أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب – ما زالت الحلقة الأضعف: التراجع عن احتلال 67

مهند عبد الحميد 19 يناير 2021 

قبل أن أنهي نقاش ورقة الزميل والصديق ماجد كيالي بعنوان (الخيارات السياسية، أو نحو تفكير سياسي جديد)، تعجل الزميل في الرد ولم ينتظر قراءة هذا المقال كي يرد على رأيي المتكامل.
استكمالاً لنقاشي في الحلقتين السابقتين. أتفق مع الزميل كيالي على أن الصراع مع المشروع الصهيوني لم يبدأ في العام 67، وليسمح لي بالذهاب إلى أبعد من ذلك، والقول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي  بدأ منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل – سويسرا 1897 الذي قرر إنشاء دولة يهودية في فلسطين، ووضع خططاً لتهجير اليهود إليها، واحتدم الصراع بصدور وعد بلفور العام 1917، وبصك الانتداب العام 1922 اللذين أكدا إقامة وتجسيد دولة يهودية في فلسطين، إلى أن تحقق ذلك بالقوة في حرب التطهير العرقي في الأعوام 47، 48، 49.
ومن المنطقي ألا ينتهي هذا الصراع إلا بحل سياسي يستجيب قولاً وفعلاً للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.  بعد ذلك من المهم هنا، تعريف الحقوق الفلسطينية المشروعة، لا خلاف أولاً على تعريف الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة الكاملة أو المطلقة أسوة بأي شعب على الأرض.
لكن تعريف الأمم المتحدة للحقوق الفلسطينية المشروعة يختلف كثيراً عن التعريف الفلسطيني بدءا بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، مروراً بإدخال تعديلات قلصتها في حدود الرابع من حزيران العام 67.
ولكن ورغم الظلم الهائل الذي اكتنف هذه العملية هل يستطيع الشعب الفلسطيني رفض التقسيم والتعديلات التي أدخلت عليه؟ الجواب: لقد رفض الشعب الفلسطيني وحركته السياسية التقسيم، ورفض تعديلات العام 67 واستمر الرفض المدعم بثورة مسلحة وبنضال شعبي حتى انتفاضة العام 87.
وكان الاستعداد للتجاوب مع التعريف الدولي قد بدأ في العام 74 (النقاط العشر) وتتابع في قرارات المجالس الوطنية اللاحقة إلى أن توج رسمياً في دورة المجلس الوطني 19 العام 88 – دورة الانتفاضة -.
من وجهة نظري، في ظل الموقف الإسرائيلي الإقصائي الذي يرفض التعريف الدولي للحقوق المشروعة ويعمل على تقويض الحقوق المشروعة على الأرض، كما يعمل على تفكيك أي تطور محتمل للتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للشعب الفلسطيني داخل فلسطين. على ضوء ذلك لا نستطيع كشعب وكحركة سياسية رفض الشرعية الدولية وتعريفها للحقوق المشروعة، والاكتفاء بالتعريف الفلسطيني للحقوق المطلقة غير المسنودة بالشرطين الموضوعي والذاتي.
إذا أردنا أن يكون لفلسطين مكان فاعل على الخارطة الدولية فلا مناص من تجسيد ذلك على الأرض، وإذا أردنا استكمال النضال من أجل عدالة أكثر من نسبية، علينا الانطلاق والعمل بحق تقرير المصير الذي عرفته الشرعية الدولية رغم الظلم الذي انطوى عليه.  
هل الفشل الفلسطيني والدولي والإفشال الإسرائيلي الأميركي في ترجمة إقامة دولة فلسطينية على الأرض يدفع الحركة السياسية للبحث عن خيارات أخرى من خارج الشرعية؟  
هناك ألف سبب وسبب للتوقف عند الفشل وأسبابه والعمل على تجاوزها؟
في مقالي الأول حددت أسباب الفشل الفلسطيني وهي الاعتماد على الوساطة الأميركية وعلى النظام العربي الرسمي ودولة الاحتلال، وعدم الاعتماد على الشعب الفلسطيني وعلى حلفاء حقيقيين من شعوب وحركات اجتماعية ومعارضات وقوى ديمقراطية ودول صديقة ومجموعات من المعارضين الإسرائيليين للاحتلال.  
نحن بحاجة إلى مركز شرعي ليس لترفيه شرائح سياسية واجتماعية، بحاجة إلى مركز يعمل على إعادة بناء مقومات البقاء والصمود والتحرر وإشراك الشعب في هذه العملية.
بحاجة إلى نظام تعليمي ونظام صحي وضمان اجتماعي ومنظومة قوانين وحريات عامة وفردية واقتصاد منتج وحقوق مواطنة وعدالة.  وبحاجة إلى مركز يدافع عن حقوق اللاجئين في العودة، وعن حقوقهم المدنية حيثما وجدوا.
أرى أن بناء هذه المقومات وتوظيفها في الصراع هو وحده الذي يترافق مع مهمة انتزاع حق إقام الدولة وتحويلها إلى واقع.  بل إنه بالقدر الذي يتم فيه إحراز التقدم في هذه الحقول والمجالات بالقدر الذي تتم فيه ترجمة حق تقرير المصير على الأرض.
عملية نضالية حقيقية تستجيب لمصالح كل الفلسطينيين وتحقق أهدافهم المشتركة وهي نقيض للوقائع الاستعمارية والعنصرية.
الدولة المطلوبة غير مسموح لها التنازل عن حقوق اللاجئين بل إن مهمة إحقاقها هي من أهم وظائفها، إضافة إلى الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين في الخارج وفي أراضي العام 48.
بهذا المعنى الدولة ليست لجزء من الشعب في مواجهة الأجزاء الأخرى.
والدولة لن تكون نهاية المطاف طالما لم تتحق الأهداف المشتركة. ويجوز القول إن الدولة الفلسطينية تعبر عن مرحلة تاريخية يُفرض خلالها تراجع مهم على الكولونيالية الإسرائيلية، هو التراجع عن احتلال 67.
تراجع يسمح بنشوء التناقضات داخل مجتمع المستعمرين، تلك التناقضات التي استبدلها الاحتلال بخلق مصالح لأجزاء كبيرة من المستوطنين في أراضي 67، هنا ينفتح الأفق موضوعيا أمام فئات متزايدة من الإسرائيليين لمناهضة الكولونيالية والعنصرية، ويشكل هذا التحول الافتراضي نقطة التقاء واقعية مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل عدالة أكثر من نسبية.
إن تراجع الاستعمار دون أن يهزم ليس مستحيلا، كل الاستعمار القديم تراجع عندما تحول استعماره إلى قضية خاسرة.
والتراجع عن احتلال 67 كحلقة أضعف يشكل ظرفا ملائما لتجديد نضال الشعوب العربية ضد علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي وحليفه الأكبر أميركا.
إن تحرر شعوب بوزن مصر وسورية والعراق وغيرها من علاقات التبعية يضيف إلى ميزان قوى التحرر في الإقليم قوة إضافية.
ولا شك في أن التحالف الجديد بين الشعب الفلسطيني الذي تعيد الدولة تأهيله، مع شعوب عربية تناضل ضد علاقات التبعية، ومع إسرائيليين ويهود يتحررون من قبضة الصهيونية ويناهضون إسرائيل الكولونيالية والعنصرية كل هذا يطرح الانتقال إلى حل الدولة العلمانية الواحدة التي يتساوى فيها الجميع.  
مقابل ذلك، دون تراجع الاحتلال ودون إقامة دولة فلسطينية مستقلة سنكون أمام نظام أبارتهايد، واحتمال الترانسفير للأجزاء المتبقية من الشعب الفلسطيني في وطنه، وستتكرس علاقات الهيمنة والتتبيع في طول وعرض المنطقة.  
التغيير الذي أدعو له هو تغيير في المضمون وفي الدور وفي الأدوات، وليس في الشكل.
ملاحظات متفرقة، بعد هزيمة الكفاح المسلح في الخارج انتقل مركز النضال منذ العام 82 إلى فلسطين المحتلة وما زال إلى أن ينوجد مركز آخر وأفضل.
لماذا لم يرق للزميل كيالي ذلك؟ لا أعرف. كما أرى موقفا مشوشا من الشرعية الفلسطينية كالمجلس الوطني وهيئات المنظمة الأخرى.  
إن اعتماد البرنامج المرحلي من الهيئات لم يكن مفبركا لطالما كان يحوز على الأكثرية.
هناك فرق بين نقد آلية اتخاذ القرار، والبيروقراطية والأبوية، وبين التشكيك في قراراته وإسقاطها من الحساب الذي يعادل رفض الشرعية، دون توفر شرعية بديلة.
ومفهوم الإجماع عند الزميل كيالي غريب وعجيب، نحن شعب يقر بالتعددية السياسية والثقافية والدينية، هذا التعدد عكس إجماعاً.
وفي الواقع توجد أكثرية وأقلية ويوجد اتجاه مركزي يسيطر على القرار، يوجد مشروع وطني أو برنامج وطني يحظى بتأييد الأكثرية ويرفض من أقلية، وقد يتغير الموقف بفعل قوى تغيير داخل المجتمع.
Mohanned_t@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى