أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب – نحو استراتيجية جديدة لمواجهة الاستيطان

مهند عبد الحميد – 17/11/2020

منذ عقدين طُرح «الاستيطان باعتباره نقيضاً للحل السياسي والسلام» ومفجراً للصراع والعنف» وهذا ما توصل اليه جورج ميتشيل رئيس اللجنة الدولية لإنهاء العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذي انفجر بعد فشل مفاوضات 2000 كامب ديفيد. رأى ميتشيل ولجنته أن إيقاف العنف يتطلب وقف الاستيطان أولاً. ووقف الاستيطان يفتح الأبواب أمام العملية السياسية والحل. ودشن أوباما ولايته في العام 2009 بتعيين ميتشيل مبعوثاً له في الشرق الأوسط الذي ترافق مع إعلان أوباما عن موقفه الداعي الى وقف الاستيطان كمدخل وبداية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

في كتابه الجديد الذي حمل عنوان «أرض ميعاد» يقول الرئيس السابق باراك أوباما: أنه ظل يعتقد أن إسرائيل الطرف الأقوى، مطالبة بأن تقوم بالخطوة الأولى تجاه الفلسطينيين وهي تجميد البناء في المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا ما عارضه نتنياهو، الذي لم يكتفِ بالرفض، بل عمد إلى توظيف أصدقاء إسرائيل في واشنطن للضغط على إدارته. ويضيف أوباما: على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها من أجل حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن نتنياهو واجه هذه الجهود بالرفض، ما حال دون حدوث تقدم في مسار المفاوضات. حمل الرئيس أوباما في كتابه الجديد نتنياهو وحكومته المسؤولية عن فشل الجهود الهادفة إلى حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. واقع الحال تراجع أوباما عن موقفه من الاستيطان وسحب مبعوثه جورج ميتشيل، بدلاً من ممارسة الضغط على حكومة نتنياهو. وكانت النتيجة استمرار الزحف والبناء الاستيطاني، واستمرار العملية المنهجية لتقويض مقومات الحل السياسي والدولة الفلسطينية وتقرير المصير.

 واقعياً، سمح النظام الدولي ومعه النظام العربي لدولة المستعمرين، بأن تمضي في تثبيت وتعميق الاحتلال عبر موجات متلاحقة من الاستيطان الكولونيالي المتوحش، مكتفياً ببقاء شعارات الحل التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تؤثر قيد أنملة على اندفاع المستعمرين نحو أهدافهم. وبدا النظام الفلسطيني عاجزاً عن فعل شيء كابح او معرقل للعملية الاستعمارية، مكتفياً بترداد المواقف والشعارات والقرارات. ومع فوز ترامب وإدارته ومموليه المتطرفين، وفريقه الذي يضم مستوطنين صهيونيين، انتقل المشروع من مرحلة إحباط الحل السياسي وتدمير مقوماته الفلسطينية على الأرض، الى مرحلة تقديم مشروع اليمين القومي الديني الإسرائيلي باعتباره الحل الوحيد للصراع، وهو ما عبرت عنه صفقة القرن والاتفاقات المنبثقة عنها. الحل الاستعماري الذي شرع الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية، والأساطير، وشطب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. بفعل إغداق ترامب وفريقه اصبحت مشاريع التوسع الاستيطاني أعلى من طاقة دولة الاحتلال على التجسيد والتنفيذ، حيث فاضت المستعمرات بالوحدات السكنية الجديدة التي تنتظر من يسكنها. في هذا الصدد قدمت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية معطيات جديدة حول التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، كبناء 26 ألفاً و331 وحدة استيطانية، ونشر مناقصات لبناء 2425 وحدة، وبناء 9000 وحدة استيطانية أخرى في قلنديا، وآلاف الوحدات الاستيطانية في جبل أبو غنيم ومستوطنات مقامة على أراضي القدس الشرقية.. الخطط ستضيف 100 ألف مستوطن في المستوطنات التي سيتعين على إسرائيل نظريا إخلاءها، بل إن 78٪ من الخطط التي تم الترويج لها موجودة في مستوطنات يتعين على إسرائيل إخلاءها بموجب حل الدولتين». يضاف الى ذلك إنشاء 31 بؤرة استيطانية جديدة. والأخطر فقد «تم تصميم مشاريع البنية التحتية والطرق لإضافة مليون مستوطن آخر واستثمار مليارات الشواكل» في المستعمرات».

في المرحلة الترامبية تحول الاستيطان الى مشروع استثماري كولونيالي وأداة هيمنة وتطهير عرقي بدعم الرأسمال المعولم. تحول العجز الدولي والإقليمي عن وقف الاستيطان وعزل ومقاطعة المستوطنين ومعاقبة الدولة المنتهكة للقانون الدولي، الى أشكال من التهادن والتشارك والدعم.

جاء في صحيفة «هآرتس» إن انشغال نتنياهو المتكرر هذا العام بخطة ضم مستوطنات الضفة، تبين أنه نفذ عملية احتيال مع الإمارات والبحرين، حينما تعهد بتأجيل الخطة مقابل تطبيع العلاقات معهما. لكن يبدو انه لا يوجد احتيال. ففي سابقة مثيرة للدهشة، استقبلت حكومة الإمارات رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات «السامرة»، الذي كان على رأس وفد المستوطنين في اجتماعات تجارية مع نحو 20 رجل أعمال إماراتياً. وكانت دولة الإمارات قد أبرمت اتفاقاً لشراء نبيذ مستوطنات الجولان السوري المحتل وتسويقه في متاجرها. المصدر رصيف 22 .

الأخطر من ذلك هي الاتفاقيات التي أبرمها مصرف «أبوظبي الإسلامي»، في 17 أيلول 2020، مع بنك «لئومي» الإسرائيلي المدرج على القائمة الأمنية السوداء الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في شباط الماضي؛ على خلفية الاستثمار في المستوطنات. وكما قالت المديرة التنفيذية لمنظمة «إمباكت» الدولية لسياسات حقوق الإنسان مها الحسيني، فإن اتفاقيات التعاون بين مؤسسات وبنوك إسرائيلية وأخرى إماراتية تشكل مخالفة لمبادئ الأمم المُتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

 رغم سقوط ترامب في الانتخابات فإن الدول العربية التي ابرمت اتفاقات مهينة مع دولة الاحتلال لم تغير شيئاً من سياساتها، وذهبت بعيداً في الخروج عن مبادئ الأمم المتحدة وبخاصة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. إذا وضعنا الروابط القومية -وهي حقيقية- التي تجمع شعوب الدول العربية المندلقة على دولة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، إذا وضعنا ميثاق الجامعة العربية جانباً، فعلى الأقل احترام الإجماع الدولي على عدم مشروعية الاستيطان في أراض فلسطينية وسورية محتلة. لماذا لا تلتزم الإمارات بالموقف الدولي الرافض للاستيطان، والرافض لاحتلال أراضي شعب آخر بالقوة؟ هل الاتفاقات المبرمة مع دولة الاحتلال تتضمن الالتزام برواية المعتدي وبمواقفه العدمية من الضحية وبأيديولوجيته العنصرية؟

إن وصول الاستيطان الى هذا المستوى من التوحش وحضوره كمُخرَج في الاتفاقات الثنائية والثلاثية، يُقدم هنا كقصة إخفاق دولية وعربية والاهم قصة إخفاق فلسطينية. بعيداً عن تحميل المسؤولية للضحية (الشعب الفلسطيني) كما يفعل نتنياهو وترامب واتباعهم. فإن السياسة الفلسطينية من الاستيطان كانت خاطئة وتحتاج الى إعادة نظر وتقييم واستخلاص العبر. الاستيطان هو التحدي الأكبر، كان وما يزال. ومن المفترض أن لا نعود للتفاوض حول الاستيطان. بحاجة الى استراتيجية جديدة، بقطع النظر عن الاختلاف حول الحل المرحلي والنهائي، استراتيجية تطرح العمالة والمقاولة الفلسطينية داخل المستعمرات، والمقاطعة على اختلاف أنواعها، كذلك المعركة القانونية، وآلية الدفاع عن الأرض وحمايتها، والاحتجاج المنظم في الداخل والخارج، وممارسة الضغوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى