#أقلام وأراء

اللواء محمود الناطور في وداع نبيلة النمر “أم اللطف”

سيرة نضالية حافلة تتوقف اليوم ولكنها ستبقى مشعلا للاجيال القادمة

اللواء محمود الناطور في وداع نبيلة النمر “أم اللطف”

في الايام الاخيرة، استغربت، اتصالات متكررة اجرتها معي الاخت ام اللطف، وسؤالها عن احوالي وصحتي، رغم ان هذا واجب علي، لم انقطع عن القيام به منذ سنوات، حيث كنت اتصل دائما للاطمئنان عليها وعلى الاخ ابو اللطف. واليوم جاء تفسير القدر لهذا الامر، فقد انتقلت الاخت ام اللطف الى الرفيق الاعلى، التي كان يبدو انها كان تودع كل الاصدقاء في هذه الدنيا من خلال اتصالاتها الهاتفية معهم.

كيف لا وهي المناضلة ذات التراث النضالي، التي استحقت بالفعل لقب “أم الثوار”، فلطالما كانت ملجأ للجميع، تسمع منهم دون كلل او تذمر، حكاياتهم، شكواهم، آمالهم، ومعاناتهم الثورية، ولم تتأخر ابداً عن تقديم المساعدة والوقوف الى جانب ابناء الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده.

وكان لها حضورا لافتا في كافة مواقع المسؤولية التي تسلمتها، وكانت بالفعل وجها مشرقا وخير ممثل للثورة الفلسطينية، عبرت بصورة رائعة عن تطلعات الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال، في كافة المنابر التي وقفت عليها صادحة بصوت الحق والحرية للشعب الفلسطيني.

إنها المناضلة / نبيلة راشد النمر “ام اللطف”، التي وافتها المنية في العاصمة الأردنية عمان صباح اليوم 26-6-2024، بعد حياة نضالية حافلة شكّلت نموذجا استثنائيا للمرأة الفلسطينيّة، قامت بتمثيلها في المحافل الدولية، ووضعت لمسيرتها النضالية عنوانا واحدا وهدفا واحدا وهو انتزاع الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس.

نبيلة راشد النمر “أم اللطف” إبنة راشد صدقي عبد الكريم النمر، الوزير والنائب السابق في البرلمان الأردني في ستينيات القرن الماضي، رفيقة الدرب للقائد المؤسس فاروق القدومي “ابو اللطف” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الدائرة السياسية (وزارة الخارجية)، وكانت بالفعل خير داعم له، مؤكدة مقولة “خلف كل رجل عظيم امرأة عظيمة”.

إنها رائدة الحركة الوطنية النسائية الفلسطينية والعربية، درست في جامعة القاهرة في أوائل ستينيات القرن العشرين، وانتسبت بشكل سري الى احدى خلايا حركة فتح أثناء دراستها الجامعية، وبعد أن حصلت على ليسانس الدراسات الاجتماعية من جامعة القاهرة، انتقلت الى الكويت للتدريس حتى انطلاق حركة فتح وقوات العاصفة عام 1965.

كانت عضوا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي عقد في مدينة القدس بتاريخ 15/7/1965، حيث انبثق عن المؤتمر لجنة تنفيذية برئاسة المناضلة عصام عبد الهادي، وانتخبت ام اللطف عضوا في الأمانة العامة. وعادت المناضلة نبيلة النمر “أم اللطف” الى القاهرة للإنغماس في عمل رابطة المرأة الفلسطينية وبهدف تنظيم لقاءات ومحاضرات ولقاءات تنظيمية، حيث أشرفت على تنظيم نسائي سري هناك، انتقلت الى دمشق إثر عدوان عام 1967 وعملت في صحيفة الإتحاد النسائي. وكان لانتصار معركة الكرامة الأثر الكبير في تطوير العمل التنظيمي الفدائي والنسوي على الساحة الأردنية من حيث الإقبال على التطوع في صفوف الحركة والذي جعلها تتحرك هناك بحرية في المجال التنظيمي.

شاركت ومثلت حركة فتح في مؤتمر للاتحاد الديمقراطي في فنلندا الى جانب الشهيدة ندى يشرطي قبل عام 1970. عادت الى عمان عام 1970 وشاركت في انعقاد مؤتمر المنطقة حيث انتخبت عضواً فيه، كما تسلمت المسؤولية المالية عن فرع اتحاد المرأة الفلسطينية في عمان.

انتقلت بعد أحداث أيلول 1970 من عمان الى القاهرة، انتخبت عام 1971 عضواً في لجنة إقليم القاهرة ونشطت في اتحاد المرأة الفلسطينية بعد ان انتقل من القدس الى القاهرة، وشاركت في الكثير من الندوات والمؤتمرات. و⁠كانت اول مسؤولة للمكتب الحركي المركزي للمرأة في حركة (فتح)، و⁠من اوائل المؤسسين لتنظيم الحركة الطلابية في حركة (فتح) في مصر. عملت في دائرة الشؤون العربية في جامعة الدول العربية حتى عام 1979، قبل انتقال مقر الجامعة الى تونس.

انتخبت عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الخامس للحركة عام 1988، وفي نفس الفترة عينت نائباً للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين، وكانت أول امرأة تشارك في مؤتمر القمة العربية في بغداد، كما عملت في دائرة الشؤون العربية وساهمت بتشكيل المجلس العربي للطفولة والتنمية برئاسة الأمير طلال بن عبد العزيز عام 1989. قدمت استقالتها من الجامعة العربية عام 1991 حيث عينها الشهيد ياسر عرفات مستشارة للشؤون الإدارية في مكتبه.

كان لها دورا بارزا في المؤتمر الخامس لحركة فتح عام 1989، واذكر هذا جيدا، فقد عرفت ان هناك توجها لدى قيادة حركة فتح لتوجه كافة اعضاء اللجنة المركزية الى الانتخابات بدون استثناء، وهو الامر الذي اعتبرته غير لائق بحق الرئيس القائد ياسر عرفات، وتوجهت الى الاخ ابو اللطف واخبرته برأيي، الا انه كان متمسكا بهذا الموقف باعتبار انه قرار من القيادة الفلسطينية.

وتوجهت الى الاخت ام اللطف واكدت لها ان هذا الامر لا يليق بتاريخ الاخ ابو عمار الذي كان يواجه معارضة قوية في المؤتمر الخامس للحركة ، وكنت اخشى الا يأتي على رأس قائمة اعضاء اللجنة المركزية، واقتنعت الاخت ام اللطف ووعدت بإقناع ابو اللطلف بالامر، وهو ما حدث بالفعل حيث اتفقنا ان يقوم الاخ ابو اللطف بالحديث امام اعضاء المؤتمر ان الاخ ياسر عرفات يجب ان يكون خارج قائمة المرشحين لانتخابات اللجنة المركزية نظرا لتاريخه وباعتباره صمام امان الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الشعب الفلسطيني. ووافق اعضاء المؤتمر على اقتراح الاخ ابو اللطف وقاموا بالتصفيق لمدة تجاوزت العشرين دقيقة في اجواء عاطفية للغاية عبر فيها اعضاء المؤتمر عن تقديرهم وتمسكهم بالاخ القائد ياسر عرفات.

القائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار” ونبيلة النمر “ام اللطف”

تبوأت عدة مناصب قيادية هامة على الصعيد الوطني والعربي والدولي منها عضوية المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، و⁠مسؤولة المكتب المركزي لمقاطعة إسرائيل في جامعة الدول العربية، و⁠عضو الاتحاد النسائي العربي، وساهمت في تحرير مجلة الاتحاد، وكانت ⁠من اوائل النساء الفلسطينيات المشاركات في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي (اندع)، ⁠ولها العديد من المشاركات الإقليمية والدولية دفاعا عن الحق الفلسطيني وانتصارا لقضيتنا العادلة. فقد مثلت المرأة الفلسطينية في منظمة المرأة العربية (القمة العربية للمراة) عام 2002 وظلت تشارك في هذه القمم حتى ما قبل العام 2008 الى ان تركت منظمة المرأة العربية. نظمت معرضين للأعمال الفلسطينية بالتعاون مع اتحاد المرأة في الكويت ما بين الأعوام 2000 – 2002، وعينت عام 2011 عضواً في المجلس الإستشاري لحركة فتح.

لقد رحلت عنا المناضلة ام اللطف ، ولكن ستبقى مسيرتها النضالية مشعلا مضيئا للاجيال الفلسطينية المناضلة والمقاتلة من اجل الحق والحرية لشعب فلسطين، الذي آمنت نبيلة النمر “أم اللطف” بحتمية انتصاره، وكانت تعتقد دائما بتراكمية الانتصارات وصولا الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

رحم الله الفقيدة القائدة نبيلة النمر “ام اللطف”، ورحم الله كل شهداء الشعب الفلسطيني، وتعازينا الحارة للاخ القائد المؤسس فاروق القدومي” ابو اللطف”، وابنائه الاعزاء لطف ورامي، والى كل ابناء شعبنا ، وابناء حركة فتح ، ندعو الله ان يتغمدها بواسع رحمته ويلهم اهلها وذويها الصبر والسلوان.

فاروق القدومي “أبو اللطف” و نبيلة النمر “أم اللطف”

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى