ترجمات أجنبية

ميدل إيست آي : فوز بايدن لن يعزز الديمقراطية في الشرق الأوسط

ميدل إيست آي –  نادر هاشمي  –   6/11/2020

هل سيؤدي فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” برئاسة الولايات المتحدة إلى زيادة احتمالات الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ الإجابة باختصار هي لا.

يمكن القول إن هناك مجالات قد تتبع فيها إدارة “بايدن” سياسات تقيد سلوك حلفاء الولايات المتحدة “الاستبداديين” في المنطقة، وبالتالي خلق ظروف سياسية أفضل للتغيير الديمقراطي، لكن هذا أبعد ما يكون عن ضمان التغيير.

وتكشف المسيرة المهنية لـ”بايدن” وتصريحاته العامة عن عدم وجود التزام أخلاقي أو حتى اهتمام بالديمقراطية في الشرق الأوسط، بل إن الأدلة جميعها في الواقع، تشير إلى الاتجاه المعاكس.

رؤية المؤسسة الأمريكية

ضع في اعتبارك زلة “بايدن” الشائنة في بداية الربيع العربي عام 2011، فعندما سئل في مقابلة مع شبكة “PBS” عما إذا كان الرئيس المصري آنذاك “حسني مبارك” ديكتاتورًا، أجاب: “لقد كان مبارك حليفًا لنا في عدد من الأشياء وكان مسؤولا جدا، لم أكن لأشير إليه على أنه ديكتاتور”.

كشف هذا عن شيء مهم يتعلق بـ”بايدن”، فهو يحمل وجهة النظر السائدة في الولايات المتحدة حول الشرق الأوسط، وأفضل طريقة لتصور كيفية تعامل “بايدن” كرئيس مع الشرق الأوسط هي أن نتذكر أنه كان نائب الرئيس “باراك أوباما” لمدة 8 سنوات، وأنه تم استشارته في جميع القرارات الرئيسية التي اتخذها “أوباما”.

كما هو الحال مع الحكومات الأمريكية السابقة، تعاملت إدارة “أوباما” و”بايدن” مع الشرق الأوسط من خلال إطار “الأمن والاستقرار”. ويُترجم التركيز على الاستقرار إلى دعم الولايات المتحدة للأنظمة الاستبدادية التي تحمي المصالح الأمريكية.

وبينما يُشار أحيانًا إلى هذه الأنظمة – التي يعتبر الكثير منها استبداديًا – على أنها “حلفاؤنا العرب المعتدلون”، يشير هذا المصطلح في الحقيقة إلى استعدادهم لتبني أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وليس إلى كيفية حماية هؤلاء الحلفاء لحقوق مواطنيهم.

أبرز هؤلاء الحلفاء الإقليميين يقودهم ديكتاتوريون، بمن فيهم الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” وولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”. 

والنتيجة المنطقية التي تنبع من الدعم الأمريكي لهذه الأنظمة الاستبدادية هي النظر إلى الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط بريبة وتشكيك عميقين، ومن غير المرجح أن تتغير هذه الحسابات إذا أصبح “بايدن” رئيسًا.

الدعم الثابت لإسرائيل

يعتبر “بايدن” مؤيدا بشدة لإسرائيل، وقد رد على فكرة طرحها المرشح الرئاسي السابق “بيرني ساندرز” بأن على الولايات المتحدة استغلال الدعم الذي تقدمه لإسرائيل للحصول على تنازلات لتسوية سلمية أوسع مع الفلسطينيين، بالتصريح بأن مثل هذا التعهد سيكون “خطأ فادحاً”.

وأشاد “بايدن” بالإعلان عن توقيع الإمارات و(إسرائيل) اتفاقية لتطبيع العلاقات ووصفها بأنها “خطوة تاريخية لإصلاح الانقسامات العميقة في الشرق الأوسط”. حتى إنه نسب لنفسه بعض الفضل، قائلاً إن ذلك “يبني على جهود الإدارات المتعددة لتعزيز انفتاح عربي إسرائيلي أوسع، بما في ذلك جهود إدارة أوباما وبايدن”.

يشير هذا الثناء المفرط من “بايدن” إلى أنه يدعم بقوة التحالف بين (إسرائيل) والأنظمة العربية الاستبدادية. ويعارض هذا التحالف السياسة الإيرانية في المنطقة، لكن هناك مصلحة أساسية أخرى تربطهم: المعارضة القوية لإرساء الديمقراطية في المنطقة. 

وكان موقف إدارة “أوباما” و”بايدن” خلال الربيع العربي ممزقًا بين القيم الأمريكية المتجذرة في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مقابل الدعم الأمريكي الطويل الأمد للحلفاء الاستبداديين. 

ولكن، تم حل التوترات بين هذين الموقفين عندما وقع الانقلاب العسكري عام 2013 في مصر، ودعمته إدارة “أوباما” و”بايدن” بالقول إن “الجيش يعيد الديمقراطية في مصر”، وقد مولت السعودية والإمارات صعود “السيسي” للسلطة وتوطيده لها، في الوقت الذي كانت فيه (إسرائيل) تشجع في الكواليس.

مواصلة “مكافحة الإرهاب” 

في تماشٍ مع إدارتي “أوباما” و”ترامب”؛ يقول “بايدن” إنه سيتبنى نهجًا لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، موضحًا استراتيجية “مكافحة الإرهاب الإضافية”. وتعارض هذه السياسة نشر قوات كبيرة في الشرق الأوسط مع تعزيز الهجمات ضد الشبكات الإرهابية باستخدام الطائرات المسيرة والقوات الخاصة الأمريكية. 

ويعتبر أحد العيوب الواضحة في هذه السياسة هي قصر نظرها الشديد، وفشلها في معالجة الأسباب الجذرية للتشدد في العالم العربي الإسلامي.

وفي حالة فوز “بايدن” بالرئاسة، فمن المحتمل أنه سيحاول على الفور إبعاد نفسه خطابيًا عن العديد من سياسات الرئيس “ترامب”، بما في ذلك سياساته تجاه الشرق الأوسط، وقد يشمل ذلك انتقادات محدودة لـ”بن سلمان”.

وتشمل القضايا الرئيسية التي يحتمل معالجتها؛ اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي”، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مع احتمال تقييد المبيعات العسكرية الأمريكية للحلفاء المشاركين في الحرب بشكل مؤقت، وهي خطوة تحظى بتأييد واسع في أوساط الرأي العام الأمريكي وفي الكونجرس. 

وقد يكون هناك تأكيد عابر على معارضة الولايات المتحدة لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. أما فيما يتعلق بالمسألة الحاسمة المتمثلة في دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فقد أوضح “بايدن” موقفه بالفعل.

ففي الشهر الماضي، أصدرت حملة “بايدن” وثيقة تدين تصاعد التعصب ضد العرب، وهو بذلك ينخرط في تناقض مشترك رسم نهج الولايات المتحدة في المنطقة لعقود. فهو يقر بأن الولايات المتحدة تتحمل “مسؤولية أخلاقية للدفاع عن الحقوق والكرامة وتعزيزها” وأنه “يجب ألا نمتنع عن إدانة انتهاكات الحقوق العالمية”.

لكن فيما يتعلق بالشرق الأوسط، تتغير لهجته بشكل ملحوظ، مشيرًا إلى أن “علاقات إدارته مع دول الشرق الأوسط التي يقودها زعماء سلطويون ستأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية”. 

وهو يتعهد بعدم اتباع “ترامب” في وصفه صراحةً لرئيس مصر بـ “الديكتاتور المفضل لدي”، وترجمة ذلك أنه تحت قيادة “بايدن”، سيستمر دعم حلفاء الولايات المتحدة الاستبداديين في الشرق الأوسط، لكن هذا الدعم سيحدث بهدوء.

الحفاظ على الوضع الراهن

السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك: كيف سيرد “بايدن” كرئيس على لحظة ربيع عربي أخرى؟ من المؤكد أن “بايدن” أميل من “ترامب” للقول بأن دعم الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والديمقراطية قيم أساسية يجب دعمها عالميًا. 

وعندما يتعلق الأمر بالمظاهرات الشعبية في البلدان التي تعد خصومًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن يكون هناك دعم فوري للمتظاهرين ودعم مفتوح للتغيير السياسي، بما في ذلك إزاحة القادة الاستبداديين. لكن من المرجح أن يتم التمييز عندما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، حيث ستتبني نهج الانتظار والترقب.

إذا حصلت الاحتجاجات على دعم شعبي واسع النطاق في بلد تدعمه واشنطن، فإن دعم الولايات المتحدة لهذا النظام سوف يقترن بمطالب أولية للإصلاح، مع هدف نهائي متمثل في الحفاظ على الوضع الاستبدادي الراهن، ربما مع بعض التغييرات التجميلية. وهكذا؛ سيُطلب ضبط النفس ووقف التصعيد من “جميع الأطراف”.

أما إذا سقط نظام تدعمه الولايات المتحدة، فسيقوم “بايدن” بتغيير موقفه لدعم التحول الديمقراطي، ولكن بتردد شديد، وإذا حدثت ثورة مضادة، فإن “بايدن” سيدعمها بنفس الطريقة التي أيد بها “أوباما” إسقاط حكومة “محمد مرسي” في مصر، باسم الاستقرار الإقليمي وأمن (إسرائيل).

ومع ذلك، فهناك منطقة واحدة يمكن أن تساعد فيها رئاسة “بايدن” بشكل كبير آفاق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، وهي: السياسة الأمريكية تجاه إيران.

ضربة “ترامب” للإصلاحيين الإيرانيين

عندما تم توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية في عام 2015، احتفلت القوى الديمقراطية داخل إيران، وأزالت الاتفاقية خطر الحرب، ورفعت العقوبات الاقتصادية، ووعدت بإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي. واعتقدت القوى الإيرانية المؤيدة للديمقراطية أن هذه التطورات على المدى الطويل ستخلق ظروفًا اجتماعية داخلية أفضل للنشاط الديمقراطي. ولكن انتخاب “ترامب” وضع حدًا لهذه الآمال، مع انسحاب الولايات المتحدة لاحقًا من الاتفاق النووي. 

في المقابل، قال “بايدن” إنه سيعيد التوقيع على الاتفاقية في حالة فوزه بالرئاسة، على الرغم من إمكانية تعديل شروطها، وهكذا سيسمح رفع العقوبات عن إيران للطبقة الوسطى الكبيرة في البلاد – وهي القاعدة الأساسية لدعم الحركة الإيرانية المؤيدة للديمقراطية – بالتنفس مرة أخرى.

وتسبب إلغاء “ترامب” للاتفاقية النووية في انتكاسة متوقعة للمجتمع الإيراني، حيث تأثرت الطبقات الوسطى والدنيا أكثر، ولم يعد التركيز على الحشد لمقاومة سياسات الحكومة الإيرانية موجودًا لدى السكان الشباب في إيران الذين يتوقون للتغيير السياسي، وإنما تحول الاهتمام إلى البقاء الاقتصادي والهجرة.

يستفيد المتشددون الإيرانيون مالياً وأيديولوجياً من سياسة “ترامب” المتشددة تجاه إيران، فقد قام الحرس الثوري بتوسيع شبكات التهريب الخاصة به، في حين أصبح المتشددون أيديولوجيًا قادرين الآن على استدعاء القومية وينصحون المجتمع الإيراني بأنه لا يمكن الوثوق في وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها، كما يجادلون بأن الولايات المتحدة هي العدو اللدود للشعب الإيراني ويجب مقاومتها إلى الأبد.

كما يسجل المتشددون بفضل سياسات “ترامب” نقاطًا ضد القوى الإصلاحية الإيرانية، التي يُلقى اللوم عليها في تعريض الأمن القومي الإيراني للخطر من خلال دعم اتفاقية نووية لم ينتج عنها سوى القليل من الفوائد.

في الفترة التي سبقت الاتفاقية النووية الإيرانية، كانت هناك تنافسات عميقة بين النخبة الحاكمة في إيران، وكان الخلاف حول رؤيتين للسياسة الخارجية الإيرانية؛ التعامل والدبلوماسية مع المجتمع الدولي، مقابل العزلة والمواجهة. ولكن، بعد سياسة “ترامب” المتشددة تجاه إيران، أصبحت هناك وحدة متنامية ردًا على التهديدات الخارجية، مما يعزز وضع قادة البلاد ويقوض آفاق التغيير الديمقراطي.

وهكذا قد تتراجع هذه التطورات الداخلية التي تدعم الاستبداد داخل إيران من خلال إعادة السياسة الأمريكية إلى توجهات فترة “أوباما”. ويبقى أن نرى ما إذا كان التغيير في سياسة الولايات المتحدة سيترجم إلى مكاسب إيجابية للديمقراطية في إيران.

لكن ما هو مؤكد على المدى القصير هو أن سياسة “ترامب” تجاه إيران كانت بمثابة كارثة هائلة للقوى الديمقراطية الإيرانية، وأي تحول في السياسة الأمريكية من شأنه أن يعزز جهودهم للإصلاح والتغيير السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى