ترجمات أجنبية

ميدل إيست آي – بقلم جوناثان شامير -” السفارات الافتراضية ” …. تسعى إسرائيل لإغواء الخليج على وسائل التواصل الاجتماعي .

ميدل إيست آي –  بقلم جوناثان شامير – 30/6/2020

تتبنى إسرائيل وسائل التواصل الاجتماعي للدعوة إلى التطبيع مع المواطنين في الخليج بنتائج مختلطة.. إلى أين يمكن أن يؤدي ذلك ؟

كتب جوناثان شامير، وهو صحافي مقره حيفا، تحقيقًا حول استخدام إسرائيل مواقع التواصل الاجتماعي لاستمالة أبناء الخليج إليها، متجاهلة الاحتلال والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ووفقًا لما نقله الكاتب عن مسؤولين إسرائيليين فهذه السياسة تحقق نجاحًا بين فصيل من أبناء الخليج، ولكن يظل الاتجاه العام السائد بين المواطنين الخليجيين هو دعم القضية الفلسطينية حتى وإن كان للموقف الرسمي لدولهم، وقلة من مواطنيهم، رأي آخر. وفيما يلي ترجمة التحقيق:

وسط تقارير تثار حولها علامات استفهام نشرتها أكثر صحف إسرائيل شعبية، وهي «إسرائيل هايوم»، في أواخر مايو (أيار)، بأن ثلاث دول عربية أعطت الضوء الأخضر لخطط الضم الإسرائيلية المتوقعة، انتشر على تويتر فيديو ليهود إسرائيليين متدينين ينشدون أغاني للمطربة المصرية الشهيرة أم كلثوم على العود.

ولطالما كانت الأضواء مسلطة على علاقات إسرائيل السرية بالعديد من الدول العربية – مثل السعودية والإمارات – لفترة طويلة، ولكن إسرائيل ليست راضية بالحكومات وحدها، بل تحولت إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتخترق صفوف مواطني تلك الدول أيضًا، مستخدمةً أدوات من بينها فيديوهات مثل الفيديو المشار إليه آنفًا، والذي حصد أكثر من 20 ألف مشاهدة.

ولكن هل يمكن لإسرائيل أن تدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى – ولاسيما في الخليج – بدون معالجة الحقيقة الواضحة التي يجرى تجاهلها، وهي: الاحتلال؟

إسرائيل في الخليج .. وعلى الإنترنت

إن تركيز إسرائيل على الإعلام الناطق باللغة العربية، للتأثير في الرأي العام، ليس جديدًا.

في أعقاب إصدار الأمم المتحدة خطة التقسيم في عام 1947، قررت منظمة الهاجاناه الصهيونية شبه العسكرية إعداد برنامج إذاعي موجه إلى العالم العربي. وكان البرنامج من تقديم إلياهو ناوي، المولود في مدينة البصرة العراقية، والذي شغل منصب عمدة مدينة بئر السبع لأطول فترةٍ على الإطلاق. وسعى برنامج ناوي الذي يحمل عنوان «داوود الناطور» إلى التغلب على الحواجز الناجمة عن كونه يُبَث على «محطة معادية»، وفي وقت لاحق أبلغ ناوي متحف تراث يهود بابل بأن برنامجه أصبح عنصرًا ثابتًا في العالم العربي.

في العقد التالي، وخوفًا من جاذبية القومية العربية بين المواطنين الفلسطينيين، دشنت النقابة الوطنية الإسرائيلية، المرتبطة بحزب العمل الحاكم، منفذًا إعلاميًّا ناطقًا بالعربية ومعتمدًا من الدولة، حمل اسم «اليوم»، وظل موجودًا حتى عام 1968. غير أن التجسيد الأخير لهذا الاتجاه، حدث على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي عام 2011 أطلقت وزارة الخارجية موقع «إسرائيل تتكلم بالعربية» والذي يفاخر الآن بأكثر من 345 ألف متابع على «تويتر».

والى جانب الكثير من الحسابات الأصغر الرسمية وغير الرسمية، التي تسعى إلى مد جسور التواصل مع المواطنين في الدول العربية، أدى الفزع الإسرائيلي مما تمخَّض لاحقًا عن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 إلى نهج أكثر مباشرة في عام 2013، مع تدشين حساب آخر على «تويتر» يحمل عنوان «إسرائيل في الخليج».

ويدير يوناتان جونين، رئيس أقسام الإعلام الجديدة الناطقة باللغة العربية في وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، حساب «تويتر» «إسرائيل في الخليج». وقال لموقع «ميدل إيست آي» إن من بين أكثر «مشروعاتهم» نجاحًا فيديوهات «للشباب الإسرائيلي الذين يعبرون عن اهتمامهم بالتعرف إلى الثقافة والشعوب التي تعيش في الخليج».

ووفقًا لما يذكره جونين، يتابع نحو نصف مليون من مواطني الخليج حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية. وبعد توقف دام نحو خمس سنوات، أعيدت تسمية حساب «إسرائيل في الخليج» في عام 2018 ليصبح بمثابة «سفارة افتراضية».

وفي أبريل (نيسان) 2019 جمع حساب «تويتر» 11.600 متابع. واليوم يتابعه أكثر من 44 ألف شخص. وينشر الموقع عدة تغريدات في اليوم بلغة عربية مصحوبة بفيديوهات أخَّاذة، مع التركيز على «التحديات الجغرافية – السياسية المشتركة التي نشترك في مواجهتها مع دول الخليج، إلى جانب تمييز المحتوى الذي يسلط الضوء على موضوعات بعينها، مثل الابتكار الإسرائيلي، والنسيج الاجتماعي والثقافي المتنوع لإسرائيل»، وفقًا لما يوضحه جونين.

قبل بدء تلك الحسابات، كانت العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج تدار أساسًا على مستوى دولة لأخرى. غير أن جونين يزعم أن هناك تحولًا ملحوظًا في الاستجابة على أرض الواقع.

وقال: «على مدار العام الماضي، شهدنا زيادة في عدد الاستجابات وردود الأفعال الإيجابية من مواطني الخليج على منصاتنا المختلفة، ولاسيما أولئك الذين ينتمون إلى السعودية والإمارات والبحرين وعمان. وإذا كان متابعونا في الماضي يترددون في التعبير عن آرائهم الإيجابية حول دولة إسرائيل، فالمزيد والمزيد من مواطني الخليج يشاركون اليوم وجهات نظرهم هذه علنًا، على حساباتنا وعلى حساباتهم الشخصية».

ويشير جونين إلى أن جهود إسرائيل آتت ثمارها. ويضيف «منذ أطلقنا أول حساباتنا منذ 10 سنوات، يمكننا أن نرى المزيد والمزيد من متابعينا الذين يعزون الفضل لمحتوانا في تغيير تصوراتهم ومواقفهم نحو إسرائيل». وأحرزت المنشورات تقدمًا حتى مع الشخصيات العامة والمؤثرين وصناع السياسة في الخليج، الذين شاركوا المواد ودافعوا علنًا عن فكرة إقامة بلدانهم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.

حتى إن أحد المقربين من ولي عهد أبو ظبي شارك على «تويتر» فيديو نشر مؤخرًا عن أوجه التشابه بين العبرية والعربية.

الواقع الجديد «شبه الرسمي»

ويلاحظ إيان بلاك، وهو زميل أقدم زائر بمركز الشرق الأوسط التابع لكلية لندن للاقتصاد، أن الخط الجديد «شبه الرسمي» لا يرتكز فحسب على تصوير إيران بأنها تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي أكبر من إسرائيل، ولكن أيضًا على إقناع الشعب بأن إسرائيل جزء طبيعي من المنطقة.

وبينما ارتبطت العلاقات الإسرائيلية- الخليجية في البداية بالشعور المشترك بالتهديد من إيران، فإن العلاقة الفعلية الحالية تركز أكثر على التنمية. وتصور «إسرائيل في الخليج» الأفق المترامي في تل أبيب ودبي جنبًا إلى جنب، بينما تباهي بتقدم إسرائيل في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، في كل شيء من الطب إلى السفر إلى الفضاء.

وتعرف العديد من دول الخليج هذا جيدًا، إذ يزعم أنهم اشتروا نظامًا إسرائيليًّا لمراقبة الإنترنت من أجل الانقضاض على المعارضة الداخلية. وتقدر التجارة الخارجية بين إسرائيل ودول الخليج بنحو مليار دولار سنويًّا، وفقًا لمعهد توني بلير للتغير العالمي.

غير أن الاستجابة للمفاتحات الإسرائيلية تتباين أيضًا عبر دول الخليج. فعلى أحد طرفي الطيف، هناك الكويت، وهي ملاذ تاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان بها عدد كبير من السكان الفلسطينيين قبل حرب الخليج في التسعينيات، وهي تقاوم هذه الاتجاه.

من ناحية أخرى، لدينا الإمارات، التي كتب سفيرها في الولايات المتحدة مقال رأي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في 12 يونيو (حزيران) ليوجه خطابًا غير مسبوق للجمهور الإسرائيلي، دافعًا بأن الضم سوف يعرض العلاقة الآخذة في الازدهار بين البلدين للخطر.

ومضمون مقال العتيبة هو أن العلاقة بين الإمارات وإسرائيل يمكن أن تزدهر إذا ما جرى الحفاظ على الوضع القائم، ولكن حتى تحذيره بدا مثل خط واهن في الرمال. وبعد أن نشر المقال بفترة قصيرة، أعلنت شركتان إماراتيتان أنهما ستعملان مع الشركات الإسرائيلية لتطوير تكنولوجيا ضد فيروس كورونا.

وتزعم موران زاجا، وهي باحثة سياسية في معهد ميتفيم، أن تواصل وسائل الاتصال الاجتماعية مع الجمهور في الخليج ساعد في توطيد هذه العلاقات الناشئة.

وتشير موران، التي تعمل على إعداد تقرير سنوي حول العلاقات بين إسرائيل والإمارات، إلى أنه «في تقرير عام 2018، كان القسم المدني ثانويًّا للغاية، قياسًا على الأقسام الأخرى حول العلاقات التجارية والأمنية». واستدركت الباحثة لـ«ميدل إيست آي»: «غير أن القسم المدني شهد أكبر نمو له».

وتعتقد موران أن عدة عوامل تفسر هذا النمو. ذلك أن إسرائيل استفادت من الخطاب الداخلي في الإمارات – مثل عام التسامح في عام 2019 والتركيز المتزايد على العلاقات بين الأديان – وأيضًا الأحداث الدولية التي أجبرت البلاد على الاعتراف بوجود إسرائيل والإسرائيليين، حتى على أراضي الخليج. وإضافة إلى كل ذلك، تلاحظ الباحثة أن جهود وزارة الشؤون الخارجية على مواقع التواصل الاجتماعي كان لها أيضًا دور في هذا السياق.

الجمع بين الأمر ونقيضه

وكثيرًا ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل يمكنها تحسين علاقاتها مع العالم العربي بدون التعامل مع القضية الفلسطينية، و«إسرائيل في الخليج» من المؤكد تعكس هذا الهدف.

ووفقًا لبيانات جمعت بين يوليو (تموز) 2013 وأبريل (نيسان) 2019، يظهر أن 1.9% من بين 600 تغريدة تقريبًا هي التي تشير إلى الفلسطينيين صراحة، وكل التغريدات باستثناء واحدة صدرت قبل إعادة التسمية في 2018. وذكرت نحو 4.7% من التغريدات حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة حماس، ولكن هذه كلها كانت تتركز حول وقت القيام بالعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة المحاصر في 2014.

ومن الواضح أن إسرائيل تحاول تجنب الحديث عن احتلالها للأراضي الفلسطينية والصراع مع الفلسطينيين، لأنه ما زال هناك دعم شعبي قوي على نطاق واسع للقضية الفلسطينية، حتى لو لم يكن هذا هو التوجه الرسمي للدول، في العالم العربي.

وأدى هذا إلى واحدة من أوضح ثمار الدبلوماسية الرقمية: وهي فصيل جديد من المدافعين عن العلاقات مع إسرائيل من أبناء الخليج على مواقع التواصل الاجتماعي.

محمد سعود، وهو مدون سعودي يعلن عن نفسه بوصفه «ناشط سلام»، له أكثر من 26 ألف متابع على «تويتر»، بل إنه التقى بنتنياهو أثناء زيارة لإسرائيل في يوليو 2019. وعبر سعود عن وجهة نظره في الفلسطينيين بوصفهم عبئًا يحول دون وصول العلاقة بين السعودية وإسرائيل إلى مداها الكامل.

غير أن زيارة سعود قوبلت بتوبيخ إجماعي تقريبًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وغضب من الفلسطينيين أثناء زيارته للقدس المحتلة. في الوقت نفسه، زعم الصحافي السعودي، عبد الحميد الغبين، أن دعوته العلنية للتطبيع مع إسرائيل كانت السبب في تجريده المفاجئ من الجنسية في ديسمبر (كانون أول).

وعلى الرغم من أن مجلس التعاون الخليجي يتحرق للتمتع بفوائد التطبيع، ويشهد الرأي العام تغيرًا تدريجيًّا تجاه إسرائيل، فإن أولئك النشطاء الموالين لإسرائيل يظلون حالة استثنائية. وما زال على جهود إسرائيل المكثفة أن تغير ذلك، وكل ملكيات الخليج على وعي بتوافق الآراء الشامل بين مواطنيهم لصالح القضية الفلسطينية.

ولذلك فإن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات يظل خطًّا أحمر، على حد قول بلاك، الذي قال: «التواصل والتطبيع العلني لا يمكن أن يتجاوز ما شهدناه بالفعل».

وبرهن على ذلك ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال جولته في الولايات المتحدة عام 2018، حين ألمح إلى نظام إقليمي جديد. ولم يكد يهبط في المملكة بعد عودته حتى أصدر والده الملك سلمان إعلان الظهران، رافضًا رفضًا مباشرًا فكرة أن التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يحدث بدون حل للصراع العربي- الإسرائيلي. وقوبلت ذروة غزل محمد بن سلمان مع إسرائيل عندئذ بإنذارٍ خفيف.

وعلى الرغم من المفاتحات المثيرة، من غير المرجح أن يحدث الاعتراف الرسمي بدون حل تفاوضي بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية، وهو ما يبدو – في ضوء التهديد القائم بالضم- أمرًا صعب التحقيق كما كان دائمًا. أما إلى أي مدى تعد الجائزة الثمينة بإقامة علاقات «رسمية» مهمة، بالنظر إلى المستوى الحالي من التعاون، فهو مسألة أخرى.

ومع تقدم العلاقات السرية في كل جانب من جوانب النشاط، على الرغم من الاحتلال الذي يتزايد رسوخًا، فإن إسرائيل ودول الخليج على ما يبدو يجمعون بين الأمر ونقيضه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى