شوؤن دولية

نادية شلق تكتب – رئاسة بايدن : «بطّة عرجاء» لأربع سنوات؟

نادية شلق *- 10/11/2020

في الفترة المقبلة التي ستسبق تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ستتركّز الأنظار على البيت الأبيض، حيث دونالد ترامب يؤدّي المشهد الأخير، مستنبطاً القرارات التنفيذية من كلّ حدب وصوب، ومستفيداً من الأسابيع الـ11 التي تبقيه في منصبه، بهدف العمل على قلب الموازين قضائياً، أو أقلّه سياسياً. على مسافة قريبة، في مبنى الكابيتول، كونغرس لا يزال يسيطر الجمهوريون على مجلس شيوخه، في انتظار حسم نتيجة انتخابه، مع استمرار التنافس على مقعدَي جورجيا، اللذين أُرجئا إلى الانتخابات الفرعية المقرّرة في كانون الثاني / يناير. وفي مكان ليس ببعيدٍ عن العاصمة، يقبع الرئيس المنتخب في مقرّ إقامته في ولاية ديلاوير مراقِباً «بطّة ترامب العرجاء»، في انتظار حلول العشرين من كانون الثاني / يناير، ليتسلّم منصبه بأقلّ أضرار ممكنة.

في العرف الأميركي، «البطة العرجاء» هي الفترة الفاصلة بين انتخاب الرئيس وتنصيبه، والتي عادة ما يستغلّها الرؤساء من أجل العفو عن مجرمين مُدانين، أو إصدار قرارات ثانوية. ولكن هذا التعريف لن ينطبق على فترة ترامب الانفصالية، التي تنبّأت شبكة «إي بي سي نيوز» بأنها «ستكون واحدة من أكثر الفترات غدراً في التاريخ الأميركي». بغضّ النظر عن تحقّق هذه النبوءة من عدمها، يذهب البعض في اتجاه التوقّع بأن تكون نهاية «بطة ترامب العرجاء»، إشارة انطلاق رسمية لبداية «بطّة بايدن»، التي هدّد الرئيس المنتهية ولايته باختراع نسخة جديدة منها، عبارة عن «بطّة جريحة عرضة للهجوم»، وفق توصيف إدوارد لوس في صحيفة «فايننشل تايمز» البريطانية.

مقوّمات هذه الفرضية كثيرة، تبدأ من ضآلة، أو حتى انعدام فرص اعتراف ترامب بالهزيمة، ولا تنتهي بشخص بايدن نفسه. وما يرفع من حظوظ هذه الفرضية، عدم حسم نتائج انتخابات مجلس الشيوخ، الذي من المتوقّع أن يبقى ذي غالبية جمهورية. أمرٌ في حال تحقّق، فسيعني، في أحسن الأحوال، أن بايدن قد حظِي بتفويضٍ ملتبس، قد لا يمكّنه من القيام بالكثير، بل سيكون محظوظاً، إذا تمكّن من الدفع بالجزء الأقلّ صدامية من جدول أعماله، أو من تقديم تنازلات من أجل تحصيل بعض الإنجازات. وفوق ذلك، هو لن يتمكّن من إلغاء تعطيل مجلس الشيوخ، أو إضافة ولايات جديدة، مثل بورتوريكو ومقاطعة كولومبيا، أو توسيع حجم المحكمة العليا. لذا، فإن أفضل ما يمكن أن يأمل فيه الرئيس الـ46 هو حزمة تحفيز متواضعة.

واقعٌ يفتح الباب على احتمالات كثيرة، خلال فترة ما بعد ترامب، لا سيما أنّ «رئاسة بايدن تخشى الوقوع بين قوّتين لا يمكن التوفيق بينهما – يمين ترامبي راسخ، ويسار ديموقراطي يشعر بالمرارة»، بحسب إدوارد لوس. على أن السؤال الذي يُطرح هنا، هو: ماذا يمكن أن يفعل الرئيس بايدن؟ الإجابة المختصرة، هي أنه سيكافح لإيجاد حلّ وسطي قد يصعب، أو يستحيل وجوده، فالصفقات التي قد تُبرم مع ماكونيل، مثلاً، من شأنها أن تنفّر «الديموقراطيين اليساريين». أمّا غياب محاولة التعاون بين الحزبين، فلن يُمكّن الرئيس من إنجاز الكثير، الأمر الذي يُعطي ماكونيل اليد العليا. ولتلافي حصول ذلك، سيكون من الحكمة أن يقوم بايدن بتعيين واحد أو اثنين من الجمهوريين على الأقلّ في حكومته، وفق لوس، «الأمر الذي سوف يكرهه اليسار». مع ذلك، يمكن الذهاب باتجاه إصدار بعض القرارات التنفيذية المرتبطة بخطة فيروس «كورونا» الفدرالية، بينما سيجب الحصول على موافقة مجلس الشيوخ من أجل تنفيذ أمور أخرى، مثل التعيينات الكبيرة. يبقى أن فرص بايدن في رفع الحدّ الأدنى للأجور ستكون قريبة من الصفر، على أن الضرائب المرتفعة على الأثرياء، ستكون خارج التداول. فقط في السياسة الخارجية، سيتمتّع الرئيس المنتخب بحرية المناورة. هنا، العالم سيشعر بأن أميركا تتغيّر، أكثر من معظم الأميركيين، ولا سيما أنّه تعهّد بالتراجع عن نصف ما فعله ترامب، وهو ما قد يمكن القيام به، خصوصاً إذا كان صادراً بناء على أوامر تنفيذية عن سلفه.

إنه شبح ترامب الذي سيطارد بايدن… ولكن، من جهة أخرى، هو شبح بايدن نفسه، الذي سيطارده طيلة السنوات الأربع المقبلة. والأمر، هنا، لا يتعلّق بعدم وجود مجلس شيوخ يدعمه أو يسهّل طريقه، بل بسنِّه وقدراته، التي كانت محطّ تشكيك طيلة فترة الحملة الانتخابية. تشكيكٌ تبلوَر على لسان روزا برنس، في صحيفة «ذي ديلي تلغراف» البريطانية، حيث اعتبرت أن ما حصّله بايدن لا يعدو كونه «فوزاً فارغاً»، بل إن الرئاسة هي «كأسٌ مسموم» بالنسبة إليه. قد يتلاقى العديد من المراقبين مع برنس في هذا التوصيف، انطلاقاً من واقع أن بايدن سيقود بلاداً مستقطبة بقوة، ما يعني أن آماله الكبيرة في توحيد كلّ أميركا خلفه مجرّد وهم، ولكن ما تذهب إليه برنس أبعد من ذلك بكثير، محوره أن رئاسة بايدن ستكون «بطة عرجاء» منذ اليوم الأول. كيف؟ ببساطة، فإنّ جميع الرؤساء يتخلّون عن السلطة عند دخولهم في السنوات الأخيرة من ولايتهم، وهو ما حصل مع بايدن بالفعل، على اعتبار أن لا أحد يتوقّع أن يترشّح مرّة أخرى في عام 2024، عندما يكون على وشك بلوغ 82 عاماً، بل إن هذه النظرية تتأكد بمجرّد الإشارة إلى الجدول الزمني للانتخابات الأميركية، الذي يفرض أن يتحوّل الانتباه إلى السباق الرئاسي المقبل، بمجرّد حلول عام 2022. عندها، قلّة هم الذين سيولون الكثير من الاهتمام للرجل المسنّ الذي يخيّم في البيت الأبيض. بل إن كثراً يتساءلون، من الآن، عن إمكانية عدم تمكّنه من الوصول إلى عام 2024، إن بسبب كبَر سنّه أو حالته الصحية، التي طالما كانت مثار جدل، بالنسبة إلى برنس وغيرها. هذه الأخيرة تفتح الباب على احتمالٍ أكثر تطرّفاً، يتمثّل في إمكانية وفاة بايدن، أو اعتباره غير قادر على الاستمرار في منصبه. عندها، ستصبح نائبته كامالا هاريس رئيسة، بموجب شروط التعديل الخامس والعشرين للدستور. سيناريو لم يتمّ تفعيله مِن قَبل، ولكن هناك مَن يراهن على إمكان حصوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى