أقلام وأراء

نبيل السهلي: الحكومة الإسرائيلية المقبلة والاستيطان في القدس

نبيل السهلي 20-12-2022م: الحكومة الإسرائيلية المقبلة والاستيطان في القدس

تؤكد مضامين اتفاقيات تشكيل الائتلاف بين حزب الليكود والشركاء الخمسة من أحزاب اليمين المتشدد وما يُعرف بتحالف «الصهيونية الدينية»، بأن يكون جل اهتمام الحكومة الإسرائيلية المقبلة منصبا على السياسات الخارجية والعلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية المطبعة وأوروبا وأمريكا، كما سيبقي ورقة قرار الحرب أو شن أي عملية عسكرية بيده، وفي نفس الوقت سيطلق يد المستوطنين والوزارات المختلفة لرفع وتيرة النشاط الاستيطاني في مدينة القدس لفرض واقع تهويدي إحلالي في جنباتها.

ففي تسابق مع الزمن ستسعى حكومة نتنياهو المقبلة الى فرض واقع تهويدي على الأرض في مدينة القدس، وذلك من خلال سياسة الترانسفير الصامت ضد العرب المقدسيين وجذب مزيد من المهاجرين اليهود اليها.

فتح قنوات للهجرة

ومن الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967 بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول أسيا وإفريقيا والأرجنتين بعد تراجعها من الدول الأوروبية، هذا فضلا عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود.

وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح المستوطنين اليهود في المدينة في المدى المنظور. وقد اتبعت اسرائيل إجراءات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك الإجراءات التي تجعل المقدسي يفقد هويته: إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى، وكذلك إذا سجل إقامته في بلد آخر.

وتبعا لتلك الحالات فإن دراسات مختلفة تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو بقاءهم خارجها. واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الجائر والدقيق والمخططة سلفا، فصاحب الأرض، ووفقا لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.

من الأهمية الإشارة إلى أن كافة الحفريات وعمليات التجريف التي لم تتوقف البتة في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، وكذلك في أحياء القدس المختلفة، إنما تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، في وقت لم تظهر فيه إلى العلن سياسة عربية وإسلامية حقيقية وجامعة لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس. وتبعا للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية التهويدية في مدينة القدس، بات في هذه المدينة 26 مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها (200) ألف مستوطن من اليهود المتزمتين. وفي مقابل ذلك لا يزال في المدينة (260) ألف مقدسي، حيث تسعى اسرائيل إلى طرد غالبيتهم بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضي القدس وعقاراتها. وفي هذا السياق، ثمة دراسات إسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل تسعى من وراء اصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها (12) في المئة من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الشرقي والغربي خلال السنوات القليلة المقبلة، إضافة إلى القوانين العنصرية المذكورة، اعتمدت إسرائيل سلاح الهدم والنشاطات الاستيطانية في مدينة القدس ضمن برنامج مدروس لتقليص وجود الفلسطينيين، ويعتبر الجدار العازل من أهم وأكبر النشاطات الاستيطانية في القدس، وأدى إلى سلخ نحو 125 ألف فلسطيني مقدسي عنها، وتهدد السلطات الإسرائيلية بسحب الإقامة منهم. وبالتوازي مع الهدم والتهجير والاستيطان، تواصل إسرائيل المشاريع العمرانية وضم الكتل الاستيطانية لفرض أغلبية يهودية في القدس المحتلة، والعمل على الزحف المنظم تجاه الأحياء العربية القديمة في القدس بغرض مصادرة أراضيها. واللافت للمتابع أن إسرائيل تستغل تحولات المشهد العربي، لتمرير مخططاتها بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان ومصادرة مزيد من الأرض والعقارات والمحال التجارية في مدينة القدس. وفي إطار سياساتها التهويدية في مدينة القدس، كثفت المؤسسة الإسرائيلية من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي في مدينة القدس خلال فترات حكم نتنياهو، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وإزالة آلاف المنازل، بغية كسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية، مثل حي الشيخ جراح، والعيزرية.

مهددون بالطرد

ونتيجة تلك المخططات ثمة (35) ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس. وبعد إصدار القانون الإسرائيلي قبل عدة سنوات، والقاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير لا يزال يلاحق ثلاثين ألف فلسطيني من القدس للحصول على فرص التعليم في بقية مدن وقرى الضفة الفلسطينية. وكانت إسرائيل طردت (15) ألف مقدسي أثناء احتلالها القدس الشرقية عام 1967، وقبل ذلك تم طرد ستين ألف مقدسي عام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور في قرى القدس، وبشكل خاص في قرية دير ياسين التي ارتكبت بحق أهلها مجزرة مروعة في شهر نيسان /أبريل/ من عام 1948على يد العصابات الصهيونية الهاغاناة والشتيرن. وستستمر إسرائيل في تسارع مع الزمن في محاصرة مدينة القدس بالجدار العازل وتهويد الزمان والمكان في جنباتها بعد تشكيل الإرهابي نتنياهو لحكومته والتي تعتبر انعكاسا لتفشي العنصرية والفاشية داخل التجمع الاستيطاني الصهيوني.

 

* كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى