاً من أن تدفع المواقف الدولية حكومة رجب طيب أردوغان لمراجعة سياستها، تبدو مصممة على الاستمرار في نفس النهج الصدامي، ليس مع دول الجوار فحسب، بل مع المجتمع الدولي أيضاً، حيث أعلنت أنقرة رداً مزدوجاً، ومتزامناً تقريباً، على قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها، وكذلك على القرار الأمريكي.

والحقيقة أن أي متتبع للسياسة التركية، ولا سيما في السنوات التي تلت ما سمي ب«الربيع العربي»، يستطيع أن يلمس، ومن دون كبير عناء، مخاطر هذه السياسة التوسعية العدوانية، حيث تستغل أنقرة أوضاع الدول المجاورة للتدخل في شؤونها الداخلية بشكل سافر، بل واستغلال الأزمات التي تمر بها للابتزاز الرخيص، كما هو الحال عندما تم استغلال أزمة اللاجئين من أجل تعزيز الأوراق التركية، وابتزاز العالم، ولا سيما الدول الأوروبية، ناهيك عن التنقل بمرتزقتها من ساحة إلى أخرى، ودعمها المكشوف لجماعات متطرفة، أجمع العالم على أنها جماعات إرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وتفرعاتها، كتنظيم داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات، التي نمت وترعرعت في أحضان النظام التركي، زد على ذلك ما تسببه سياسة أردوغان من مشكلات كبيرة حتى لبلاده، حيث تضرب الأزمات الاقتصادية تركيا، بسبب السياسات الخاطئة التي يسير عليها نظام أردوغان، وعلى رأس هذه الأزمات ارتفاع معدلات البطالة، والتضخم لأرقام غير مسبوقة، فضلًا عن ارتفاع أسعار المحروقات، والمواد الغذائية الرئيسية، وغيرها من استخدامات الشعب التركي.

ويبدو أن الشيء الوحيد الذي لم تدركه حكومة أردوغان، على ما يبدو، هو أنّ تبنّي ودعم الإرهاب سلاح ذو حدين، قد يرتد، بل سيرتد لا محالة، على صاحبه، مهما طال الزمن، والتاريخ مليء بالأمثلة التي اكتوت بها دول دعمت الإرهاب، بالإرهاب ذاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى