أقلام وأراء

مهند عبد الحميد يكتب إنجازات مقدسية أحدثت تغييراً في قواعد الصراع

مهند عبد الحميد 11/5/2021

حقق المقدسيون بزنودهم وبتضحياتهم ثلاثة إنجازات هامة في جولة جديدة من المقاومة الشعبية امتدت طوال شهر رمضان. الإنجاز الأول، الحفاظ على باب العامود ومدرجاته كحيز عام للمقدسيين ونقطة انطلاق للدفاع عن البلدة القديمة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وجسر يربط البلدة القديمة بالأحياء المقدسية خارجها. بعد مواجهات يومية شجاعة أفشل المقدسيون محاولة سلطات الاحتلال انتزاع هذا المكان وتحويله الى ثكنة عسكرية وحيز خاص بالفاشية الاستيطانية، وكان عنوان الفشل تراجع سلطات الاحتلال عن قرارها. الإنجاز الثاني: وقف تمرير قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي كان سيؤمن غطاء قانونياً (بصيغة تسوية) للسيطرة على بيوت المقدسيين في الشيخ جراح، وبفعل مقاومة المقدسيين أرجأت المحكمة العليا البت في هذه القضية الى أجل غير مسمى. الإنجاز الثالث قرار حكومة الاحتلال بمنع اقتحام الفاشية الاستيطانية للمسجد الأقصى وباحاته. صحيح ان التراجع الإسرائيلي لم يكن نهائياً، ومن المحتمل استئناف المحاولات طالما اتخذ بصيغة تأجيل او تعليق وتجميد. إلا ان ذلك التراجع راهناً أمام حركة شعبية يكتسب أهمية كبيرة. ويؤكد ان الاحتلال لا يتراجع من تلقاء ذاته ولا بالتوسط من دول اخرى ولا بالتفاوض المعزول عن المشاركة الشعبية. الاحتلال يتراجع فقط بالمواجهة وبإرادة الشعب المتضرر من عمليات النهب والمصادرة والإقصاء والتطهير العرقي وقمع الحريات.

يجوز القول إن تغييراً طرأ على قواعد الصراع الفلسطيني مع المحتلين الإسرائيليين، فلم يعد التعويل على الشكاوى والاجتماعات والبيانات غير المسنودة بمواقف عملية مجزياً، ولم يعد التهديد والوعيد بزلزلة الأرض من تحت أقدام المعتدين مقنعاً او مفيداً، ولم يعد أحد من الأصدقاء والأعداء يلتفت الى خطابات نفاد الصبر، ووضع القوات في أعلى درجات الاستنفار. أصبح الخطاب الذي وعد بتدمير إسرائيل او أجزاء منها لا يغير شيئاً. فقط مواجهة الاعتداءات على الأرض بمشاركة أكبر عدد من الشبان والشابات والمواطنين هو الذي يؤتي أكله مباشرة، وهو الذي يخلق حركة تضامن شعبية عالمية وعربية في العديد من البلدان، ويؤدي في المحصلة الى ممارسة الضغوط الشعبية على الحكومات، وعلى دولة الاحتلال.  

كان وراء الإنجازات العينية التي تبدو صغيرة إنجازات سياسية كبيرة يأتي في مقدمتها انكشاف الأهداف الإسرائيلية الحقيقية أمام العالم وزيف السلام الذي تتستر به الحكومة الإسرائيلية وتستخدمه لتحقيق أهدافها. وزوال الفوارق بين الدوائر الاستيطانية والحكومة والمحكمة العليا. يقول يونيتان يوسيف الناطق باسم المستوطنين في الشيخ جراح : «سنسيطر على بيت بعد بيت ليصبح هذا الحي – يقصد حي الشيخ جراح- حياً يهودياً بالكامل، وبعد ذلك سننتقل الى حي آخر ونسيطر عليه، الى ان تصبح القدس الشرقية يهودية بالكامل كما هو حال القدس الغربية وتصبح القدس الموحدة عاصمة يهودية لدولة إسرائيل». ويتساءل يونيتان: هل هذه السيطرة على حساب العرب؟ ويجيب: نعم على حساب العرب، مؤسساتنا بما في ذلك الكنيست ودولتنا انبنت على حساب العرب، وهذا هو المشروع الصهيوني ونحن امتداد لهذا المشروع». قد لا يكون هذا الكلام جديدا فقد درجت المنظمات الاستيطانية والأحزاب الدينية والقومية على تعبئة الجمهور الإسرائيلي «بالحق» في فعل ذلك، اي بممارسة أشكال من التطهير العرقي، استناداً لأيديولوجيا دينية. ولم يكن غريباً ان المستوطنين يستندون في ادعاءاتهم وهم يسيطرون على الأراضي الفلسطينية في القدس وخارجها «للتوراة «. واذا كانت الادعاءات الإسرائيلية مستترة سابقاً، فإن الوضع راهناً يختلف، من زاوية انحسار المسافة بين الموقف الرسمي وجماعات كهانا وتدفيع الثمن ومؤسسات الاستيطان وعموم معسكر اليمين الديني والقومي، وصولاً الى نتنياهو الذي يتحدث عن حق قانوني للمستوطنين في الشيخ جراح، ونهاية بالمحكمة العليا الإسرائيلية التي تستند الى ادعاءات قانونية.

يحتاج المقدسيون خاصة والشعب الفلسطيني عامة في دفاعهم عن منازلهم وأحيائهم ومدنهم وبلداتهم الى إشهار السلاح القانوني من غمده. فلا يوجد بلد او حكومة او شعب في القرن الـ 21 يستبدل القانون الدولي والمواثيق الدولية كمرجعية لكل الشعوب على الأرض بادعاءات أيديولوجيا أصولية. تبرز الحاجة اكثر من اي وقت مضى الى حسم الازدواجية في الموقف الدولي، وبخاصة الموقف الذي عبر عنه الكونغرس الأميركي وإدارات أميركية متعاقبة، بإجازتهم تعطيل إسرائيل للقانون الدولي واستبداله بأيديولوجيا تعصبية، وتأمين الغطاء السياسي لهذا الاستبدال الذي قاد الى جميع الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، سيما وأن الاستبدال القانوني الإسرائيلي لا يضاهيه الا الاستبداد القانوني الداعشي. ولا بديل ايضاً عن تدفيع دولة إسرائيل الثمن من قبل الاتحاد الأوروبي ودول عدم الانحياز وروسيا والصين واليابان التي ترفض الاستبدال القانوني الإسرائيلي، لكنها تتعايش معه كأمر واقع ولا تحاسب إسرائيل على انتهاكاتها الفادحة.

كان الموقف «القانوني» الأكثر استفزازاً، هو ادعاء المستوطنين والمحكمة العليا بأن الأرض المقامة عليها بيوت المقدسيين في الشيخ جراح كانت ملكية يهودية قبل حرب 1948، قافزين بخفة مدهشة عن حقيقة أن كل الأرض المقامة عليها دولة إسرائيل كانت ملكية فلسطينية، وان أحياء بأكملها في القدس الغربية لها أصحاب فلسطينيون بعضهم أحياء يرزقون والبعض الآخر لهم ورثة من الأبناء والبنات والأحفاد يعرفون ملكية آبائهم وأجدادهم التي تؤول اليهم بالوراثة. تنفرد إسرائيل وبعض قوى الهيمنة بانتقاء ما يحلو لها من قوانين او في الدوس على كل القوانين والتعامل بمنطق غطرسة القوة وشريعة الغاب. ففي زمن العولمة وقبل ذلك يستطيع أي رجل أعمال وأي حكومة وأي شخص متوسط الحال شراء أراض وعقارات في أي بلد دون ان ينزع عنها هوية البلد ودون ان يلصق بها هوية بلاده، ما عدا إسرائيل والإسرائيليين في فلسطين، حيث تتحول اي ملكية -غالباً باستخدام النصب والاحتيال- الى أرض إسرائيل وترفع عليها الأعلام الإسرائيلية ويتولى الجيش حمايتها وتتدفق علي أصحابها الأموال والامتيازات، هذا التحويل ليس له الا اسم واحد هو الشذوذ القانوني. إزاء ذلك يعاني المستوى القانوني الفلسطيني من ضعف او خلل قانوني، فلماذا لا يتم مطاردة الإسرائيليين قانونياً في كل المنابر الدولية وفي كل مكان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى