أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب – لمن أعطي صوتي؟

مهند عبد الحميد – 16/2/2021

اعتدنا في مفهومنا للسياسة ان المعلن شيء وغير المعلن شيء آخر، أو ما هو مكتوب في السطور شيء وما هو مستتر بين السطور شيء آخر، نقاش المعلن صار مكروراً ومملاً وبلا فائدة. أما نقاش المستتر فهو مفيد ومطلوب في كل الأحوال. في البحث عن غير المعلن وما بين السطور، اتفق مفكرون مخلصون لشعوبهم ومفكرون مخلصون لمصالحهم ولهم أجندات تنتمي الى عالم الهيمنة، من مواقع مختلفة اتفق الاتجاهان على أن المجتمعات العربية تفتقد الى ديناميات تطور داخلي. ومعلوم أن الذي يدمر الديناميات الداخلية هي أنظمة الحكم، والتدمير كما نعلم يُستخدم لتعزيز وتأبيد سيطرة نظام الحكم. بعض الأنظمة استعار أو وَرِثَ فكرة تدمير ديناميات التطوير الداخلي من المستعمرين الذين كانوا يحكمون البلدان في عصر الاستعمار المباشر، وبعضها الآخر اخترع التدمير كمنتج أصلاني بهدف البقاء في الحكم أطول مدة وربما إلى ما لا نهاية إذا ما استخدم التوريث.

المستتر وغير المعلن في حالنا الراهنة يقول، إن الانتخابات الفلسطينية لم تكن نابعة من الحاجة الى التغيير ولم نصل اليها بفعل عمل الديناميات الداخلية، رغم وجود حاجة مستحقة كبيرة للتغيير. وإذا دققنا في واقعنا ما قبل الانتخابات، لن نجد مستوى من الحراكات والأفعال والاستقطابات السياسية والاجتماعية الكفيلة بوضع قضية الانتخابات على بساط البحث، كحلقة تقود الى تتويج الحراكات بتغيير مطلوب وضروري للمجتمع، والوسيلة بالطبع هي الانتخابات. وفي غياب التفاعل وتفعيل الديناميات والاشتباك والاستقطاب «الديمقراطي» السابق يُنظر الى وظيفة الانتخابات، إما الى تثبيت الأمر الواقع، أو الى تغيير معزول يَستبدل نفوذاً بنفوذ.

إذا لم نغير أوضاعنا بأنفسنا، بما يدعم التحرر الوطني والتطور الاجتماعي، سيدخل الخارج من الفراغ الذي أوجدناه ليغير أوضاعنا! هذا ما حدث الى حد كبير. فقد جاء قرار الانتخابات الفلسطينية قراراً دولياً وإقليمياً، على قاعدة الحفاظ على وضع فلسطيني مقبول يحول دون التفكك والانهيار ويَبقى على تواصله مع الأجندات الدولية والإقليمية بما يحفظ مستوى من الاستقرار. بمعنى آخر، الخارج يعمل على مواءمة الحالة الفلسطينية مع أجنداته التي بعضها يتنافر مع الحقوق المشروعة والبعض الآخر ينتقص منها بمستوى غير مقبول. اذا صح هذا التقدير فمن المفترض التفكير مجدداً بالتغيير الداخلي أولاً وقبل كل شيء.

بعد ذلك سأنطلق من فرضية تقول اذا ما وصلنا الى الانتخابات، لمن يعطي المواطن العادي صوته. كمواطن له حق الانتخاب، بدأت بطرح سؤال داخلي في كل يوم، لمن سأعطي صوتي. وما هي مواصفات مرشحي المفضل، مبدئياً سأعطي صوتي لأشخاص يعملون من أجل الخلاص من الاحتلال، وليس الشغل على موضوع الاحتلال والاكتفاء بأقوال دون أفعال، سأنتخب من يعمل على دعم صمود الناس من خلال دعم مشاريع زراعة الأرض وتسويق محاصيلها وتطوير الموارد من داخل المجتمع عبر إنتاج السلع مهما كانت بسيطة ومتواضعة، في مواجهة المحتلين والسياسة الاقتصادية الريعية غير الإنتاجية المنتجة للفساد والفاسدين. لن أنتخب الشخص الذي يردد خطاباً حماسياً ضد الاحتلال والاستيطان ويكثر من الحديث عن المقاومة بدون مقاومة. سأنتخب المرشح الذي يعمل مع الناس في المشاريع والعمل التعاوني المنتج، ويعزز سياسة الاعتماد على الذات. وسأدعو الى عدم انتخاب جماعات المال السياسي الذين يختصرون دورهم بتوفير كيس نقود لشراء الأصوات لمصلحة أصحاب الأموال وأجنداتهم الخارجية. سأنتخب الأشخاص الديمقراطيين الذين يحترمون الرأي الآخر وحرية التعبير والنقد والحق في الاختلاف وضد القمع والترهيب والفساد. فلا افهم ان يكون الشخص فاسداً وقامعاً ومستبداً وتابعاً لأجندات تصب في صالح الاحتلال، وفي الوقت نفسه يتحدث عن الإصلاح والديمقراطية. سأنتخب الذين يعملون على إزالة كل أشكال التمييز ضد النساء والعمل على مساواتهن بالنصف الآخر من المجتمع «الذكور». وسأنتخب الذين يعملون على بناء نقابات ومؤسسات تتولى خدمة العامل والمواطن والدفاع عن حقوقه وفي مقدمة ذلك مؤسسة الضمان الاجتماعي، مؤسسة تشكل بديلاً للأبوية والزبائنية والولاءات. سأنتخب من يعمل على استبدال القوانين البالية والمتخلفة بقوانين تحترم حقوق المواطن والإنسان والعمل والطفل، والذين يفصلون السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية بعضها عن بعض قولاً وفعلاً، ويضعون انفسهم تحت القانون وليس فوقه، وسأنتخب من يعملون على استبدال نظام التعليم التلقيني المقيِد للعقل، بنظام تعليم تحرري يزيل القيود عن العقول ويجعل العلم مستقلاً عن كل أيديولوجيا وعن كل استخدامات السيطرة والترهيب. سأنتخب الذين يعيدون الاعتبار للتدين العاقل الذي يعترف بالتعدد الديني والثقافي في مجتمعنا وما يعنيه ذلك من الانفصال عن المدرسة الدينية المتزمتة التي استخدمت كأداة سيطرة بعيدة عن روح الأديان.

قد لا يستطيع القارئ إكمال مواصفات المرشح المفضل، لأنها تبدو تعجيزية أو مثالية أو غير قابلة للتطبيق في واقعنا المستباح بكل أنواع التدخل، قد تبدو المواصفات التي أقدمها هي الوجه الآخر للعبة التذاكي والتدليس الانتخابي. ففي أيام الانتخابات يجوز كل شيء، قد يستطيع المرشح قول ما يشاء والمزايدة على الكل وبناء الأحلام السعيدة، لطالما ان الانتخابات في بلادنا قد تحدث كل ستة عشر عاماً وربما أكثر وربما لمرة واحدة وكفى الله المؤمنين شر القتال.

ما أردت قوله أن الانتخابات لا تنفصل عن ما قبلها وما بعدها، فلا يمكن عزل تدخل القوى وعملها وإنجازاتها – مهما كانت ضئيلة- في كل العناوين السابقة، عن ثقة المواطنين بها وبالتالي انتخابها لتستكمل المهمات. اذا كان رصيد الأفراد والمجموعات والتيارات صفراً او محدوداً او عكسياً في العناوين السابقة التي يحتاج المواطنون الى تطويرها وتغييرها، فإن هؤلاء سيكونون جزءاً من الأزمة وليس بديلاً إلا بالأقوال. لذا يكتسب وجود معايير واضحة ومحددة أهمية كبيرة في تعريف المرشحين والمرشحات والأهداف وفي تحديد آليات العمل لمراكمة التحويل والتغيير والانتقال من استخدام البشر وملهاة التمثيل المعزول عن الفعل والاحترام والأخلاق، ولا يسع المرء إلا ختم الفكرة السابقة بالقول: كفى تلاعباً بعقول ومشاعر شعب أعطى الكثير الكثير من التضحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى