أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: الديمقراطية الحمساوية في الميزان

مهند عبد الحميد ٢٨-٦-٢٠٢٢م

امتلأنا بكل أسباب التغيير للأحسن، ما يحفز التوق للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، ويشجع على التفتيش والبحث عن عناصر ذلك التغيير المرجو، والانخراط في أتونه. التغيير في الشكل لا ينفصل عن المضمون، فلا يوجد للحرية إلا معنى واحد ينحاز للتحرر الاجتماعي في مواجهة التخلف والتعصب الديني والعشائري. قد يستغرق الوصول الى التغيير ردحاً طويلاً، لكن أي خطوة في الطريق يفترض أن تكون واضحة وغير ملتبسة. ولما كان مسار التغيير الفلسطيني الذي نشهده على أرض الواقع، هو مسار الإسلام السياسي الذي تمثله حركة حماس والقوى التي تدور في فلكها. لذا فإن التوقف عند هذه التجربة بعد مرور خمسة عشر عاماً على حكمها قطاع غزة و35 عاماً على اعتمادها لاستراتيجية المقاومة، مسألة في غاية الأهمية.
المقال السابق بعنوان «خمسة عشر عاماً» بدأ في تقييم تجربة حركة حماس كبديل لأوسلو، حيث تقول استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات المحلية والمزاج العام ان الحركة تحظى بتأييد جماهيري قد يكون له غلبة.  وبهذه المناسبة كما في المناسبات الأخرى يجدر الانتقال من طقس التمجيد والمجاملات والاحتفال الخطابي في ذكرى الانطلاقات، الى طقس النقد والتقييم والمساءلة. احتراماً للذين قدموا التضحيات وعاشوا وما زالوا  يعيشون المعاناة.

من حق اي مواطن أن يتساءل لماذا انقضت سنوات طويلة على تأسيس التنظيمات بدون أن تنجز الأهداف أو جزءاً من الأهداف التي حددتها في وثائقها وبرامجها. ولماذا لا يؤدي الإخفاق الى تعديل في البنية السياسية التنظيمية، مثلا مضى على تأسيس حركة فتح 57 عاماً والجبهة الشعبية 55 عاماً والجبهة الديمقراطية 53 عاماً وجبهة النضال الشعبي 55 عاماً والصاعقة وجبهة التحرير العربية 54 عاماً وحركة حماس 35 عاماً، وحزب الشعب 40 عاماً وتنظيم فدا 31 عاماً. واذا ما أضيف لعمر هذه التنظيمات سنوات التأسيس للأحزاب الأصلية كالإخوان المسلمين وحركة القوميين العرب وحزب البعث والحزب الشيوعي سنكون أمام رصيد نضالي أطول بكثير، وأمام إخفاقات أعلى بكثير. قد يتفهم المواطن والمهجّر واللاجئ الشرط الموضوعي الصعب واستعصاء عملية التحرر من الاحتلال، لكنه لا يتفهم أبداً ان تتكرس بنية مشوهة وعاجزة عن الأخذ بيده.

ناقشت في المقال السابق سياسات «حماس» البديلة وتجربتها في المقاومة، وفي هذا المقال سأتوقف عند التجربة الديمقراطية. وهنا في مجال الديمقراطية يصعب فصل تجربة حماس في الحكم عن الأيديولوجيا الدينية التي تتبناها، وكانت الحركة قد نجحت وهي في موقع المعارضة في اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع في القانون الأساسي، وفي مناهج التعليم المدرسية، و»ساهمت في بناء نظام اجتماعي محافظ استناداً للشريعة، كان أكثر أهمية من حكم القانون واحترام حقوق وحريات الفرد». وعندما صعدت الى الحكم كانت تستند الى قاعدة اجتماعية مؤدلجة. «والى نظام اجتماعي بإشراف رابطة علماء فلسطين ومن خلال لجان الإصلاح وفريق القضاة الذي استبدلته بعد سيطرتها على الحكم في قطاع غزة» وكذلك عبر مجالس شورى الحركة. ويضيف الباحث برينر بأن «حماس» تفتقد الى اي اهتمام بحقوق الإنسان. وفي السياق قاومت حركة حماس محاولة المجلس التشريعي الأول، تعديل القوانين المصرية والأردنية الموروثة من خمسينات القرن العشرين، وتركت بصماتها على المناهج التعليمية من زاوية إقحام التزمت الديني في التعليم، وما كان لحركة حماس ان تنجح في ذلك لولا منافسة الاتجاهات المحافظة في حركة فتح على وضع القيود وعلى تبني التدين غير العقلاني ورعاية التحولات الرجعية التي بادرت اليها «حماس» في وقت سابق.

انقلاب «حماس» العسكري ضد سلطة «فتح» في قطاع غزة يلخص مفهوم «حماس» للديمقراطية. ذلك الانقلاب الذي جاء تتويجاً لبناء سلطة موازية ولبناء مركز سياسي موازٍ وثيق الارتباط بمركز الإخوان المسلمين. مارست سلطة «حماس» قمعاً بشعاً لحركة فتح وورثت سلطتها في قطاع غزة. وقمعت الجهاديين ومنعتهم من المقاومة، وقيدت حركة الجهاد الإسلامي وتنظيمات ومجموعات مقاومة أخرى، فكان قرارها في الحرب والسلم فردياً على قاعدة احتكار المقاومة وإخضاع المقاومين الآخرين لقرارها. من يدقق في تقارير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية سيجد كماً كبيراً من انتهاك سلطة «حماس» للحريات والحق في التعبير والاحتجاج السلمي، وسيجد أيضا كماً كبيراً من انتهاكات السلطة في الضفة الغربية، الانتهاكات تعزز سيطرة نظام فلسطيني غير ديمقراطي في الضفة والقطاع، وبدلا من التنافس الديمقراطي على التبادل السلمي للسلطة ولمركز القرار، يجري التنافس على السيطرة من خلال القمع والقمع المضاد.  

أوضحت تجربة «حماس» ان الأيديولوجيا ( الشريعة بمفهوم حماس) ومنظومة القوانين المحافظة، والنظام الاجتماعي العشائري القبلي، والسيطرة الأمنية، والمال السياسي، والامتثال لمركز قيادة الإخوان في الخارج سواء بشكل مباشر او بشكل غير مباشر، جميع هذه العناصر على طرف نقيض من الديمقراطية. ولا يمكن للمؤتمرات والانتخابات الداخلية لحركة حماس التي لا يعلم دينامياتها من كان خارج الحركة، ان تكون الدليل على وجود ديمقراطية داخلية وقد تبدو وكأنها عملية تجديد للبنية التنظيمية. مع ان مقياس الديمقراطية الأساسي هو التعامل مع المواطنين كشركاء، وقبول المعارضين والحق في الاختلاف بدون عقوبات وإقصاء للمختلف.  

ممارسة الانتخاب والاحتكام لمرجعية الشعب هي أحد أركان الديمقراطية، كان تعامل حركة حماس مع الانتخابات انتقائياً. فدخلت انتخابات 2006 على أساس نظام أوسلو، وانقلبت عليه ليس بسبب عدم احترام نتائج الانتخابات فلسطينياً وعربياً ودولياً فقط، وإنما بسبب تمرد «حماس» على النظام الذي دخلت من خلاله الانتخابات، وبسبب تمردها على كون منظمة التحرير هي مرجعية السلطة التي انتقلت الى حركة حماس.

تعاملت حركة حماس وكأنها أخذت تفويضاً من الشعب الفلسطيني على تمثيله والنطق باسمه، واعتقدت ان بإمكانها وراثة اتفاق أوسلو البائس، تماماً كما اعتقد تنظيم الإخوان المسلمين في مصر انه أخذ تفويضاً شعبياً بتغيير الدستور وأخونة مؤسسات الدولة المصرية وكل ذلك يعود الى المفهوم الإخواني للديمقراطية الذي اخفق في كل البلدان بما في ذلك تونس. منذ 15 عاماً لم تمارس الانتخابات في غزة، كالانتخابات المحلية وانتخاب الاتحادات الشعبية وانتخاب الجامعات، إلا في الحالات التي تضمن فيها الفوز وكانت ترفض إجراء انتخابات عامة أيضاً باستثناء مشروع انتخابات 2021 الذي اعتقدت أنه فرصة سانحة للفوز. وللحديث بقية  

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى