أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: خلط الأوراق بدون تغيير الجوهر

مهند عبد الحميد 2023-03-14خلط الأوراق بدون تغيير الجوهر

تأسست فكرة إبرام الاتفاقات الإبراهيمية الخليجية الإسرائيلية على فرضية استقواء الدول الخليجية بإسرائيل في مواجهة خطر إيراني داهم. أو كما سبق لمسؤول سعودي وأن تساءل في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في حزيران الماضي 2022: لماذا لا تكون لدينا علاقة مع إسرائيل ضد إيران لحماية أنفسنا؟» يوجد نزاع على النفوذ بين الخليج بزعامة السعودية وإيران في الجهة الأخرى، وقد تجلى النزاع بمستوى حاد أثناء انتفاضات سورية واليمن والبحرين ولبنان، وفي العراق وفلسطين. بديهي أن الدول الخليجية تعتمد على الحماية الأميركية والغربية باعتبارها مناطق نفوذ ومصالح حيوية أميركية، بمعنى انها لم تكن تحت رحمة اجتياح وسيطرة إيرانية مباشرة وداهمة.

في إطار النزاع بين القطبين حدث تغلغل للنفوذ الإيراني عبر ميليشيا الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سورية، وكذلك من خلال الحشد الشعبي ومليشيات أخرى في العراق، وكان التغلغل الإيراني يستند الى قاعدة طائفية تدين بالولاء لإيران، باستثناء فلسطين التي سجلت حضوراً ايرانياً تحت شعار دعم المقاومة، وواقع الحال لاستخدامها كورقة ضغط لتحسين النفوذ الايراني في المواقع الأخرى. قد يتحول النفوذ داخل تلك البلدان الى سيطرة وتحكم في الدولة كما حدث في اليمن ولبنان. الى جانب ذلك تعرضت البحرين وشرق السعودية إلى محاولة تغلغل إيراني عبر الطائفة الشيعية في البلدين، لكن المحاولة صُدت بقمع السلطات العودية والبحرانية. وبالمثل قُمعت محاولات تغلغل النفوذ السعودي في العراق وسورية ولبنان واليمن عبر المليشيات المحلية المدعومة من إيران. إن تغلغل النفوذ والسيطرة في النموذج الإيراني اعتمد أساساً على ولاء البنيات الداخلية، ولم يرقَ الى مستوى خطر الاجتياح، في التجربة السورية كادت المعادلات الداخلية تطيح بحكم الأسد ولم تنجح إيران ومليشياتها في صد الخطر الى أن تدخلت روسيا عسكرياً وحسمت الصراع لمصلحة النظام.

اعترفت دول 5+1 بإيران كدولة إقليمية مهمة من خلال الاتفاق النووي. وكانت وظيفة الاتفاق تأهيل إيران لتكون عضواً في النظام الدولي الذي تهيمن عليه أميركا. وبهذا الاتفاق تبوأت إيران مكانة إقليمية فاقت في أهميتها المملكة السعودية ومصر والعراق وسورية. مكانة ايران جاءت نتيجة لحضورها في العديد من المجالات رغم العقوبات والحصار، وهامشية الدول العربية جاءت نتيجة لغيابها وعدم منافستها رغم إمكانياتها الهائلة. الإقرار الأميركي الغربي بمكانة إيران الإقليمية دفع دولا خليجية للبحث عن قوى تجعلها حاضرة إقليمياً، فوجدت ضالتها في التحالف مع إسرائيل، قبلت اميركا بالتحالف الجديد باعتبار جميع مكوناته ضمن علاقات التبعية. ولأن إسرائيل لا تتوقف عند المسألة الديمقراطية ولا حقوق الإنسان، فقط تستند للمصالح وبأي ثمن. وجاءت إدارة ترامب لتدعم التحالف والتطبيع بين إسرائيل وتلك الدول على قاعدة المصالح ودفع الأموال بمعزل عن أي اعتبارات لحقوق الإنسان والديمقراطية، لكن سقوط إدارة ترامب في الانتخابات أعاد الفرق.

الجديد في الأمر أن صراع النفوذ على صعيد كوني بعد صعود الصين الاقتصادي وتمرد روسيا العسكري سمح بالخروج عن قواعد العلاقات التقليدية في إطار معسكر الحلفاء وبين المتنافسين. فلم يكن الموقف الخليجي متطابقاً مع الموقف الأميركي والغربي من الحرب الأوكرانية، فقد تمردت السعودية على المطلب الأميركي بزيادة حصص إنتاج النفط للتغلب على الأزمة الناجمة عن حرب أوكرانيا، وحافظت على النسبة ذاتها.

جاء الاتفاق الإيراني السعودي وإعادة العلاقات بين البلدين متناقضاً مع الأسباب التي سوغت إبرام اتفاقات أو ممارسة أشكال من التعاون الاقتصادي والأمني الخليجي مع إسرائيل. تحول الخطر الإيراني من تهديد مباشر ووشيك الى علاقة تعاون في مختلف المجالات بما في ذلك تفعيل الاتفاقات السابقة في مجال الاقتصاد والتجارة والأمن والعلوم والثقافة. يلاحظ ان الدول الخليجية تجمع بين العلاقة مع إسرائيل والعلاقة مع ايران، خلافاً للتقدير الذي تسرع في تقدير أن الاتفاق جاء على حساب الاتفاقات مع إسرائيل وربما بديلاً عنه. لقد سحبت الإمارات قواتها من اليمن لمصلحة الحوثيين وعززت علاقاتها الاقتصادية مع إيران وبقيت الإمارات «المصدر الأول لواردات إيران بأكثر من 10 مليارات دولار بضائع، وتصدر إيران للإمارات حوالي 3 مليارات دولار، وكانت السباقة لإعادة سفيرها الى طهران، وكل ذلك بالترافق مع اتفاقاتها مع إسرائيل، وبادرت الإمارات الى إعادة العلاقات مع نظام الأسد حليف إيران. كان نتنياهو يأمل في إبرام اتفاق مع السعودية كي يقدمه كإنجاز نوعي له ولحكومته المتطرفة، لكن أزمة الحكم التي تعيشها دولة الاحتلال أرجأت التوصل الى الاتفاق بدون أن تلغي إمكانية تحقيق ذلك وبدون التراجع عن فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي. السؤال هل سينعكس الاتفاق ايجاباً على القضية الفلسطينية؟ أغلب الظن لا، سيستمر الحصار الاقتصادي والخنق السياسي والاستباحة الاسرائيلية للأرض والحقوق الفلسطينية الوطنية والمدنية. يلاحظ ان معدلات الزحف الاستيطاني والتطهير العرقي والقتل والاعتقال وتهويد القدس والقرصنة المالية والعقاب الجماعي زادت وتائرها بعد الاتفاقات الإبراهيمية. ومن غير المتوقع ان نشهد تغييراً في ظل المصالحة الإيرانية السعودية باستثناء بيانات تأييد فلسطين وشجب إسرائيل.

قد يتوقف الاستنزاف في حرب اليمن كمحصلة للمصالحة بين القطبين الإقليميين، وقد يصار الى تفاهم في لبنان يفضي إلى انتخاب رئيس لبناني جديد، وربما تكون الكفة راجحة قليلاً في اليمن لمصلحة السعودية وراجحة قليلاً في لبنان لمصلحة إيران. وجرى التفاهم في سورية مسبقاً وقبل إعلان الاتفاق لمصلحة نظام الأسد حليف إيران. كما تشير التوقعات الى احتمال العودة الى الاتفاق النووي مع إيران في ما يعد انفراجة تضعف التحالف الروسي الإيراني. أما الحضور الاقتصادي الصيني في الشرق الأوسط فقد تعزز سياسياً بعد الاتفاق الذي رعته الصين، يجوز القول إن أميركا لا تملك 99% من مفاتيح حل مشاكل المنطقة، أصبحت تملك مفاتيح أقل من وجهة نظر الزعماء الجدد مع بقاء احتكارها لسبل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أي سبل منع الحل.     

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى