أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: المحكمة الدولية وإعادة بناء الاستقطاب الدولي

مهند عبد الحميد 3-1-2023م: المحكمة الدولية وإعادة بناء الاستقطاب الدولي

صوتت الجمعية العامة يوم 31/12/2022 على قرار يتضمن مطالبة محكمة العدل الدولية بفتوى قانونية، وبرأي استشاري حول طبيعة وشكل الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، وضرورة تحديد مسؤوليات وواجبات المجتمع الدولي تجاه هذا الاحتلال، صوتت لصالح القرار (87) دولة وامتنعت (53) دولة وصوتت ضده (26)، دولة. وكانت محكمة العدل الدولية قد قررت أن جدار الفصل الذي أقامته دولة الاحتلال والذي اقتطع ما يقرب من 10% من أراضي الضفة الغربية غير قانوني، وطالبت المحكمة بتفكيكه وتعويض المواطنين الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم.

الرد الإسرائيلي على القرار يلخص حقيقة الغطرسة الإسرائيلية الرافضة للقانون الدولي والمتمردة عليه، ويلخص الأسباب التي تشجعها على هذا التمرد. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وضع النقاط على الحروف عندما وصف القرار «بالحقير»، وفي هذا الوصف إهانة بالغة وتحقير للدول الـ 87 التي وافقت على القرار. واستبق نتنياهو قرار المحكمة برفضه المسبق لقرارها، وقال إن حكومته لن تلتزم به. وانحاز نتنياهو للأيديولوجيا الدينية معتبراً «أن الشعب اليهودي ليس محتلاً لأرضه ولا لعاصمته الأبدية القدس، وهو بهذا يدوس على القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة التي تعتبر الأراضي الفلسطينية أراضيَ محتلة.
جلعاد أردان سفير إسرائيل لدى المنظمة الدولية رفض بدوره قرار المحكمة قبل صدوره، معتبراً أن أي قرار من هيئة قضائية تتلقى تفويضاً من الأمم المتحدة المفلسة أخلاقياً والمسيسة هو قرار غير شرعي تماماً، مضيفاً إنه لا يمكن لأي هيئة دولية تقرير أن الشعب اليهودي محتل في وطنه.

 من جهة أخرى، ورد في الخطوط العريضة الأساسية لحكومة نتنياهو -بن غفير الجديدة إعلان عن «الحق الحصري للشعب اليهودي الذي لا جدال فيه في جميع أنحاء أرض إسرائيل»، وعن تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحائها، في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة – الضفة الغربية-. وكان قانون القومية الذي أقرته الكنيست في العام 2018 قد نص على أن ممارسة حق تقرير المصير حصرية للشعب اليهودي، وكذلك ممارسة «حق العودة «حصرية باليهود وعلى ترسيخ كل فلسطين باعتبارها أرضاً يهودية.

كما يلاحظ، تحاول المؤسسة الإسرائيلية منذ عقد ونيف حسم الصراع من طرف واحد وتتنكر للحقوق الفلسطينية المشروعة المعرفة بالقانون والقرارات الدولية. الجديد في الموضوع هو سعي حكومة نتنياهو المحموم لترسيم عملية إقصاء الشعب الفلسطيني وحقوقه، ترسيماً إسرائيلياً، ودولياً. في السابق كانت الحكومات الإسرائيلية تمارس سياسة هيمنة وإقصاء عملي مع قليل من الوعود والإقرارات الشكلية بحقوق فلسطينية مكبلة بأغلظ القيود والاشتراطات. وذلك لتمرير سياسات الاستيطان والنهب والضم والتطهير العرقي والتنكيل بكل معارضة فلسطينية. منذ سنوات وتحديداً في عهد إدارة ترامب وبعد إبرام معاهدات التحالف مع دول عربية بإجازة جامعة الدول العربية، منذ ذلك الوقت كشفت دولة الاحتلال كل أوراقها ووضعتها على الطاولة، والتي تتلخص باعتماد مرجعية التناخ – التوراة- كناظم لسياساتها، وبموجب ذلك، يصبح الاحتلال ليس احتلالاً، وحتى «الأراضي المتنازع عليها» أصبحت أراضي يهودية ومن حق إسرائيل الاستيطان فيها بلا قيد او شرط، وأصبح المسجد الاقصى هو «جبل الهيكل» المطروح للتقاسم الزماني والمكاني، ولا حقوق مشروعة ولا نصف مشروعة للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج، بل إن المطروح هو إخضاعه لعقوبات جماعية وتهديد وجوده وانتهاك أبسط حقوقه الإنسانية. والأخطر ان حكومة نتنياهو – بن غفير تسعى الى إقرار دولي وفي اقل تقدير تدعو إلى تعايش دولي مع سياساتها او غض نظر عن انتهاكاتها وجرائمها بحق شعب أعزل بدون مساءلة او معارضة او محاسبة.

إزاء المسعى الإسرائيلي المحموم لترسيم سياسة الاستباحة والتنكر للحقوق الفلسطينية، من حق الشعب الفلسطيني طلب رأي قانوني من المرجعيات وجهات الاختصاص الحقوقية، ودعوة الدول والشعوب والقوى والمنظمات لدعم تعريف المحكمة الدولية لواقع الاحتلال، باعتباره واقعاً استعمارياً عنصرياً غير مشروع ومن الواجب رفضه والاعتراض عليه ومحاسبة المسؤولين عنه، ومن الواجب دعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال والاستيطان والأبارتهايد والعقاب الجماعي وجرائم الحرب والحصار.

بدأ الاستقطاب الدولي بل بدأت المعركة منذ أن طرح مشروع القرار الفلسطيني على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعرضت فلسطين الى ضغوط أميركية ودولية بغية سحب مشروع القرار والتراجع عنه، وتعرض عدد كبير من الدول لضغوط أميركية وبريطانية وإسرائيلية لحثها على رفض المشروع أو الامتناع عن التصويت. ولا شك أن رفض القرار والامتناع عبر عن انحياز للمصالح على حساب المبادئ والقيم. وهذا شيء مؤسف لكنه ينسجم مع طبيعة النظام الدولي والأطراف المهيمنة والمتحكمة فيه. مواقف الرفض والامتناع لا يوجد ما يسندها او يبررها، لأن حكومة نتنياهو السابقة وحكومة بينيت -لابيد أغلقت باب التفاوض واستعاضت عنه بسياسة خفض الصراع والسلام الاقتصادي، ومضت في عملية الاستيطان والضم والتطهير العرقي. إن عدم الذهاب إلى المحكمة الجنائية يعني تعايشاً فلسطينياً رسمياً مع سياسة فرض حل من طرف واحد على الأرض، حل يعادل تصفية القضية الفلسطينية. ويعني الاكتفاء بترديد شعار حل الدولتين والحقوق الفلسطينية مجرد أقوال تستخدم كملهاة لا تُسمن ولا تغني من جوع، بل تشكل غطاء لتصفية القضية الفلسطينية وإفراغها من مضمونها التحرري.

من المؤسف تصويت 26 دولة ضد قرار من هذا النوع، بينها دول في الاتحاد الأوروبي كألمانيا والنمسا وإيطاليا وهنغاريا ورومانيا فضلاً عن بريطانيا وكندا وأميركا، ومن المؤسف امتناع فرنسا والبرازيل والهند واليابان وقبرص والدنمارك واليونان والنرويج والسويد وإسبانيا وجنوب السودان عن التصويت. صحيح أن فلسطين فازت فوزاً ذا أهمية غير عادية. هذا الفوز يمكن البناء عليه لاحقاً وتحديداً بعد أن تصدر المحكمة الدولية قرارها. البناء عبر عملية استقطاب عالمية بين مؤيدين وداعمين للقانون الدولي ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبين مؤيدين ومدافعين ومتواطئين مع استبدال القانون الدولي بأيديولوجيا تعصبية هي الوجه الآخر لأيديولوجية القاعدة و»داعش» وطالبان. والانحياز لغطرسة القوة الاستعمارية وللعنصرية الكاهانية والاحتلال في مواجهة النضال التحرري الفلسطيني المشروع.

 وفي هذا السياق يمكن القول إن الدبلوماسية الفلسطينية والإعلام الرسمي الفلسطيني والمستوى السياسي يتحملون مسؤولية تراجع العديد من الدول. وهذا يحتاج إلى مراجعة تحدد القصور والأخطاء التي قادت إلى اختراقات عديدة. وصدور قرار المحكمة أهم بكثير من قرار الجمعية العامة، لأنه يتيح فرصة حقيقية أمام نضال فلسطيني متعدد، ويضع المؤسسات الفلسطينية الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني أمام مسؤولياتها الوطنية. إن الاكتفاء بقرار المحكمة المتوقع والداعم لنضال الشعب الفلسطيني، سيكون مصيره مصير قرار المحكمة ضد جدار الفصل العنصري، إذا لم يتم التعامل معه بسياسة أخرى، خلافاً لذلك مطلوب إحياء قرار جدار الفصل ودمجه بقرار تعريف الاحتلال كاستعمار ونظام أبارتهايد وتدشين مرحلة جديدة من النضال التحرري والاستقطاب العالمي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى