أقلام وأراء

نبيل سالم يكتب – الأزمة السورية المفتوحة

نبيل سالم – 28/10/2020

لم تنته الحرب التي تشهدها سوريا، ويبدو أنها غير مرشحة للانتهاء في المستقبل القريب، بعد مرور أكثر من تسع سنوات على اندلاع الأزمة السورية، وهي واحدة من أزمات خطِرة تركها ما سمي ب «الربيع العربي»، الذي اجتاح عدداً من الدول العربية في عام 2011.

وإذا كانت ساحات المعارك قد تقلصت في الآونة الأخيرة، بسبب استعادة الجيش السوري لمناطق واسعة من الجغرافية السورية، التي خرجت عن سيطرة الدولة في السنوات الأولى للأزمة، إلا أن تداعيات هذه الحرب ستبقى قائمة ربما لعشرات السنين القادمة، فعلى الرغم من أن الحرب هذه خلفت أكثر من سبعمئة ألف قتيل، وأضعافهم من الجرحى والمشردين، فإنها تركت نصف سكان سوريا في فقر مدقع، بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد السوري، التي تقدر ب 630 مليار دولار.

ناهيك عن أن الأجزاء الأخرى من الاقتصاد تتعرض الآن لأزمة جديدة وخطِرة، تمثلت في اندلاع مئات الحرائق في الغابات والمحاصيل الاستراتيجية للشعب السوري، وعلى رأسها محاصيل القمح.

وحسب السير مارك لوكوك، مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإنه نتيجة لذلك «يعاني السوريون الآن من الجوع الجماعي، ولاسيما إذا أضفنا إلى هذه الأزمات أزمة انتشار وباء كورونا الذي ترك آثاره الوخيمة في جميع أنحاء العالم؛ حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد البشر الذين سيعانون الجوع الشديد سيتضاعف حول العالم».

أما في سوريا وهي موضوعنا في هذه العجالة، فإن انهيار قيمة الليرة السورية زاد الطين بلة؛ إذ بلغت الخسائر بالنسبة للذين يتعاملون بالليرة السورية حداً مرعباً.

والمحظوظون الذين ما زالت لديهم وظائف، انهارت دخولهم التي يبلغ معدلها 50 ألف ليرة شهرياً (ما يعادل 50 جنيهاً إسترلينياً) عند نهاية عام 2019 إلى 12 جنيهاً الآن.

أما ما يزيد من قتامة المشهد السوري فهو العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على سوريا، ولا سيما تلك التي تندرج تحت ما يسمى ب«قانون قيصر».

وبغض النظر عن شرعية هذه العقوبات من عدمها، إلا أنها، قد تودي بالبلاد إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية القابلة للانفجار على شكل صراعات مسلحة، وهو ما يبدو أن الولايات المتحدة، تسعى إليه للإبقاء على الجرح السوري نازفاً، لأسباب سياسية، وأهداف تحقق المصالح الأمريكية في المنطقة، على الرغم ممّا تتبجح به واشنطن حول حرصها على أهمية «احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان والتعايش السلمي بين سوريا و جيرانها»، لكنه ومهما كانت نوايا المشرعين الأمريكيين، فإن من شأن العقوبات الاقتصادية، أن تقضي تماماً على ما تبقى من الاقتصاد السوري لو طبقت حرفياً، ولن يكون ضحيتها سوى الشعب السوري نفسه الذي تزعم الولايات المتحدة بأنها تسعى إلى مساعدته.

لذلك فقد بات واضحاً أن نهاية الحرب من الناحية العسكرية، لن تؤدي إلى سلام في سوريا، خاصة أن مصير العديد من المناطق السورية، في شمالي سوريا

لن يقرره السوريون بحكم الأمر الواقع؛ بل القوى الإقليمية والدولية التي غاصت في مستنقع الأزمة السورية، مع سعي كل طرف إلى تنفيذ أجنداته الخاصة، التي غالباً ما تكون مصلحة الشعب السوري في ذيل أولوياتها، ولاسيما بالنسبة للولايات المتحدة وتركيا.

أمام كل ذلك يبدو أن الشعب السوري سيعاني كثيراً وربما لعقود قادمة، وبشكل خاص أطفال سوريا الذين باتوا يعانون من العنف والتشرد وانقطاع الروابط الأسرية ونقص إمكانية الحصول على الخدمات الحيوية، في ظل التدهور الاقتصادي الحالي والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية الذي تشهده البلاد في ظل استمرار الصراع وانهيار الليرة السورية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو إلى أين ستنتهي حدود هذه الأزمة المزمنة؟ وهل ستبقى في حدود الجغرافية السورية؟ أم أنها ستتدحرج في أكثر من اتجاه، إذا لم يوضع لها حلولاً منطقية، تأخذ بعين الاعتبار ليس مصلحة الشعب السوري وحسب وإنما شعوب المنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى