أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب – الجديد في العلاقة الفلسطينية العربية

مهند عبد الحميد

لأول مرة لا تستجيب جامعة الدول العربية لطلب فلسطين عقد اجتماع  طارئ، للبحث في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي أعلن عنه. ولم يرد أمين عام الجامعة العربية على الطلب الا بعد عشرة ايام تقريباً، حيث أحيل الطلب الفلسطيني على الاجتماع الدوري  للجامعة في أيلول القادم. التأخير في الرد  والإحالة الى الاجتماع الدوري يعني بقراءة موضوعية، أن موضوع الطلب ليس ذا أهمية استثنائية او خطيرة بالنسبة لأصحاب القرار في مؤسسة الجامعة. والدليل على ذلك ان دولاً عربية سارعت الى تأييد الاتفاق ومباركته صراحة وعلناً، ودول أخرى التزمت الصمت، ومعروف أن السكوت في العادات العربية يعني علامة رضا. الجزائر وتونس والكويت بلدان اتخذت مواقف غير ملتبسة من الاتفاق، وما عدا ذلك توزعت المواقف بين مؤيد وملتبس. بدورها لم تستجب منظمة التعاون الإسلامي لطلب فلسطين بعقد اجتماع طارئ لتحديد موقف من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، لأن الطرف المسيطر (المجموعة العربية) لا يرغب في ذلك.
الموقف الرسمي العربي لم يكن مفاجئاً إلا من زاوية التوقيت الذي له صلة بالانتخابات الأميركية وتراجع حظوظ ترامب بالفوز في ولاية ثانية، كما له صلة بأزمة نتنياهو التي تتفاعل داخل إسرائيل في غير صالحه. لقد مر قرار ضم القدس ونقل السفارة الأميركية اليها بلا ضجيج عربي رسمي وإسلامي، فقط صدرت بيانات وكفى الله المؤمنين شر القتال، ومر الإعلان عن صفقة القرن التي تعبر عن موقف عتاة المتطرفين والمتزمتين الإسرائيليين من الحقوق الفلسطينية، بدون اعتراضات عربية رسمية جدية وعملية، وكانت دول عربية شاركت في مؤتمر المنامة «الشق الاقتصادي لصفقة القرن، ما يؤكد تعاطيها العملي مع الحل الإسرائيلي الاميركي المتنكر للحقوق الفلسطينية المشروعة، والذي يثبت الاحتلال والسيادة والسيطرة الاستعمارية الاسرائيلية على أراضي الشعب الفلسطيني. اذا اردنا التحقق من الموقف السياسي علينا الذهاب الى الاقتصاد، ليس فقط وعود مؤتمر المنامة التي تعتمد على المال العربي اساسا، بل بفحص مغزى تقليص ووقف الدعم المالي للسلطة والمنظمة، وبرد طلب فلسطين بشبكة أمان مالية بقيمة 100 مليون دولار شهرياً بالترافق مع قرصنة دولة الاحتلال لأموال المقاصة (الضرائب)، ذلك الطلب الذي هو عبارة عن تنفيذ  لقرار عربي جرى اعتماده في أكثر من قمة عربية. في شأن المال لم يقتصر الموقف العربي على عدم تأمين شبكة أمان بل امتد الى استنكاف معظم الدول عن دفع الاستحقاقات المالية التي تذهب الى موازنة السلطة والمنظمة، استجابة لطلب إدارة ترامب بممارسة ضغوط اقتصادية من أجل دفعهما للتفاوض على صفقة القرن والقبول بها، مع العلم ان التفاوض لا يمس القضايا الاساسية كاللاجئين والقدس والاستيطان والسيادة التي أزالها مهندسو الصفقة عن طاولة التفاوض.
الامتناع عن اجتماع طارئ للجامعة له مدلول كبير عنوانه تغيير قواعد اللعبة السياسية العربية في إطار جامعة الدول العربية، والأدق قولاً هو ترسيم التغيير القائم فعلاً. الجديد في الموقف العربي النافذ او الجهات المقررة هو رفع الغطاء العربي الرسمي عن السياسة الرسمية الفلسطينية الذي كان لسان حاله في السنوات الأخيرة تأييد الموقف الفلسطيني وتأمين الغطاء العربي له. هذا ما حدث في قمة الرياض التي أعقبت إعلان ترامب عن ضم القدس، وما حدث من استجابات عربية  للطلبات الفلسطينية بعقد اجتماعات للمؤسسات الدولية. كانت المعادلة إضفاء نوع من الشرعية العربية على الموقف الفلسطيني المغاير للمواقف العربية. وفي المقابل استخدام هذا التأييد كغطاء للتحولات في السياسة العربية. بعد الاعلان عن اتفاق الامارات تغيرت هذه المعادلة، جُرِدَ الموقف الفلسطيني من الغطاء العربي، واستبدل باستخدام القضية الفلسطينية من أطراف عربية، مباشرة ومن غير وسيط فلسطيني، حيث تضمن الإشهار عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، بنداً ينص على «تعليق ضم الأراضي لإسرائيل» ولكن على قاعدة صفقة القرن. فالتعليق والتأجيل لا يمس جوهر فرض السيادة الإسرائيلية وتشريع الاستيطان وضم القدس. بمعنى تعليق ضم 30% من الأراضي الفلسطينية على قاعدة بقائها تحت الاحتلال والسيادة الإسرائيلية، وعلى قاعدة  قبول الصفقة المدمرة للحقوق الفلسطينية من وجهة نظر الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني وحركته السياسية. الانقلاب على الشرعية العربية الذي جاء عبر الاتفاق الاماراتي الاسرائيلي، أتى أولاً وقبل كل شيء على «مبادرة السلام العربية»، وتحصيل حاصل أتى على ميثاق الجامعة العربية. هل يجوز التحلل من الشرعية العربية ومن السياسات المشتركة، بدون إعلان وتبرير؟ هل يجوز الاستقواء بقوى التوحش العالمي (ترامب نتنياهو وبولسونارو وغيرهم) الذين تحللوا من القانون الدولي والمنظمات الدولية كمجلس حقوق الانسان واليونسكو والاونروا ومن اتفاقات المناخ وغير ذلك، والحذو حذوهم في التحلل من القانون والشرعيات والقضايا المشتركة وبخاصة القضية الفلسطينية.
كان القرار العربي حصيلة موازين القوى في كل المراحل، وكانت محصلة  تحييد مصر عبر اتفاقات كامب ديفيد، والتحولات اللاحقة في الأنظمة العربية كخروج العراق من الصراع، التوصل الى «رؤية لحل الصراع العربي الإسرائيلي باسم «مبادرة السلام العربية» التي وضعت شروطاً للتطبيع مع إسرائيل كإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية. كانت المبادرة مجرد عرض يفتقد لآلية وخطة وجدول زمني، لكنها ظلت موقفاً مشتركاً ومرجعية. والآن جاء الاتفاق الإماراتي ليهيل عليها التراب. ولا شك في أن هذا التراجع حدث ايضا بفعل موقف مصر التي كانت من السباقين الى تأييد الاتفاق الإماراتي الاسرائيلي. بعد كل هذا، ما هو المشترك العربي الرسمي الذي يبرر بقاء جامعة الدول العربية. صحيح ان القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية لدى الدول العربية، لكنها كانت أشبه بلاحم يتيح الشراكة بين الدول في مختلف المحافل حتى لو اقتصر ذلك على الأقوال بدون أفعال او على جانب رمزي. الآن جرى تقويض الأقوال ايضاً. ولما كان من المستحيل التحول الى إسرائيل كلاعب لدور اللاحم بين الدول والإمارات وجمهوريات العسكر والنظم المملوكية الجديدة بديلاً لفلسطين. اذا كان ذلك يستعصي على الفعل لأنه سيخلق اضطراباً ورفضاً لدى الشعوب العربية، فإن الحل من وجهة نظر أبناء النظام العربي الجديد يكون بإخضاع او باستبدال التمثيل الفلسطيني، وقد بدؤوا فعلا بالتحضير للاستبدال. بدؤوا بتحضير دحلان وجماعته المفصولين من حركة فتح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى