أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب قواعد الديمقراطية الغائبة

مهند عبدالحميد ٦-٧-٢٠٢١م

مسيرة يوم السبت الماضي في رام الله كان لها وقع مريح لدى الرأي العام والمشاركين بصرف النظر عن الاختلاف والتباين في الآراء.
فقد عبر المحتجون عن مواقفهم بحرية وحافظت قوى الأمن على النظام. وهذا ما يريده كل حريص على السلم الأهلي وعلى حل التناقضات في صفوف الحركة السياسية والشعب بأسلوب ديمقراطي. نجحت مسيرة السبت الماضي لكن المشكلة لم تحل حتى الآن. فرغم اعتراف الجهات الرسمية وغير الرسمية بجريمة قتل الناشط السياسي نزار بنات، إلا أن المحاسبة عليها ما زالت معلقة، ولم تتخذ السلطة إجراءات احترازية فورية لا أثناء الجريمة ولا بعدها كما درجت على فعله السلطات التي تحترم مواطنيها مع أحداث شبيهة، كإقالة مسؤولين ومبادرة البعض بتقديم استقالاتهم.
في وضعنا الحالي يعتقد كثيرون أن نزع فتيل الاشتعال وإنهاء الاحتقان الداخلي، يكون بإعلان نتائج التحقيق في قضية نزار بنات، ومحاكمة المسؤولين وإصدار أحكام تنتصر للعدالة ولحق المواطن في الحياة وفي التعبير عن آرائه، والعودة لحوار هدفه الخروج من حالة الاختناق السياسي.
بادئ ذي بدء، تحتاج السلطة والمعارضة السياسية والجماهيرية إلى تهيئة مناخ ديمقراطي يستطيع فيه كل طرف ممارسة دوره في الدفاع عن الشعب وحقوقه الوطنية والمدنية وفي نقد وتصويب كل قصور وتقاعس وانحراف عن البوصلة الوطنية وعن الحق في ممارسة الحريات.
توفير المناخ الديمقراطي يتطلب من السلطة الرسمية إخراج ذريعة «المؤامرة» سواء وجدت أو لم توجد من المعادلة ومن قضايا الاختلاف المتفاقمة في الواقع الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.
وإذا كان هدف المؤامرة هو الاستحواذ على السلطة مثلاً، فإن توظيفات المؤامرة تشكل الوجه الآخر لها، يحدث ذلك عندما يجري تبرير الأخطاء والانتهاكات وبخاصة القمع بالمؤامرة، وكذلك تبرير التراجعات في كل ما يتعلق بالإصلاح والتغيير الديمقراطي والانتخابات بالمؤامرة.
إن وجود مؤامرة لا يسمح بتعطيل القانون، ولا يستدعي شحن الموالين بروح التعصب والجزع، وفي المحصلة لا ينبغي أن يدفع الشعب ثمن المؤامرة.
عندما يكون السلب الممارس من الآخر الفلسطيني هو المبرر الوحيد للبديل نصبح أمام أزمة غير قابلة للحل.
وعندما يتحول السلب في الصراع الداخلي الفلسطيني بين سلطة ومعارضة إلى كل شيء، تكون نتيجة البناء الديمقراطي لا شيء.
يحتاج المعارضون إلى معيار واضح للخيانة والعمالة، فالتحريض والتعبئة المعززان بالكراهية واللذان يضعان سلطة أوسلو ومعها حركة فتح والبعض يضيف لهما منظمة التحرير في خندق الاحتلال وموقع العدو الذي ينبغي محاربته، يترتب عليه إعادة النظر بالشرعية والتمثيل دون مواربة.
وفي حالة اقتناع المعارضين بهذا التعريف يصبح الانقسام والاستقطاب بين عملاء ووطنيين أمراً ضرورياً وواجباً.
إن التعامل بثنائية عملاء ووطنيين ينسف أي أساس لعمل مشترك بما في ذلك مشاركة قوى المعارضة في مؤسسات السلطة (مجلس تشريعي وحكومة) بمرجعية اتفاق أوسلو، وكذلك في مؤسسات المنظمة (مجلس وطني ومجلس مركزي ولجنة تنفيذية).
ولما كان الاحتلال الاستعماري يشكل نقيضاً للمشروع الوطني فإن إعلان الحرب على الاحتلال وأتباعه والمبادرة إلى حرب أهلية يصبح منطقياً.
كثيرون عبروا عن ذلك في خطاباتهم وكتاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر بعض الفضائيات وأثناء المسيرة.
لا يوجد مثل هذه المواقف في أدبيات تنظيمات المعارضة الإسلامية واليسارية ولا في مواقف مؤسسات المجتمع المدني. لكن بعض هذه المعارضات أو أجزاء منها أو كوادر فيها تساوقت مع وسم السلطة بالعمالة للاحتلال وركبت موجات التحريض العالية وبخاصة بعد جريمة قتل نزار بنات.
ربما أرادت المعارضة اغتنام هذه الفرصة في إضعاف السلطة وتهميشها ووراثتها. لا يفهم المرء سر قبول تنظيمات المعارضة للحوار الوطني والاتفاقات المترتبة عليه خلال سنوات، ولا سر قبول الاجتماع بمشاركة الأمناء العامين وقيادة الفصائل مع أطراف محسوبة على الاحتلال وتعمل ضد شعبها وقضيته.
لا بد من العودة إلى معايير الخيانة والوطنية برؤية سياسية موضوعية وتاريخية. أهم عنصر في هذه المعايير الذي يستطيع إحداث فرق أو مقاربة للمفاهيم، أقدمه هنا في صيغة سؤال، هل يستطيع أي تنظيم أو مجموعة من التنظيمات أو المجموع الفلسطيني رفض الحل الدولي للقضية الفلسطينية المعبر عنه في مجموعة من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والمنظمات الدائرة في فلك الأمم المتحدة ؟
وفي نفس الوقت البقاء ضمن الشرعية الدولية، والبحث عن صيغة جديدة قد تحظى بدعم مجموعة من الدول بعدد أصابع اليدين في أحسن الأحوال. كيف يمكن بناء ميزان قوى دولي وعربي وإقليمي يسمح بهزيمة دولة نووية متحالفة أو مدعومة من الامبريالية وبتحقيق العدالة المطلقة للشعب الفلسطيني.
قد يقول البعض إن بمقدور إيران وحلفائها تدمير إسرائيل. في الوقت الذي لا تستطيع فيه إيران وحلفاؤها الرد على الضربات التي توجه لهم في سورية طوال الوقت.
فضلاً أن معركة إيران لم تكن في يوم من الأيام معركة تحرير فلسطين بل معركة نفوذ ومكانة إقليمية في جوهرها.
عندما يأخذ المجلس الوطني قراراً بشبه إجماع ينص على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران العام 1967، ولم يتم التراجع عن هذا البرنامج واستبداله ببرنامج آخر فإن الموافقة على هذا البرنامج والعمل على تحقيقه لا يندرجان بتاتاً في بند الخيانة والتفريط، ولا يحق ولا يجوز قذف هذه التهمة في وجه مؤيدي البرنامج.
وفي الوقت نفسه من حق أي ناشط سياسي وأي تنظيم اعتماد برنامج سياسي آخر جذري والعمل من أجل أن يتحول إلى برنامج لأكثرية القوى والشعب، وفي النهاية فإن الشعب هو الذي يقرر دعم أو عدم دعم هذا البرنامج أو ذاك.
يطيب للبعض شطب مرحلة تاريخية كاملة بشهدائها وأسراها وجرحاها وتفاني وعطاء ومعاناة الآلاف المؤلفة من المناضلين ومن الرموز الثقافية والشعبية والتربوية، يطيب لهم شطب ذاكرة شعب بشطب الوجه الرئيس المشرق للنضال محط اعتزاز وفخر ليس فقط الشعب الفلسطيني وإنما معظم شعوب العالم.
هؤلاء لا يرون من كل تلك المرحلة إلا أخطاء وانحرافات وحماقات وسرقات وسفالات وهي الوجه الثانوي للنضال بكل المقاييس، ولا يكتفي هؤلاء بذلك بل يلخصون مرحلة الثورة بأجهزة أمن تنسق مع الاحتلال، صحيح أنه وجه قبيح لهذه المرحلة كونه يترافق مع ممارسات تعميق الاحتلال والاستيطان والنهب والسيطرة على الشعب والذي ينبغي وقفه فوراً، إلا أنه لا يلخص كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى