أقلام وأراء

ميساء أبو زيدان تكتب – الوطنية الفلسطينية أم تجديد الشرعيات؟

بقلم  ميساء أبو زيدان*- 8/10/2020

أمست الانتخابات الفلسطينية العنوان الرئيس لمعظم النقاشات الدائرة بمختلف المستويات حيث يصفها فريق بالضرورة المُلِحّة التي بمقدورها مواجهة سياسات البيت الأبيض المنسجمة وتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف بالمقام الأول وأنه بإمكانها تقويم المسار الفلسطيني وإنعاش عملية التسوية التي باتت رهن الجمود السياسي الذي أصاب توجهات كافة الأطراف المعنية عربياً ودولياً، خاصةً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية.

الفريق المُقابل يجد فيها منعطفاً حرجاً بإمكانه الأخذ بالفلسطينيين نحو نتائج كارثية تلتقي ورؤى دونالد ترامب وحلفائه من الإسرائيليين بل وتُعجّل من تحقيقها، كون الخطوة تأتي على أرضية التوافق الثنائي بعيداً عن المراجعة النقدية لكافة المسارات السياسية والتكتيكية السابقة وغياب الاستراتيجية الوطنية الكفيلة بالتصدي للمخاطر المُحدقة بالمشروع الوطني التحرري.

واستناداً لقرار منظمة التحرير الفلسطينية الذي أعلنه الرئيس محمود عباس أيار الماضي وبأنها في حلِّ من كافة الاتفاقات والإلتزامات التي نتجت عن اتفاقية أوسلو، يبدو أن عملية تجديد الشرعيات المرتبطة بذات الاتفاق تذهب بمنأى عن قرار المنظمة نحو تكريس آخر للمكون البيروقراطي الذي بات حاضنة للمحاولات التي انقضّت على الهوية الوطنية (كما حدث عام 2006) وبالتالي تبخرت كافة الآمال بالانتقال نحو كيانية فلسطينية سيادية فعلية تكفل تجاوز رهانات الاحتلال الإسرائيلي العنصري الإحلالي وحليفه في البيت الأبيض بظل العجز الدولي القائم.

جَهدَ الفلسطينييون ببناء الكيانية الوطنية مستثمرين كل ممكن وسط الظروف المستحيلة (التي صنعها قادة الاحتلال ومؤسساته) بحيث تغدو هذه الجهود لبنة الدولة المستقبلية، لكن لم تكفل جهودهم تلك تفعيل الإرادة الدولية لصالح الحق الفلسطيني.

ويبدو وحسب ما يتم تداوله وسط بعض الدوائر أن الانتخابات تأتي في ظل ضغط بعض الأطراف الدولية وبالتحديد الأوروبيين مما يدفعنا لنتساءل حول غياب الضغط الدولي ذاته تحديداً الأوروبي على الجانب الإسرائيلي الذي تنكر للإرادة الدولية بل باتَ الطرف الوحيد الذي يفرض قانونه رغماً عن كافة الأطراف المعنية بحل الصراع في المنطقة وبإسنادِ من الولايات المتحدة التي تجد في مصالحها الاستراتيجية المعيار الأول والأخير لصياغة علاقاتها وأدوارها بخصوص المنطقة.

وبعيداً عن تناول الانتخابات كمفهوم وما يتصل به معرفياً و أنها أساس بناء المجتمعات الحرة أو كونها المدخل للتأكيد على الشرعيات الوطنية والحل لمجمل الأزمات الداخلية التي تعصف بالقضية الفلسطينية وعن جدوى إجرائها، تبرز المسألة الأهم المتصلة بخطورة تكرار الآليات التي بها أُجريت الانتخابات السابقة والتي أفرزت نظاماً كان هو الأرضية الخصبة لحالة الانقسام الذي أصاب المسار النضالي في مقتل، وبذات الإطار الفصائلي المُستند للمحاصصة البعيد عن نبض الشارع الفلسطيني الذي بات اليوم مرتهناً لكل بديلٍ عن الإرادة الوطنية وبالتالي إمكانية إنتاج الفشل مرةً أخرى وبالأدوات ذاتها.

أما إن أردنا الحديث عن تجديد الشرعيات من خلال مكونات الخارطة السياسية الحالية لا بدّ لنا أن نتساءل عن جاهزيتها بظل ما يعصف بها من قضايا داخلية خاصةً التجديد في أطرها وهياكلها وإعادة الاعتبار لأدوراها التي مارستها بمراحل المقاومة. إذ أن تجاهلَ هذه القضية سيفضي بالضرورة لنتائج كارثية بحيث تفسح الطريق أمام المشاريع المناهضة، بل ستهدر قدرات الأجيال عِوضاً عن تمكينها واستثمارها لتغدو الامتداد الطبيعي لِمن صاغوا الوطنية الفلسطينية. وإن كان الطرفان اللذان اجتمعا في اسطنبول امتلكا الإرادة الفعلية لمواجهة التحديات والمخاطر بشراكة فعلية فلماذا لا تترجم واقعاً عبر المؤسسات الوطنية القائمة! ولماذا لا يتم استثمار الكيانية الفلسطينية بهياكلها الجاهزة تجديداً للشرعيات، المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية حاضنة الشعب في الداخل والخارج وصمام أمان وجوده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى