ترجمات أجنبية

موقع «موندويس» – كيف تستثمر مايكروسوفت في الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي

موقع «موندويس» –  بقلم ياردن كاتز – 15/3/2021

التقرير حول التعاون بين إسرائيل وشركة «مايكروسوفت» في إنتاج أدوات القمع والسيطرة، والذي يكشف الوجه الخفي لشركة البرمجيات الأمريكية العملاقة والتي تقدم  مثالاً جريئًا وأحيانًا يتم تجاهله عن كيفية استفادة الشركات من العسكرية والعنف الإسرائيليين والمساهمة فيهما.

عندما خرج الملايين إلى الشوارع العام الماضي للاحتجاج من أجل حياة السود، عَانَت الشركات من المتاعب. وكانت الدعوة الإصلاحية داخل الاحتجاجات – وقف تمويل الشرطة والاستثمار في عالم أفضل – تتحدى عنف الدولة والمستفيدين منه. لذلك عززت شركات مثل «أمازون» و«فيسبوك» و«جوجل» و«مايكروسوفت»، التي تسهِّل الرقابة التي تفرضها الدولة، والعنف الذي تنتهجه، من علاقاتها العامة.

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، ساتيا ناديلا، على سبيل المثال، عن «التضامن» مع حملة «حياة السود مهمة»، وتبرَّعت الشركة بمبلغ 250 ألف دولار لمجموعات العدالة الاجتماعية.

وبفضل مثل هذه الحملات، لا تخضع «مايكروسوفت» للرقابة مثل نظرائها. وترعى الشركة مراكز الفكر التي تعزز أوراق اعتمادها التقدمية، وتخفي في الوقت نفسه أجندة الصناعة العنيفة والإمبريالية. وتستفيد «مايكروسوفت» أيضًا من الهالة التي تحيط بـ«بيل جيتس» ومؤسسته. ولا تزال صحيفة «نيويورك تايمز» تلجأ إلى جيتس، لاستشارته بشأن كيفية إصلاح مشكلات العالم.

ولكن تغطية خدمات «مايكروسوفت» للجيوش وقوات الشرطة والسجون في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك استثمارات «مايكروسوفت» في الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، تُعد غائبة تمامًا عن الأنظار.

ولطالما خدَمت «مايكروسوفت» المشاريع الاستعمارية باعتبارها «مختبرًا» للدول والشركات، وإسرائيل مثال رئيسي على ذلك. وأصبحت إسرائيل بلد الأمن القومي النموذجي عبارة عن: نظام يسيطر على مواطنيه ويقمع الانتفاضات، بينما ينتج التقنيات والأطر الأيديولوجية القابلة للتصدير. وتستفيد الشركات من العمل مع إسرائيل، وأمريكا لتطوير تكنولوجيات قمعية، ودفع هذه التكنولوجيات إلى الحياة المدنية.

وتقدم «مايكروسوفت» مثالًا جريئًا للشركات التي تتغذى على العنف الإسرائيلي. وتساعد «مايكروسوفت» في تصدير الأدوات الخطرة إلى إسرائيل، كما تقدم نافذة على دور الشركات في دعم التحالف المميت بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال مساعدة المنظمات غير الربحية والشرَاكات الأكاديمية.

علاقة إسرائيل ومايكروسوفت.. زواج عُقِد في السماء

 «مايكروسوفت» افتتحت أول مركز أبحاث لها خارج الولايات المتحدة في إسرائيل، في عام 1991، ولديها اليوم ثلاثة فروع تابعة لـ«مايكرسوفت» إسرائيل. وتحتضن إسرائيل منتجات «مايكروسوفت»، وتلتزم الشركة بالصناعات الإسرائيلية، حتى إن الرئيس التنفيذي السابق للشركة، ستيف بالمر، يقول: «مايكروسوفت» شركة إسرائيلية بقدر ما هي شركة أمريكية». وقال بيل جيتس، إن التطورات الإسرائيلية في «الأمن» تعمل على «تحسين العالم». ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علاقة بلاده بالشركة بأنها «زواج عُقِد في السماء».

وفي الواقع، وقفت «مايكروسوفت» إلى جانب إسرائيل خلال أسوأ جرائمها. وخلال الانتفاضة الثانية، شنَّت إسرائيل هجومًا قاتلًا على الضفة الغربية. وفي مدينة جِنين، قتل قناصة إسرائيليون عشرات الفلسطينيين، ودمَّر الجيش أجزاءً كبيرة من المدينة وترك الآلاف دون مأوى. وصوَّر فيلم محمد بكري 2002 «جِنين، جِنين» جانبًا من الدمار والألم. يقول رجل في الفيلم: «لقد أطلقوا النار على أي شيء يتحرك، حتى القطط». وكان هناك ضباط على الأرض تابعين للجيش الأمريكي يدوِّنون ملاحظات للاستفادة منها في احتلالهم للعراق.

وبعد كل هذا الدمار الذي لحِق بجِنين، وضعت «مايكروسوفت» إسرائيل لوحات إعلانية على طول طريق سريع في تل أبيب، مكتوب عليها «شكرًا من القلب» لـ«قوات الأمن والإنقاذ»، وتحمل اللوحات شعار «مايكروسوفت» والعلم الإسرائيلي. وسرعان ما دعا نشطاء «جوش شالوم» إلى مقاطعة شركة «مايكروسوفت». وكانت دعاية مؤثرة هدَّدت أعمال «مايكروسوفت» مع عملاء مثل السعودية والإمارات. لذا نأى المقر الرئيسي للشركة بنفسه عن اللوحات الإعلانية، التي أُزِيلت لاحقًا.

غير أن استثمارات «مايكروسوفت» الحقيقية في عنف الدولة الإسرائيلية قد زادت. وخلال العام الذي وقعت فيه مذبحة جِنين، حصلت «مايكروسوفت» على عقد لمدة ثلاث سنوات بقيمة 100 مليون شيكل، مع الحكومة الإسرائيلية (حوالي 35 مليون دولار). وفي العقد، وافقت «مايكروسوفت» على تقديم منتجات غير محدودة للجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع، وتبادل «المعرفة» مع الجيش.

ووفقًا للصحف الإسرائيلية، دفعت إسرائيل لشركة «مايكروسوفت» من أموال «المساعدات» الأمريكية – وهي طريقة معروفة للشركات الأمريكية للربح من خلال العمل مع إسرائيل. واستمرَّت «مايكروسوفت» في الاستفادة من العنف الإسرائيلي منذ ذلك الحين.

استثمارات في المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي

تنتج وحدات المراقبة ومكافحة التمرد التابعة للجيش الإسرائيلي (مثل الوحدة 8200) شركات ناشئة، كما تقوم بتدريب قوة عاملة تريدها شركات مثل «مايكروسوفت». وعلى مر السنين، استحوذت «مايكروسوفت» على عديد من الشركات الناشئة التي خرجت من رحم جيش الدفاع الإسرائيلي واستثمرت في الشركات الإسرائيلية.

تشمل استثمارات «مايكروسوفت» الأخيرة شركة «إنيفيجن» (AnyVision)، وهي شركة إسرائيلية تزود الدولة بكاميرات وبرامج للتعرف على الوجه لمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويُشتبه في أن «إنيفيجن» هي الشركة المُصنِّعة لكاميرا تجسس، زرعتها إسرائيل في مقبرة في قرية كوبر، وعثر عليها الفلسطينيون وفكَّكوها في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وبعد تقارير صحفية وضغط من النشطاء أعلنت «مايكروسوفت» أنها ستخرج من الشركة الإسرائيلية الناشئة.

لكن «مايكروسوفت» لم تنهِ علاقتها مع «إنيفيجن». وفي مقابلة، قال، آدم ديفاين، مدير التسويق في «إنيفيجن»، إنه يتفهم قرار مايكروسوفت، ولكن لا تزال «إنيفيجن» تتمتع «بعلاقة تجارية قابلة للحياة مع «مايكروسوفت» وتستخدم خدمات «مايكروسوفت». وأضاف: ولا تزال «مايكروسوفت» تقدم منتج التعرف إلى الوجه من «إنيفجن» على منصتها. إلى جانب ذلك، تتجاوز استثمارات «مايكروسوفت» في المجمع الصناعي العسكري في إسرائيل شركة واحدة.

وتتضمن براءات في السنوات الأخيرة، استحوذت «مايكروسوفت» على شركات «الأمن السيبراني» الإسرائيلية مثل «أوراتو/Aorato» (في عام 2014 مقابل 200 مليون دولار)، و«أدالوم/Adallom» (في عام 2015 مقابل 320 مليون دولار)، و«هكساديت/Hexadite» (في عام 2017 مقابل 100 مليون دولار)، و«سايبر إكس/CyberX» (في عام 2020 مقابل 165 مليون دولار) – وكلها تعتمد على تقنيات جيش الدفاع الإسرائيلي. وأوضح الشريك المؤسس لأدالوم أنه «في جيش الدفاع الإسرائيلي، عملنا على تكنولوجيا تُستخدَم لمكافحة الإرهاب باستخدام الذكاء الاصطناعي».

اختراع «أوراتو» (المملوكة الآن لمايكروسوفت) نظامًا لاستنتاج موقع الأجهزة المتصلة بالشبكة حتى في حالة عدم وجود إشارات مباشرة لنظام التموضع العالمي (جي بي إس). وتوقَّع الرئيس التنفيذي لشركة أوراتو بأن منتجاتها كان من الممكن أن تمنع تسريبات إدوارد سنودن (عمل بصفته متعاقدًا مع وكالة الأمن القومي قبل أن يسرب تفاصيل برنامج التجسس بريسم إلى الصحافة في يونيو (حزيران) 2013) من خلال مراقبة أنشطة الكمبيوتر.

وبالإضافة إلى الاستثمار المالي، تقدم «مايكروسوفت» أيضًا خدمات «ريادية» إلى جيش الدفاع الإسرائيلي. وأرسلت «مايكروسوفت» معلمين إلى «هاكاثون»، تجمع للمبرمجين في الجيش الإسرائيلي، استمر 24 ساعة حيث طور الطلاب ومهندسو البرمجيات «حلولًا إبداعية» للعمليات العسكرية.

وأحد التطبيقات الحائزة على الجائزة كان من أجل «الدفاع عن المستوطنات» والذي «يساعد في حل مشكلة عدم سيطرة القادة على الأحداث داخل المستوطنات والاتصال المباشر مع الجنود في الميدان». وهناك تطبيق آخر حائز على جائزة، يساعد الجنود على «معايرة أسلحتهم الشخصية». ومن الواضح أن كل هذه التطبيقات لها «استخدامات مدنية»، بما في ذلك «تنفيذ القانون» وإدارة «الموارد البشرية».

أدوات للتدمير ودعاية الدولة

صناعات الموت في إسرائيل ضرورية لكي تُعامَل باعتبارها قوة تكنولوجية. وتعلن إسرائيل باستمرار عن جيشها «المتقدم تكنولوجيًّا»، وتُستَغل أدوات «مايكروسوفت» في هذه الحملات الدعائية. على سبيل المثال، تستخدم إسرائيل «مايكروسوفت» إكس بوكس، للتحكم في الدبابات.

ووفقًا لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، يؤدي إكس بوكس إلى «أداء أفضل». وطُوِّرت الدبابة التي يجرى التحكم فيها عن طريق إكس بوكس، عن طريق شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) وشركة «ألبيت» (Elbit)، وتصنع الشركتان طائرات من دون طيار تُستخدَم لترويع الفلسطينيين وغيرهم في جميع أنحاء العالم.

كما يستخدم الجيش الإسرائيلي أدوات «مايكروسوفت» في حملات الدعاية الرسمية. وفي أحد مقاطع الفيديو، يدَّعي الجيش الإسرائيلي أن «مايكروسوفت» هولولنز، أداة «الواقع المختلط»، تسمح للجيش «بتحديد أعدائه» و«التحكم في الروبوتات والطائرات من دون طيار بالإيماءات». ويضيف جيش الدفاع الإسرائيلي أنهم يعتزمون «استخدام هولولنز في ساحات القتال قريبًا جدًّا» – ولكن لم يُحدد كيف وأين.

نحن نعلم أن دولة إسرائيل تقتل وتشوه وتعتقل وتختطف وتنتزع الملكية. وبحسب المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسيلم»، قتلت إسرائيل بين عامي 2018 و2020 أكثر من 440 فلسطينيًا، بالإضافة إلى إصابة وتشويه الآلاف في مسيرة العودة الكبرى في غزة. وفي أيلول 2020، احتجزت إسرائيل أكثر من 4,200 فلسطيني. وفي عام 2020 وحده، هدمت إسرائيل 172 منزلًا فلسطينيًّا في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية). وكثَّفت من الفصل العنصري الطبيفيما يتعلق بفيروس كورونا ولقاحاته.

وحتى لو لم تُستخدَم هذه الأدوات مطلقًا، تستفيد كل من إسرائيل و«مايكروسوفت» من فكرة إمكانية استخدامها. كما تستفيد «مايكروسوفت» من أن منتجاتها لها استخدام «في العالم الحقيقي». وتستفيد إسرائيل من إعادة تأكيد قوتها العسكرية والتكنولوجية، ومن دعم شركة أمريكية كبرى. وتساعد الشراكات مع الكيانات الأمريكية الكبرى في تطبيع الدولة الإسرائيلية، ولهذا السبب تحاول إسرائيل بجنون تدمير مبادرات المقاطعة.

توفير البيروقراطية الحاسوبية التي تقف وراء العنف الحكومي

وأدرك الناشطون منذ مدة طويلة أن العنف اليومي يعتمد على استخدامات غير مثيرة خاصة بالحوسبة، مثل إدارة السجلات، أكثر بكثير من اعتماده على القدرات التي تجذب الانتباه مثل تكنولوجيا التعرُّف على الوجه. وترتبط البيروقراطية والقمع ارتباطًا وثيقًا، فضلًا عن أن كثيرًا من الخدمات التي تقدمها «مايكروسوفت» تُعد بيروقراطية أكثر من كونها حربًا ذات تكنولوجيا فائقة.

وتوفِّر «مايكروسوفت» كثيرًا من إدارة البيانات التي تقف وراء العنف الذي تمارسه الدولة. ووفقًا لتقارير الإنفاق الحكومي الأمريكي، تلقَّت «مايكروسوفت» على مر السنين 3.4 مليار دولار من الأموال الاتحادية، بواقع نحو 72.6 % (2.4 مليار دولار) من وزارة الدفاع و14.3 % (488 مليون دولار) من وزارة الأمن الداخلي، والتي تتضمن إبرام عقود إدارة بيانات مع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك. كما حصلت الشركة على عقد بقيمة 10 مليارات دولار لبناء الهياكل الأساسية للبيانات التابعة للبنتاجون (قدَّم موقع أمازون، منافس مايكروسوفت، طعنًا على هذا العقد مؤخرًا أمام المحكمة).

 قال مايكل كويت، (الزميل الزائر في مشروع مجتمع المعلومات في كلية الحقوق بجامعة ييل)، الذي أوضح أن «مايكروسوفت» تقدم أيضًا خدمات لأقسام الشرطة والسجون في جميع أنحاء العالم، إذ تطوِّر برنامجًا لإدارة المعلومات المتعلقة بالسجناء، بما في ذلك منتجات تستهدف «المجرمين من الشباب».

وتقدِّم «مايكروسوفت» أيضًا خدمات حوسبة أساسية للشرطة الإسرائيلية التي تشتهر بممارسة العنف ضد الفلسطينيين والمهاجرين، فضلًا عن اليهود السود والعرب. وتدَّعي الشرطة الإسرائيلية أن «الحوسبة السحابية (تنافست أمازون على إبرام العقد ذاته) التي توفِّرها «مايكروسوفت» ضرورية لضمان أداء أنظمتنا التشغيلية». وتستخدم الشرطة الإسرائيلية أيضًا كاميرات جسدية تصنعها شركة أكسون (التي تُسمَّى Taser)، شريك مايكروسوفت. وينوِّه الكاتب إلى أن («مايكروسوفت» ستفتح أيضًا شركة حوسبة «سحابية» في إسرائيل، وستعمل بطريقة سرية، لتحسين الخدمة التي تقدمها لعملائها الإسرائيليين).

كما يستفيد الجيش الإسرائيلي والقوات الجوية من البنية التحتية الحاسوبية التابعة لـ«مايكروسوفت». وكانت الشركة قد ساعدت قاعدة (Bahad 1) التابعة للجيش الإسرائيلي، وهي قاعدة لتدريب الضباط، في إنشاء تطبيق يُمكِّن الجنود من الوصول إلى إجراءات الجيش الإسرائيلي وتاريخ انتصاراته ومُدوِّنَة «الأخلاقيات» الخاصة به. كما ساعدت «مايكروسوفت» في إدارة قاعدة بيانات الموارد البشرية المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي تتعقَّب أفراد الاحتياط في الجيش.

التواطؤ في التقدُّمية المزيفة

 على الرغم من مشاركة «مايكروسوفت» في العنف الذي يُمارَس على مستوى الدولة، يجرى التعامل معها أحيانًا باعتبارها شركة مستنيرة. على سبيل المثال، تُقدَّم «مايكروسوفت» في إسرائيل باللغة التي تُقدَّم بها التعددية الثقافية الليبرالية. وتقول الشركة: «من خلال الاستفادة من اختلافاتنا واستيعابها، تتحسَّن أفكارنا ومنتجاتنا ويزدهر العاملون التابعون لنا».

كما تروِّج الشركة وإسرائيل لإعلانات مثل: «نحن فخورون بدعم مجتمع المثليين ومزدوجي الجنس ومغايري الهوية الجنسية والمنحرفين جنسيًّا في إسرائيل…»

وتستفيد الشركة من ارتباطها بمؤسسة جيتس، وهي مؤسسة مبنية على أرباح احتكارية لشركة «مايكروسوفت» وسرقة الأموال العامة من خلال التهرب الضريبي. وتُسهِم المؤسسة في تحسين صورة الشركة ومؤسسها، مع أنها مدفوعة بأجندة إمبريالية وليبرالية جديدة في مجال الزراعة وأنظمة الغذاء والصحة العامة وسياسة المناخ.

وقدمت «مايكروسوفت» أيضًا الرعاية للمؤسسات الفكرية التي تمتثل لأوامِرها امتثالًا مباشرًا. وترتبط هذه المراكز بسهولة بجامعات الليبرالية الجديدة، التي تسعى دائمًا إلى إقامة ارتباطات والحصول على تمويل من الشركات. ويعزز عملها أوراق الاعتماد التقدمية لـ«مايكروسوفت»، ولكنها لا تتطرق إلى الجرائم والاشتباكات ذات النطاق الواسع للشركة. وعندما تظهر جرائم «مايكروسوفت» الأصغر حجمًا، يجري احتواؤها في إطار «أخلاقيات» الشركات و«التحيز» ضدها.

ساعدت «مايكروسوفت» في إنشاء مؤسستين فكريتين مؤثِّرتين، وهما معهد «AI Now» (معهد معني بإجراء أبحاث حول الآثار الاجتماعية للذكاء الاصطناعي) ومعهد «Data & Society» (وهو معهد بحثي يدرِّس التداعيات الاجتماعية للتكنولوجيا والأتمتة). وتأسَّس «AI Now»، ومقره في جامعة نيويورك، من خلال «هدية» مالية قدمتها «مايكروسوفت» (إلى جانب التمويل المُقدَّم من جوجل) وأسَّسه موظفو «مايكروسوفت» وجوجل.

وأُطلِق في عام 2016، بمشاركة البيت الأبيض ورعايته. كما أُطلِق معهد «Data & Society» في عام 2014، وتأسس أيضًا بسخاء مالي من «مايكروسوفت».

وعلاوةً على ذلك، يساعد تركيز هذه المؤسسات البحثية على تكنولوجيا التعرُّف على الوجه في خدمة مصالح الصناعة بالفعل. ويصرف هذا التركيز الانتباه عن خدمات الحوسبة الواسعة، والتي لا تحظى سوى بقدر قليل من الاهتمام التي تقدمها «مايكروسوفت»، والضرورية بالنسبة للعنف الذي تمارسه الدولة. ويصعُب أيضًا احتواء هذه الخدمات من خلال استخدام إطار عمل «أخلاقيات» الشركة و«تحيزها».

وتحمي هذه المؤسسات الفكرية، من خلال الخطاب المتعلق بـ «الأخلاقيات» و«التحيز»، مصالح الصناعة والإمبراطورية الأمريكية. وتوضِّح فضيحة شركة «إنيفيجن» هذا الأمر. وبمجرد ذكرها في وسائل الإعلام، كان من الصعب تجاهل برنامج المراقبة في الضفة الغربية التابع لشركة «إنيفيجن»، وكان معهد «AI Now» قد علَّق على القضية في تقريره السنوي لعام 2019. وذكر معهد «AI Now» أن شركة «إنيفيجن» تثير مشكلات بسبب «انتهاكات حقوق الإنسان» التي تحدث في الضفة الغربية.

ويضيف التقرير أن عمل شركة «إنيفيجن» يتعارض مع المبادئ التي أعلنتها «مايكروسوفت» بشأن «المراقبة المشروعة» و«عدم التمييز»، فضلًا عن تعهُّد «مايكروسوفت» بعدم «نشر تكنولوجيا التعرُّف إلى الوجه في السيناريوهات التي نعتقد أنها ستُعرِّض الحريات للخطر».

لذلك، رأى معهد «AI Now» أنه من «المثير للحيرة» أن الشركة الإسرائيلية الناشئة ادَّعت أنها «خضعت للتدقيق في ضوء التزامات «مايكروسوفت» الأخلاقية». ولكن لا يوجد شيء يستدعي «الحيرة» في هذه الحالة؛ ذلك أن «مايكروسوفت» تُنفِّذ التزام الإمبراطورية الأمريكية تجاه الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.

وعندما يتعلق الأمر بـ«مايكروسوفت» وإسرائيل، تواصل المؤسسة الفكرية مهزلة «المراقبة الشرعية» والشركات التي تلتزم بالقواعد الأخلاقية.

ومع ذلك، يتوافق دعم «مايكروسوفت» لشركة «إنيفيجن» تمامًا مع تاريخ الشركة الأمريكية وأسلوب عملها، ولا يوجد فرق حقيقي بين المشروعات العنيفة التي تنفذها «مايكروسوفت» والمشروعات التي تنفذها شركة «إنيفيجن»؛ ذلك أن شركة «إنيفيجن» ما هي إلا إحدى نوافذ التزامات «مايكروسوفت» العميقة بالحرب والسجن والاستعمار.

ونظرًا لهذه الالتزامات، ينبغي أن ننظر إلى مطالبات «مايكروسوفت» بتحقيق «العدالة الاجتماعية» على أنها جزء من جهودها لمكافحة التمرد. ولا يمثِّل تبرُّع «مايكروسوفت» الذي يُقَّدر بـ 250 ألف دولار للمجموعات المعنية بالعدالة الاجتماعية سوى مبلغ زهيد موازنةً بالمليارات التي لا تُعد ولا تُحصى، التي تجنيها الشركة من تمكين العنف الذي تمارسه الدولة. وبذلك تمارس الشركة أعمال القتل بإحدى يديها وترمي كسرة خبز بيدها الأخرى.

الامتناع عن العنف الحكومي والاستثمار في المجتمعات

 الناشطين لم ينخدعوا بالعلاقات العامة التابعة للشركات. وكشفت مجموعات شعبية في فلسطين والولايات المتحدة على حدٍ سواء، مثل حملة «أوقفوا الجدار» وتحالف «أوقفوا تجسُّس شرطة لوس أنجلوس»، كيفية نَشْر «مايكروسوفت» ونظرائها أدوات قمعية على صعيد دولي لتحقيق الأرباح والسيطرة.

وتنظر حملة «أوقفوا الجدار» في فلسطين إلى شركات مثل «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل» و«مايكروسوفت» باعتبارها قوى استعمارية تستفيد من «النظام الإسرائيلي القائم منذ عقود والمتمثِّل في الفصل العنصري والاستعمار واحتلال الشعب الفلسطيني» وتساعد في الحفاظ على هذا النظام. وكما كتبت حملة «أوقفوا الجدار»، تتيح «المراقبة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني تكنولوجيا جمع البيانات ومعالجتها»، والتي طُبِّقَت بعد ذلك في مجالات تراوحت بين «المدن الذكية والإعلانات».

وبالنسبة لحملة «أوقفوا الجدار»، تُمثِّل مقاومة هذا النظام أيضًا صراعًا عماليًّا، ذلك أن القوة السياسية لهذه الشركات تقوم على عمالة مُستغلَّة وغير مجانية، ولأن أساليب المراقبة المستخدَمة في المشروعات الاستعمارية ترتبط بأساليب المراقبة التي تُستخدَم في الداخل. ولهذا السبب تنظر حملة «أوقفوا الجدار» إلى «النضال الفلسطيني في إطار الأممية، والتضامن ذي الجوانب المتعددة».

وفي الختام، تحالف «أوقفوا تجسس شرطة لوس أنجلوس» يعترف أيضًا بالقواسم المشتركة بين الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم، والمجموعة المشتركة من المستفيدين منها. ويسعى التحالف إلى إلغاء تمويل قسم شرطة لوس أنجلوس بسبب عملياته العنصرية والقاتلة، بما في ذلك جهوده الرامية إلى تقييد المجتمعات من خلال استخدام جدران غير مرئية (تخزِّن شرطة لوس أنجلوس بيانات المراقبة على منصات «مايكروسوفت»).

* ياردين كاتز، زميل في قسم بيولوجيا الأنظمة في كلية الطب بجامعة هارفارد،

* موقع موندويس ، موقع إخباري معني بتغطية السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط،

**نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

How Microsoft is invested in Israeli settler-colonialism

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى