ترجمات أجنبية

ميدل إيست آي – بقلم ديفيد هيرست – لماذا تسعى أمريكا و”إسرائيل” بجد لوقف التقارب السعودي الإيراني؟

ميدل إيست آي –  بقلم ديفيد هيرست *- 12/2/2020

بات الأثر الضار للتحالف السعودي الإسرائيلي ضد إيران ملموسًا في كل أرجاء الوطن العربي، ولم تكن الثورة الإيرانية، التي يصادف هذا الأسبوع مرور واحد وأربعين عاما على ذكرى انطلاقها، الحدث المزلزل الوحيد الذي هز الخليج والشرق الأوسط في تلك السنة.

ففي تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1979، استولى جهيمان العتيبي، العريف السابق في الحرس الوطني السعودي، على المسجد الحرام في مكةمتزعمًا مجموعة مسلحة سلفية ادعت وصول المهدي، مخلص الإسلام الذي يعتبر ظهوره كما ورد في الحديث علامة من علامات يوم القيامة. طالب جهيمان ومن معه بإسقاط حكم آل سعود.

حدث صادم

وكما ورد في تقرير بثته قناة الجزيرة مؤخراً، فقد تم إخراج العتيبي من المسجد الحرام بعملية سفك فيها الكثير من الدم، ولم يكن ذلك ممكناً بدون الاستعانة بمرتزقة فرنسيين. أماطت القناة اللثام عن وثائق لوزارة الدفاع الفرنسية عنوانها “مهمة مكة” تكشف عن امتنان المملكة لمن قاموا بتحرير المسجد.

وفي تناقض مع الرواية الرسمية السعودية التي تقول إن العملية أسفرت عن موت ثلاثمائة فقط، ستة وعشرون منهم من الحجاج، قال الآمر الفرنسي بول باريل إنه ارتعب من حجم المذبحة التي وقعت مؤكداً أن عدد الذين قتلوا حينها وصل إلى خمسة آلاف منهم ثلاثة آلاف حاج ممن تواجدوا داخل الحرم حينما تم الاستيلاء عليه.

يعزو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي يقدم نفسه على أنه إصلاحي يبتغي الحداثة، تحول المملكة نحو الوهابية المحافظة التي تبنتها الدولة ورعتها إلى ذلك الحدث المذهل. وبالفعل، تجاوب الملك خالد، العاهل السعودي آنذاك، مع الهجوم بفرض نمط متشدد من القانون الإسلامي ومنح العلماء والشرطة الدينية مزيداً من الصلاحيات.

ولكن في حقيقة الأمر فإن اعتماد آل سعود على علماء الدين المحافظين يستمدون منهم شرعيتهم يسبق بوقت طويل ذلك الهجوم، وهو الأمر الذي لم يسأم من التذكير به الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي أمر محمد بن سلمان بنفسه بقتله.

مسارات مختلفة

كلا الحدثين، الثورة والهجوم على الحرم، كانت لهما آثار عميقة على المسار الذي سلكته إيران والمملكة العربية السعودية فيما بعد وعلى مدى العقود الأربعة التالية. حينما وقعت الثورة الإيرانية، والتي كانت ثورة حقيقية، ولم تكن في بداياتها إسلامية محضة، فقدت الولايات المتحدة شرطيها الأول في المنطقة، شاه إيران. وبجرة قلم اختفت جميع قواعدها العسكرية ومحطات الرادار التابعة لها والتي رصدت من خلالها الاتحاد السوفياتي انطلاقاً من تخومه الجنوبية المهددة له.

بإسقاط الشاه، والذي سقطت معه التبعية للغرب، أصبحت إيران بحق دولة مستقلة، إلا أن استقلال إيران لم يتحقق دون معاناة شديدة، وهي التي فقدت ما يقرب من سبعمائة وخمسين ألف إنسان في الحرب التي شنها عليها العراق في السنة التالية واستمرت لثمانية أعوام تمكنت إيران في نهايتها من صد الغزو الذي قام به صدام حسين لإقليم خوزستان المنتج للثروة النفطية وتمكنت كذلك من الاستيلاء على خرمشهر.

ما يتناساه كثيرون هو أن صدام حسين كان مدعوماً من قبل الولايات المتحدة، وذلك بعد زيارة إليه قام بها دونالد رامسفيلد، مبعوث الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وكان ممولاً من قبل المملكة العربية السعودية.

كان لدى العراق معمل ينتج غاز الكلور، اسمه الفلوجة 2، وهو الذي قالت الولايات المتحدة فيما بعد إنه شكل جزءاً أساسياً من ترسانة صدام حسين من الأسلحة الكيماوية، والحقيقة هي أن ذلك المعمل شيدته بريطانيا في عهد مارغريت ثاتشر، التي كانت حينها رئيسة للوزراء.

وكما نشر مراسل الغارديان دافيد ليه: “سجل مسؤولون (بريطانيون) كبار كتابة بأن صدام حسين كان يستخدم الغاز للفتك بخصومه وأن ثمة احتمالاً قوياً بأن العراقيين كانوا يسعون من خلال معمل غاز الكلور لإنتاج غاز الخردل. في ذلك الوقت، كان مشهوراً عن صدام أنه يستخدم الغاز للفتك بالآلاف المؤلفة من الجنود الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية”.

إلا أن المملكة العربية السعودية ذهبت في الاتجاه المعاكس، فمنذ استخدام الطيارين الأمريكيين لقصف الحرم في مكة واستخدام المرتزقة الفرنسيين لتحريره، أصبحت المملكة أكثر اعتماداً على القوات الأجنبية وعلى المواطنين الأجانب لتوفير أمنها.

طبقاً للفهم الأصولي للإسلام فإن غير المسلمين محظور عليهم دخول أقدس البقع وهو المسجد الحرام الذي بمكة. إلا أن آل سعود أعيتهم الحيلة، فنحوا الأوامر الشرعية جانباً من أجل أن يستعيدوا السيطرة على مملكتهم. لم يؤد عام 1979 إلى أي إعادة تفكير داخل المملكة باتجاه تحقيق مزيد من الاستقلال وامتلاك زمام الأمور فيما يتعلق بتقرير المصير.

منذ ذلك الوقت والتاريخ يعيد نفسه. عندما تعرضت مرافق النفط في أرامكو لهجوم من قبل طائرات مسيرة وصواريخ من صناعة إيرانية في العام الماضي، لم تتمكن السعودية من الدفاع عن حياضها، ولم تجد نفعاً معها عقود المشتروات الضخمة من الأسلحة الأمريكية التي كان قد أبرمها لتوه ولي العهد مع إدارة ترامب.

أسرار محروسة

يعتبر المدى الذي تعتمد فيه المملكة العربية السعودية على القوى الأجنبية لتوفير الأمن والدفاع الاستراتيجي سراً من أسرار الدولة داخل البلاد وخارجها.

ومع مرور الأيام، يتعمق الاعتماد السعودي على الدعم العسكري الخارجي، وفي هذه الأثناء يبقى سراً عدد الفنيين البريطانيين الذين يعملون من أجل ضمان استمرار الطائرات المقاتلة السعودية في التحليق في سماء اليمن، ويبقى سراً كذلك عدد الطيارين الباكستانيين الذين يقودون هذه الطائرات

ولكن من حين لآخر قد تفلت معلومة عن مدى الدعم الذي يقدمه الجيش البريطاني للمملكة العربية السعودية، كما حصل عندما ظهر إعلان توظيف في شهر يوليو/ تموز من العام الماضي لمنصب مدير مشروع في ما يسمى مشروع الاتصالات في الحرس الوطني السعودي (سانغ كوم).

تمكنت إيران على الرغم من العقوبات المستمرة والحصار من تطوير جنين لصناعة نووية“.

معروف وجود سانغ كوم هذا، فقد كانت بريطانيا والمملكة العربية السعودية قد وقعتا مذكرة تفاهم قبل أربعين عاماً، إلا أن ميزانيته ومداه بقيا سراً مكنوناً إلى أن أفشى الإعلان المذكور بعضاً من جوانبه، فقد نص الإعلان على ما يأتي: “إن مهمة فريق مشروع سانغ كوم التابع لوزارة الدفاع البريطانية هي تنفيذ برنامج تحديث شبكة اتصالات الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية”.

في المقابل، تمكنت إيران – على الرغم من العقوبات المستمرة والحصار والعزلة التي تفرضها عليها المنظومة المصرفية العالمية – من تطوير جنين لصناعة نووية، كما طورت اقتصادها وصناعة السلاح الخاصة بها، وأنشأت قوة خاصة بها للاستطلاع والتوسع، فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وتمكنت من تطوير صواريخ بالستية تصل دقتها إلى خمسة وعشرين متراً، كما اتضح مؤخراً من إصابة ما لا يقل عن مائة جندي أمريكي بأضرار دماغية.

عدم تعلم أي درس

لا يوجد ما يشير إلى أن المملكة العربية السعودية قد تعلمت أي درس من اعتمادها على القوى الأجنبية لحماية نفسها خلال الأربعين سنة الماضية. بل إن ما خلصت إليه المملكة بعد تجربة الهجمات الأخيرة على أرامكو يدفع بها أكثر فأكثر نحو أحضان إسرائيل، والتي ما لبثت وبشكل متزايد تلعب دور المفوض الأمريكي في أرجاء العالم العربي.

فعبر إسرائيل، تسعى كل من السودان والمغرب نحو استرضاء واشنطن، الأولى لكي تحط عن كاهلها العقوبات المفروضة عليها والأخيرة في محاولة لإقناع الولايات المتحدة بتبني موقفها تجاه الصحراء الغربية.

وهذا الدور الذي فازت به إسرائيل مؤخراً وتقوم من خلاله بفتح أبواب واشنطن وتحنين قلبها على حلفائها من العرب السنة لا تؤديه مجاناً. فإلى جانب ما تحظى به صناعاتها العسكرية والسيبرية من عقود، يشمل الثمن الذي تتقاضاه إسرائيل مقابل خدماتها قبولها في عضوية النادي الجديد للعرب السنة، والمتمثل في التحالف الإقليمي العسكري ضد إيران.

التحالف ضد طهران

أعتقد بأن تشكيل تحالف عسكري سني ضد إيران هو الهدف الاستراتيجي من صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب، وهو السبب في استمرار الجهود، التي كنت قد كشفت عنها لأول مرة قبل عام مضى، لترتيب لقاء مصافحة على نمط كامب دافيد بين محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو.

ومن هنا كان اغتيال قاسم سليماني – عملية القتل المستهدفة التي عارضها الرؤساء الأمريكيون السابقون – ذروة سلسلة من الهجمات التي شُنت ضد المليشيات المدعومة إيرانياً، والتي بدأت باستخدام طائرات مسيرة إسرائيلية لمهاجمة وحدات الحشد الشعبي في العراق، علماً بأن تلك الطائرات انطلقت من قواعد يسيطر عليها الكرد في شمال سوريا.

تبع مقتل سليماني سلسلة من الخطابات العدوانية والتحريضية في واشنطن تجمع فيما بينها على تصوير إيران على أنها المهدد الرئيس ليس فقط للاستقرار الإقليمي بل وللاقتصاد العالمي كذلك.

في كلمة له أمام مجلس العلاقات الخارجية، قال رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير – والذي تستمر آراؤه حول الشرق الأوسط في إيجاد آذان صاغية داخل مراكز البحث والتفكير في واشنطن وتحظى باحترام فقدته قبل وقت طويل داخل بلاده: “لو لم يكن جهازاً من أجهزة الدولة الإيرانية، فلا ريب أن الحرس الثوري الإيراني كان سيعامل بنفس الطريقة التي تعامل بها القاعدة أو أي فصيل آخر من ذلك العدد الكبير من التنظيمات الإرهابية السنية التي تنشط خارج إطار الدولة. ولذلك فإننا ندعو البلدان لانتهاج نموذج الولايات المتحدة وتصنيفه على أنه تنظيم إرهابي”.

ومضى يقول: “إن وثائق الحرس الثوري الإيراني الداخلية التي تمت دراستها صريحة. فالمنظمة ملتزمة بالتدريب السياسي العقائدي لمجنديها. إنهم يعلنون عن وجود خطر وجودي يتهدد الشيعة على أيدي العرب السنة والصهاينة والقوى الغربية. ويبررون من منطلقات دينية تصدير الثورة إلى البلدان الأخرى. ويشرعون قتل اليهود والنصارى والزرادشت وممارسة الضغط عليهم لإكراههم على التخلي عن عقائدهم المنحرفة. ويشتركون في حمل نفس الآراء المتطرفة تجاه القضايا الاجتماعية بما في ذلك وضع المرأة، وعداوة اللواطيين، واعتبار أنهم وحدهم أصحاب القدسية في المجتمع الإسلامي”.

الطريقة الوحيدة لاستعادة السلام والعقلانية في المنطقة هي التعاون الإقليمي بين الجيران الذين لا يعيقهم التدخل الخارجي وليسوا أسرى له.

من جهة أخرى استمر ليام فوكس، عضو البرلمان ووزير الدفاع السابق في حكومة المحافظين، في السعي لإظهار إيران كما لو كانت مشكلة الكون، وذلك في كلمة ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حيث قال: “لقد حلت إيران الآن محل الصراع العربي الإسرائيلي كسبب أول لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط”.

الحفاظ على الهيمنة

بهذا الزعم تتم إقامة الصلة بشكل مرتب بين إماتة القضية الفلسطينية عن قصد، بما يتضمنه ذلك من اختفاء أي إمكانية لوجود دولة فلسطينية ذات معنى، وبين بروز خصم كوني جديد يجد التحالف الغربي نفسه في أمس الحاجة إليه من أجل الحفاظ على بقائه.

هناك سخط كبير في العالم العربي بسبب إعلان هذا الجهاد الغربي ضد إيران انطلاقا من مبررات أيديولوجية، ولا يقتصر الإحساس بهذا السخط على الشارع العربي فقط بل وفي أوساط النخب أيضا. فقد بات الأثر الضار للتحالف السعودي الإسرائيلي ضد إيران ملموساً بشكل جيد في كل أرجاء الوطن العربي الذي ينتظر الانشطار ومزيدا من التفتت، في العراق وفي الأردن وفي مصر.

في هذه الأثناء تقعد الحكومات الأوروبية على الهوامش تراقب صفقة النووي مع إيران وهي تنهار تحت وطأة عداوة هذا الحزب الجديد التواق للحرب، على الرغم من أن صفقة النووي هي أنجع السبل لضمان بقاء الإصلاحيين في إيران على قيد الحياة.

قبل أن يعم الدمار والخراب باسم الحفاظ على الهيمنة الغربية في المنطقة أياً كان الثمن – الدكتاتورية، الفصل العنصري، تدمير الوطن الفلسطيني، ينبغي وقف هذا الدفع الجديد للمحافظين الجدد نحو فتح مواجهة شاملة مع إيران.

إن الطريقة الوحيدة لاستعادة السلام والعقلانية في المنطقة هي التعاون الإقليمي بين الجيران الذين لا يعيقهم التدخل الخارجي وليسوا أسرى له.

والاستقلال في صناعة القرار هو مفتاح استعادة الثقة وعلاقات الجوار بين المملكة العربية السعودية وإيران. ولهذا السبب بالضبط، تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على الحيلولة دون تحقق ذلك.

* ديفيد هيرست- مدير تحرير ميدل إيست آي، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى