ترجمات أجنبية

ميدل إيست آي- بقلم بول كوكرين – حرب الولايات المتحدة المالية الطويلة على حزب الله ولبنان

ميدل إيست آي- بقلم بول كوكرين –  19/11/2020

 إن لبنان وعلى مدى العقدين الماضيين كان تحت رقابة دقيقة من وزارة الخزانة الأمريكية بسبب عمليات غسيل أموال محتملة أو تمويل جماعات صنفتها الولايات المتحدة كإرهابية.

وأدت التحركات الأمريكية إلى إغلاق مصرفيين ومنع استخدام وسائل لتحويل الأموال ودفعها مثل “بيبال” وسببت صداعا للبنانيين العاديين الذين يريدون تحويل الأموال، وأكثر من هذا المزيد من الضغوط على البنوك اللبنانية للإلتزام بالمعايير الدولية. وكان سبب تركيز الولايات المتحدة على القطاع المالي اللبناني واضحا كما يقول وسام فتوح الأمين العام لاتحاد البنوك العربية للنشرية البريطانية “موني لوندرينغ بوليتين” “ظل لبنان في دائرة الضوء لأن حزب الله في لبنان”.

وأصدرت الولايات المتحدة هذا الشهر مزيدا من العقوبات على حزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية واستهدفت عددا من عناصره والشركات التي يزعم أنها مرتبطة به.

واستهدفت الخزانة الأمريكية التي ظلت تركز على الحد من نشاطات حزب الله المالية، ولأول مرة وزير الخارجية السابق وزعيم التيار الوطني الحر بتهم فساد جبران باسيل. وتم النظر للخطوة الأمريكية بأنها بسبب علاقات باسيل مع حزب الله.

وتأتي العقوبات وسط استخدام مفرط للعقوبات في ظل إدارة دونالد ترامب التي وعدت بعقوبات جديدة على إيران حتى مغادرتها البيت الأبيض في نهاية كانون الثاني/ يناير 2021 وعقوبات على فنزويلا والصين وكوريا الشمالية.

ولدى الولايات المتحدة تشريعان يستهدفان حزب الله- قانون من التمويل الدولي لحزب الله (HIFPA1) صادر عام 2015 وقانون التمويل الدولي لحزب الله المعدل (HIFPA2) الصادر في 2018.

وتم تقديم مقترح قانون جديد في أيلول/ سبتمبر وهو “منع حزب الله من غسيل الأموال” لعام 2020 ويهدف القانون “لمنع الجماعة التي تدعمها إيران لوقف عمليات غسيل الأموال حول العالم، خاصة لبنان وأمريكا اللاتينية”.

ويأتي القانون الجديد رغم البعد الدولي للقانونين السابقين والشكوك التي تحوم حول تورط حزب الله في إرهاب المخدرات في جنوب أمريكا. وقال المحامي علي زبيب من شركة زبيب وشركائه في بيروت “لا أعتقد أن HIFPA 1 وHIFPA 2 نجحا. ولم يقدما إلا عقوبات اقتصادية جديدة وأساليب خانقة”.

وأضاف أن “HIPFA 2 زاد من دائرة العقوبات فيما يتعلق باستهداف حزب الله وأي شخص يدعمه عن معرفة وبدون معرفة”. وقال “بعد خمسة أعوام أثبت حزب الله قدرته على العمل بناء على قنوات مصرفية ومالية موازية أو قنوات مالية موازية لأنهم خارج النظام المصرفي اللبناني”.

ومنذ ظهوره في عام 1982 كان حزب الله هدفا للولايات المتحدة. وجاءت العقوبات الأخيرة التي استهدفت عضوين في المجلس المركزي وجاء كما قال وزير الخارجية مايك بومبيو في الوقت الذي “تحيي فيه الولايات المتحدة الذكرى 37 لهجوم حزب الله على ثكنات المارينز في بيروت”.

وبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 تم استخدام قوانين مكافحة غسيل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب بشكل واسع من واشنطن فيما أطلق عليها الحرب المالية. وتم توسيع صلاحية القانونيين هذه بعد هجمات 9/11 حيث وضعت وحدة المهام الخاصة المالية في منظمة الإقتصاد والتعاون والتنمية المعايير التي يجب على المؤسسات المالية اتباعها أو التعرض للمنع من استخدام النظام المصرفي الدولي.

وقال توم كيتينغ، مدير دراسات الجريمة المالية والامن في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا إن “وحدة المهام الخاصة المالية هي أقوى منظمة لم يسمع بها أحد من قبل”.

وفي عام 2011 استخدمت الولايات المتحدة قانون مكافحة غسيل الأموال لاستهداف البنك اللبناني الكندي باعتباره “مصرفا يثير القلق من ناحية غسيل الأموال” وبزعم أنه سهل عمليات تمويل حزب الله. وأجبر البنك على إغلاق أبوابه وتسوية مع المحكمة في أمريكا بـ102 مليون دولار مع أنه لم يتم الكشف علنا عمليات غسيل أموال لحزب الله.

وقال مصرفي لبناني إن إغلاق البنك اللبناني الكندي أدى إلى حالة من الخوف بين المصارف اللبنانية لئلا تتكرر حالات توجه فيها اتهامات بغسيل أموال. وعلى خلاف البنوك التي استهدفتها الخزانة الأمريكية واتهمتها بخرق قانوني مكافحة غسيل الاموال ومحاربة تمويل الإرهاب، مثل مصرف أتش أس بي سي الذي اتهم بغسيل الأموال لعصابات/ كارتل المخدرات المكسيكية والبنك العربي الذي اتهم بتمويل حركة حماس الفلسطينية لم تكن البنوك اللبنانية قادرة على دفع الغرامات واستئناف عملها من جديد.

وقال المصرفي اللبناني إن البنوك اللبنانية كانت تحت رقابة شديدة بدرجة أنها أرسلت المدراء ومعظمهم مسيحيون ممن يعملون في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الإرهاب إلى البنوك الأمريكية المعنية والخزانة الأمريكية لتبديد أي انطباع عن تعاطف مع الشيعة أو حزب الله.

ومن بين 60 مصرفا لبنانيا فهناك أربعة يملكها شيعة. والبقية مملوكة من السنة والمسيحيين وعدد قليل مرتبط بالدروز. وقال جوزيف ضاهر، المحاضر في الجامعة اللبنانية بسويسرا ومؤلف كتاب “حزب الله: الإقتصاد السياسي لحزب الله” “لم تكن البرجوازية من الطائفة الشيعية حاضرة في النظام المصرفي”.

وأضاف أن “البرجوازية الشيعية تقوت منذ تسعينات القرن الماضي في معظم النقابات إلا نقابة البنوك حيث وصل السنة إلى نفس المستوى مع المسيحيين خاصة الموارنة”. وقال “علينا أن نأخذ بعين الإعتبار  أن كل البنوك فيها مساهمون مهمون أجانب خاصة من الخليج”.

وفي العام الماضي اختفى مصرف جمال ترست من القطاع المالي بعد اتهامات مشابهة للمصرف اللبناني الكندي وعقوبات أمريكية بزعم تمويله حزب الله.

وجاء إغلاق البنك بعد دعوى قضائية ضد 11 مصرفا لبنانيا بمن فيها بنك جمال تراست تقدمت بها بداية 2019 الشركة القانونية الأمريكية “أوسين” والتي تمثل 350 عائلة على علاقة بألف جندي أمريكي قتلوا وجرحوا بسبب القنابل في العراق والتي “صممها حزب الله وصنعتها إيران”. ولم تنته القضية بعد.

وقال المصرفي اللبناني الذي يعمل مع واحد من البنوك المذكورة في الدعوى “قد تكون مثل حالة البنك العربي قبل عدة سنوات (حيث تدفع غرامة)”. وقال “لسنا قلقين لأن حزب الله خارج القطاع المالي والدعاوى القضائية أقل تعقيدا من البنك العربي حيث لديه حضور في الولايات المتحدة أما البنوك اللبنانية فلا”. وترك التركيز الأمريكي على حزب الله أثره على شيعة لبنان. فبعد صدور قانون HIFPA1 في عام 2015 قدمت الحكومة الأمريكية للمصارف اللبنانية أسماء 99 شخصا طلبت إغلاق حساباتهم، فردت هذه بإغلاق الاف الحسابات لتظهر التزامها بالإملاءات الأمريكية.

أما قانون HIFPA 2 فقد تسبب بقضايا على مستوى سيادي، حيث لم تكن الحكومة قادرة على دفع رواتب نواب حزب الله في البرلمان بالدولار، وكان الحل الدفع بالليرة اللبنانية. وفكرت المصارف الصغيرة التوقف عن التعامل بالدولار ولكن بنك لبنان عارض الفكرة.

وفي الوقت الذي تم فيه الضغط على حزب الله ماليا، لم يواجه رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه بري نفس المشكلة. وفكرت إدارة ترامب في 2019 باتخاذ إجراءات ضده والحلقة القريبة منه بسبب علاقاتهم مع حزب الله، لكن لم يحدث شيئا.

ويتساءل عن سبب تجاوز واشنطن أمل التي لعبت حتى 2005 دور المعبر عن حزب الله في البرلمان وقاتلت معه في حرب 2006. ويرى المحللون انه تمت معاملة امل كفرع غير إرهابي من حزب الله يمكن للدبلوماسيين الأمريكيين التحادث معه. وهو نفس موقف بريطانيا حتى شباط/ فبراير 2019 عندما فرقت بين الجناح العسكري والسياسي لحزب الله.

وتملك زوجة بري، رندا بري حصة كبيرة في مصرف يملكه الشيعة وهو مصرف فينسيا.

واعترف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله بأثر العقوبات الأمريكية لكنه اعتبرها هجوما على كل الشيعة في لبنان. وفي الوقت نفسه حاولت الأحزاب السياسية والبنوك لوم حزب الله على المراقبة الأمريكية للنظام المصرفي وبالتالي مشاكل البلاد المالية والإقتصادية. ويعلق ضاهر “بسبب عدم الإستقرار في المنطقة الحرب في سوريا، حمل الناس حزب الله المسؤولية. وهذه مشكلة لكنها ليست صحيحة بالمطلق. وثانيا، فهذا يقوي رواية حزب الله أن الجميع ضده”.

وحمل الحزب الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان منذ 2019 مع أنه لا يتعامل مع النظام المالي ولم يكن في الحكومة عندما انهارت قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار ولم يكن مشتركا في قرارات بنك لبنان التي قادت إلى الأزمة الحالية.

وقال ضاهر “تحميل حزب الله مسؤولية الأزمة المالية لا معنى له، فاللاعبون الرئيسيون في الأزمة منذ التسعينات” أي رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ويقول ضاهر “لكن حزب الله له حصة من المسؤولية منذ 2005 (عندما انضم للحكومة) لأنه لم يتحدى هذه السياسات بل وشارك فيها. وكان حزب الله يدافع عن النظام الطائفي النيولبرالي”.

ويقول هانيس بومان، المحاضر بجامعة ليفربول، بريطانيا ومؤلف كتاب “المواطن الحريري: السياسة النيوليبرالية في لبنان” إن صعود عائلة الحريري ارتبط بحصتهم في أكبر مصرف في البلاد وهو بنك ميد. وتساءل “هل حزب الله مسؤول عن الإنهيار المالي؟ بطريقة غير مباشرة.

ولكن برنامجه المقاومة (ضد إسرائيل) يجب لبنان أقل جاذبية للإستثمارات حيث يعتقد المستثمرون بوجود حرب مع إسرائيل ولهذا لن يضعوا أموالهم”. ويرى كوكرين إن القيود التي وضعتها البنوك اللبنانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019  على سحب الودائع وتحويل المال إلى الخارج تعني أن العقوبات الأمريكية على حزب الله تركت أثرا قليلا على الإقتصاد.

ويرى بول مرقص مؤسس مكاتب “جاستس بيروت كونسلت لو” “لا يمكنك القول أن العقوبات ستترك أثرا على التجارة أو القطاع المصرفي، وعلى الأقل ليس كما كان في السابق لأن التجارة متراجعة بسبب احتجاجات تشرين الأول / أكتوبر (2019) ووباء كوفيد-19 وانفجار بيروت في 4 آب/ اغسطس، واقتصاد البلاد والقطاع المصرفي منهار.

ومع بداية استهداف الساسة اللبنانيين كما حدث مع باسيل، فقد يترك هذا المسار أثره أكثر من العقوبات على حزب الله.

ويقول مرقص “يجب عمل هذا لأن لديك الكثير من الأشخاص المكشوفين سياسيا ممن غسلوا الأموال، وبخاصة فيما يتعلق بالفساد ويجب معاقبتهم دوليا”. و”لا يمكن الحديث عن الفساد في لبنان خلال الثلاث سنوات الماضية بدون أن يكون هناك ناس فاسدون، فهذا مستحيل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى