أقلام وأراء

نبيل السهلي يكتب – درب الآلام الفلسطيني

نبيل السهلي  *- 11/11/2020

العنوان المذكور مستوحى من اسم رواية ثلاثية درب الآلام الخيالية للكاتب والأديب الروسي الراحل ألكسي تولستوي. وفي هذا السياق يعتبر درب الآلام الفلسطيني من أطول وأخطر الدروب وأكثرها إيلاماً عبر التاريخ الإنساني، والذي كان من أهم صوره الماثلة احتلال فلسطين وطرد شعبها وإنشاء إسرائيل قبل أكثر من اثنين وسبعين عاماً.

المجازر والطرد

تعتبر إسرائيل التي أنشئت على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية في الخامس عشر من أيار / مايو 1948 مشروعاً غربياً بامتياز. إضافة إلى السيطرة على الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها، وجذب مزيد من يهود العالم لفرض التفوق الديموغرافي على أصحاب الأرض الأصليين؛ يعتبر طرد الفلسطينيين من وطنهم واحدة من الركائز الجوهرية للمشروع الصهيوني والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، في مذكراته، أن المنظمات والعصابات الصهيونية العسكرية طردت العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والتهجير.

وتفيد دراسات أن هذه العصابات والمنظمات ارتكبت 34 مذبحةً، أمكن تسجيلها، 24 منها في منطقة الجليل وخمس في وسط فلسطين وخمس في منطقة الجنوب، وثمة 17 مذبحة نفذت بوجود القوات البريطانية قبل عام 1948 ومن دون تدخلٍ منها، و17 أخرى ارتكبت بعد إنهاء الانتداب البريطاني.

ومن أشهر المذابح دير ياسين ومجزرة الطنطورة وقرية بلد الشيخ والصفصاف وعيلوط، وعرب المواسي، لكن أكبرها كانت مجزرة الدوايمة في قضاء مدينة الخليل. وتبعاً لتلك المجازر، تم طرد 850 ألف فلسطيني في 1948 أصبح مجموعهم خلال العام الحالي 2020 نحو ستة ملايين ونصف المليون لاجئ، وتكرر مشهد التهجير (الترانسفير) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، المباشر وغير المباشر، في يونيو/ حزيران من عام 1967 في أثناء احتلال الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تم طرد 460 ألف فلسطيني منهما، أصبح مجموعهم، الآن مليوناً وسبعمائة ألف نازح فلسطيني.

ومن أهم تداعيات النكبة الكبرى قبل أكثر من اثنين وسبعين عاماً، بروز قضية اللاجئين وتغير الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني. وتكشف الحقائق والمعطيات حجم القضية الناشئة، نتيجة إنشاء إسرائيل على 78 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، فضلاً عن الطرد القسري الصهيوني لغالبية الشعب ألفلسطيني.

وفي هذا الإطار، تفيد المعطيات الإحصائية أن عدد سكان فلسطين بلغ في نهاية الانتداب البريطاني 2،1 مليون نسمة، ثمة سبعين في المئة منهم من الفلسطينيين، في حين ارتفعت نسبة المستوطنين اليهود عبر الهجرة لتصل إلى ثلاثين في المئة.

كان هناك مليون وأربعمائة وأربعة وخمسين ألف عربي فلسطيني في وطنهم، في مقابل 650 ألف مستوطن يهودي، حتى عشية النكبة في 15 من أيار/ مايو 1948.

وقد لوحظ وجود ميلٍ سياسيٍ، في أثناء تقدير اللاجئين، تبعاً لخلفية الباحث، أو الجهة التي أعدت تقديراً حول اللاجئين، وقد راوح التقدير بين 960 ألف لاجئ فلسطيني، حسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم عام 1949 و940 ألفاً حسب جامعة الدول العربية، و726 ألفاً، حسب الأمم المتحدة.

إذا أخذنا أقل التقديرات للاجئي العام 1948 فإن من بين مجموع الشعب الفلسطيني في عام 1949 البالغ مليون وأربعمائة وستة وستين ألف فلسطيني، ثمة 726 ألف لاجئ، أي أصبح أكثر من 50 في المئة من سكان فلسطين العرب لاجئين.

استأثرت الضفة الغربية بنحو 38 في المئة منهم، في حين تركز 25،1 في المئة من اللاجئين في قطاع غزة الذي لا تتعدى مساحته 365 كيلومتراً مربعاً. واضطر 13،6 في المئة من اللاجئين للذهاب إلى لبنان، وإلى سوريا 11،5 في المئة وإلى الأردن 9،5 في المئة،كما فرت أعداد قليلة إلى مصر، لا تتعدى واحدا من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، واستحوذ العراق، أيضاً، على نحو نصف في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وغالبية الذين تركزوا في العراق من مثلث حيفا الساحلية، أي من قرى عين غزال وقرية عين حوض، وقرية جبع وغيرها من قرى عروس الساحل الفلسطيني.‏

التعريف الإجرائي

وحصلت عملية ترانسفير كبيرة لغالبية فلسطينيي العراق، بعد الغزو الأمريكي للعراق في ربيع عام 2003 حيث تمّ ارتكاب مجازر بحقهم على يد قوات مقتدى الصدر الشيعية، ليصبحوا لاجئين في أكثر من 40 دولة أوروبية وآسيوية وعربية.

ويشار إلى أنه لا توجد خدمات لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة «أونروا» بين تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الذين تركزوا في العراق، بعد نكبة عام 1948.

ومن أصل نحو 23 ألف فلسطيني كانوا في العراق قبل الغزو، لم يتعد مجموعهم الآن في نهاية عام 2020 أربعة آلاف لاجئ فلسطيني.

في مقابل ذلك، اعتمدت «أونروا» في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق انتشار عملها الخمس على أرضية تعريفٍ صاغته للاجئ الفلسطيني، أي تعريف إجرائي، وليس سياسيا يهدف بالدرجة الأولى إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة، على النحو التالي: اللاجئ الفلسطيني هو كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين، لعامين سبقا نزاع 1948 والذي كان من نتائجه أن خسر منزله، ووسائل عيشه، ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم «أونروا» فيها خدماتها، وينسحب هذا التعريف وتلقي المساعدة على أولاده وأحفاده وذرياتهم، وأن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها، وهي خمس مناطق : الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، الأردن.

وفي هذا السياق تشير الإحصاءات بوجود نحو ستة ملايين وسبعمائة ألف لاجئ فلسطيني في سجلات «أونروا» خلال العام الحالي.

وثمة 41 في المئة منهم يتركزون في الأردن، و22 في المئة في قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة، في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في «أونروا». في مقابل ذلك، تستأثر سوريا بـ 10،5 في المئة، وكذلك الحال بالنسبة للبنان.‏ ويلحظ المتابع أن عمليات ترانسفير كبيرة طالت أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منذ بداية الحرب الأهلية في عام 1975، ولم يتعد مجموع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حالياً 185 ألفاً، رغم تقديرات وإسقاطات الباحثين التي تصل إلى أكثر من ستمائة ألف لاجئ فلسطيني.

وكذلك هي الحال بالنسبة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فنتيجة تدمير شامل وجزئي لبعض المخيمات منذ عام 2012 بات أكثر من مائة وخمسين ألف لاجئ فلسطيني من سوريا في مناطق لجوء جديدة عربية وأوروبية، وخصوصاً في السويد وألمانيا والنرويج وهولندا، التي استصدرت قراراتٍ، من شأنها لم الشمل لمن يصل إلى أراضيها من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا.

ويبقى القول أن درب الآلام للشعب الفلسطيني الطويل والمستمر كان جذره إنشاء إسرائيل وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه الوحيد فلسطين.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى