أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: رؤية غير موضوعية للمعضلات الفلسطينية

مهند عبد الحميد 9-12-2025: رؤية غير موضوعية للمعضلات الفلسطينية

تحدث د. رشيد الخالدي عن «معضلات القضية الفلسطينية» الشائكة في حلقة بودكاست كان أهمها

أولا: مقاومة المستعمرين:

أكد الخالدي على حق أي شعب يتعرض للاقتلاع والاحتلال الاستيطاني باستخدام مختلف أشكال المقاومة التي يجيزها القانون الدولي، وقدم نماذج لمقاومة الشعب الجنوب أفريقي والجزائري والفيتنامي. وكان واضحا ومصيبا في الموقف المبدئي من المقاومة وتطبيقاتها. لكنه لم يتوقف عند تطبيق الشعب الفلسطيني لحقه في المقاومة ولا عند تجربة المقاومة الإسلامية التي اتبعتها «حماس» ومحور المقاومة والممانعة وبخاصة هجوم 7 أكتوبر. اكتفى الخالدي بالموقف المبدئي الذي لم يكن محط خلاف. فلم يتطرق إلى شكل المقاومة الرئيس الذي يتناسب مع خاصية الاستعمار الإسرائيلي المتمرد على القانون الدولي، ويتناسب مع القدرات والمقومات الفلسطينية المحدودة. لم يجب الخالدي عن سؤال: هل تستطيع المقاومة والشعب المحاصر الذي تتحكم سلطات الاحتلال بدخول وخروج كل شيء أن تعلن حربا شاملة على دولة مدججة بأحدث ترسانة سلاح ومدعومة بالمال والسلاح و»الفيتو» الأميركي وبأيديولوجيا خلاصية. لم يقل الخالدي، إن 7 أكتوبر كان مقامرة غير محسوبة قدمت ذريعة لوضع خطة تدمير وتفكيك وتهجير المجتمع الفلسطيني على دكة التنفيذ. تحدث عن فشل اتفاق أوسلو والخطأ الجسيم الذي ارتكبته القيادة الفلسطينية، ولم يتحدث عن فشل المقاومة المسلحة التي تقودها «حماس» في قطاع غزة والضفة الغربية. على الأقل، لم يقل الخالدي، إن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني لا يتناسب أبدا مع النتائج التي عبرت عنها خطة ترامب التي تنص على استسلام المقاومة وخروجها من الحكم وفرض الوصاية الأميركية الإسرائيلية على الحالة الفلسطينية برمتها، ولم يتوقف عند احتمال استمرار احتلال 58% من أراضي قطاع غزة ومواصلة تدمير ما تبقى.

ثانيا: وصف الخالدي السلطة بأنها شرطي يوفر الأمن للمستوطنين والاحتلال، ومرتزقة تعمل مع العدو، وتأخذ الأموال من إسرائيل وأميركا ودول الخليج، ويقول، إن 90% من الفلسطينيين يقفون ضدها. وهذا يعني انتقال السلطة والمنظمة وحركة فتح وفصائل أخرى إلى خندق الاحتلال والاستيطان واصطفافها مع عدو الشعب الفلسطيني. مثل هذا التقييم مأخوذ به في الخطاب الموجه للرأي العام الفلسطيني والعربي الذي يختصر السلطة الفلسطينية «بالتنسيق الأمني مع جيش الاحتلال» وهو بند في اتفاق أوسلو كما هو بند في «كامب ديفيد» و»وادي عربة» وفي اتفاقيات الهدنة الأربع مع حركة حماس عبر الأمن المصري والقطري. العالم ومؤسساته الدولية يتعامل مع السلطة والمنظمة باعتبارها الشرعية الفلسطينية التي تمثل الشعب الفلسطيني، ويتجلى ذلك في اعتراف 160 دولة بفلسطين. أسئلة عديدة يطرحها تشخيص الخالدي، لماذا يقبل العالم وبخاصة الدول الداعمة لتحرر الشعب الفلسطيني بتمثيل مرتزقة وعملاء لشعب يكتوي بنار الاحتلال؟ لم يسبق أن حدث ذلك؟ ما يضع موقف الخالدي للشرعية الفلسطينية في تناقض حاد. وكي يكون موقفه منسجما يفترض به رفض الاعتراف الدولي بالمرتزقة والعملاء كممثلين للشعب الفلسطيني، أو التراجع عن موقفه وإعادة قراءة طبيعة النظام الفلسطيني بمعايير موضوعية وتاريخية. وفي هذا الصدد، يمكن القول، إن المجلس الوطني عرَّف المشروع الوطني الفلسطيني، بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على الأراضي المحتلة العام 67 وإنهاء الاحتلال والاستيطان فيها وحل قضية اللاجئين استنادا للقرار 194 وإقامة الدولة الفلسطينية على تلك الأراضي. التنظيم والسلطة والمنظمة والقيادة التي تتخلى عن المشروع الوطني ولا تعمل من اجل تحقيقه بأشكال النضال الملائمة بعضها أو كلها، وتتبنى المشروع المعادي وتجند نفسها في خدمته تصبح جزءا من العدو الذي ينبغي النضال ضده وإسقاطه. ولكن إذا استعنا بالذاكرة سنكتشف أنه منذ 1988 تبنى المجلس الوطني دورة الانتفاضة الكبرى، بشبه إجماع البرنامج المذكور ولاحقا اعتمد المجلس الوطني اتفاق أوسلو كخطوة في المشروع الوطني وبقيت برامج «فتح» والمنظمة والسلطة والدولة على حالها. واعتمدت النضال اللا عنفي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي لتحقيق ذلك. غير أن تنظيمات الإسلام السياسي اعتبرت التزام المنظمة والسلطة و»فتح» بالحل الدولي وقراراته خيانة، لأنها تتنازل عن 78% من أراضي فلسطين التاريخية – الوقف الإسلامي -. هكذا اختلف مفهوم الخيانة والوطنية بين قوى وأخرى واستخدم كسلاح تعبوي سرعان ما استقطب فئات مجتمعية واسعة وتنظيمات، وبخاصة بعد صعود اليمين القومي الديني الإسرائيلي وتبنيه لبرنامج «أرض إسرائيل التوراتية» المعبر عنه في «قانون القومية» وبرنامج حكومة نتنياهو الكهانية. اعتبر نتنياهو وحكوماته أن السلطة والمنظمة وبرنامجهما اكثر خطرا فحرصت على إضعافهما من خلال تجريد السلطة من معظم الصلاحيات وخنقها اقتصاديا عبر قرصنة أموال المقاصة بذريعة دعم اسر الشهداء والجرحى والمعتقلين. علما أن المصدر الرئيس للموازنة هي الضرائب التي تجبيها إسرائيل من المواطنين والتجار الفلسطينيين. وقد أصبحت السلطة عاجزة عن تشغيل الجهازين المجتمعيين الأساسيين: جهاز الصحة والتعليم، وغير قادرة على دفع رواتب الموظفين الحكوميين، في الوقت الذي توقف فيه الدعم الأميركي منذ إدارة ترامب الأولى وحتى الآن وانحسر فيه الدعم الأوروبي والعربي إلى اقل من الخُمس بتأثير الموقف الأميركي ومن أجل الضغط على السلطة للقيام بإصلاحات في بنيتها. تقول تقديرات إسرائيلية وأوروبية والبنك الدولي، إن السلطة على أبواب انهيار اقتصادي، خلافا للدعم الإسرائيلي والأميركي والخليجي غير الموجود الذي تحدث عنه الخالدي كسبب وحيد في استمرار سلطة المرتزقة على قيد الحياة.

ثالثا: في إجابته عن سؤال لماذا أجبر الشعب الفلسطيني على البقاء في قطاع غزة في مكان محاصر وغير آمن وعرضة للإبادة. قال الخالدي، الشعب الفلسطيني لا يريد أو لا يرغب في الهجرة، الخروج لم يكن مطروحا، ومصر والأردن تعرضتا لضغوط كبيرة للموافقة على تهجيره لكنهما رفضا الضغوط. كل الشعوب التي تعرضت لخطر الموت اضطرت إلى مغادرة مكان الخطر وكان آخرها السودان وأوكرانيا اللتان خرج مواطنوها بالملايين لتفادي الموت والعذاب، وإقليم ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان خرج سكانه عن بكرة أبيهم بمجرد التهديد بالحرب. الشعب الفلسطيني لا يختلف عن الشعوب الأخرى وقد مارس هجرة داخل قطاع غزة مرات كثيرة في سعيه للدفاع عن حقه المشروع في الحياة وتفادي الموت والعذاب. القول، إن الشعب في القطاع لم يطلب ولا يقبل بالهجرة خارج فلسطين، يعادل خطاب الصمود البطولي الطوعي الذي أسقطه البعض على الشعب. وفي الحالين تُبرر جريمة عدم تأمين الحماية بحد أدنى أو أقصى لمجتمع يتعرض للإبادة. نعم، تُرك المجتمع وخاصة الأطفال والمسنين والحوامل والمرضى والجرحى بانتظار القنابل والصواريخ، تركوا ينتظرون موتهم. هذه جريمة كبرى يندى لها جبين الإنسانية، يتحمل مسؤوليتها أولا إسرائيل التي تمارس الإبادة. وثانيا الأمم المتحدة ومؤسساتها والمنظمات الحقوقية ذات الاختصاص، وثالثا حركة حماس التي بادرت إلى حرب شاملة بدون توفير النزر القليل من الحماية. القول، إن الضحايا لم يطلبوا يصعب فهمه وتصديقه ونحن نرى الأكثرية الساحقة من المواطنين المنكوبين يطلبون الحماية كما طالبوا بالماء والخبز والدواء. قد تكون الحماية في المكان وقد تكون بفرض وقف الحرب، وقد تكون حماية مؤقتة خارج المكان بضمان دولي.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى