أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: الحرب على جبهة الاقتصاد

مهند عبد الحميد 22-7-2025: الحرب على جبهة الاقتصاد

تُواصل دولة الاحتلال حرب الإبادة والتهجير والتصفية، هذه الحرب التي اشتهرت بوصفها أكثر الحروب دموية وتوحشاً في القرن 21.

فبحسب التقارير الدولية ناهز عدد الضحايا ربع مليون بين شهيد وجريح ومفقود، ويخضع 88% من أراضي قطاع غزة لأوامر إخلاء عسكرية، ودمرت قوات الاحتلال 92% من البنايات والمنازل، ويناهز ضحايا البحث عن الخبز 1000 مواطن قضوا وهم ينتظرون المساعدات في الوقت الذي يقضي فيه عشرات الأطفال جوعاً.

دولة الاحتلال تهاجم وبشراسة على عدة جبهات فلسطينية، جبهة حرب الإبادة والتجويع والتهجير في قطاع غزة، وجبهة التطهير العرقي والسيطرة على الأرض والمخيمات ونشر البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وجبهة السجون والمعتقلات التي تسعى إلى تحطيم إرادة المعتقلين، وجبهة استصدار القوانين العنصرية الانتقامية، وجبهات التعليم والصحة والغذاء والإعلام والحرب النفسية وجبهة تقويض الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها وصولاً إلى جبهة الاقتصاد والمال التي تعتبر شديدة الأهمية لأنها تتشارك مع كل الجبهات الأخرى وتؤثر فيها سلباً وإيجاباً بمستويات قد تكون حاسمة، لذا من المفترض أن يحتل الصمود وعدم الانكسار على جبهة الاقتصاد مركز الاهتمام الفلسطيني الرسمي والشعبي، وذلك كي لا تبقى هذه المعركة تخاض من طرف واحد ويقتصر الرد الفلسطيني على الاحتجاج وتقديم الشكاوى ومطالبة الدول بالضغط على دولة الاحتلال وانتظار النتيجة التي لا تكون سارة في معظم الأحيان.

تُخاض الحرب من قبل حكومة نتنياهو بمنهجية وبخطوات مدروسة وبأهداف محددة، فقد انتقلت من طور التحكم بالاستيراد والتصدير والهيمنة على السوق الفلسطيني والتحكم في الإيداعات النقدية والسيولة، إلى قرصنة المقاصة تدريجياً بدءا باقتطاع قيمة المبالغ المحولة لأسر الشهداء وللمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بدعوى أنها مبالغ تدعم الإرهاب، مروراً باقتطاع تعويضات لعائلات إسرائيلية أصيبت أو تضررت جراء عمليات مقاومة بصرف النظر فيما إذا كانت ضد مدنيين أو عسكريين، وتمتنع وزارة المالية الإسرائيلية أحياناً عن التجديد للاتفاق المبرم مع سلطة النقد الفلسطينية الذي يسمح للبنوك الفلسطينية بالعمل مع البنوك الإسرائيلية.

وبلغت الإجراءات الإسرائيلية حد وضع تسعيرة للخصومات، فمقابل أي قتيل إسرائيلي يخصم 10 ملايين شيكل وأي جريح حتى لو كان بحجر يخصم 5 ملايين شيكل من أموال الضرائب، وقد يطبق سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي ذلك بأثر رجعي ودفع الأمور إلى تحويل أموال المقاصة إلى تعويضات للمتضررين الإسرائيليين.

إن تجريد السلطة من إيرادها الضريبي بقيمة 20% من الناتج المحلي، المترافق مع تراجع الدعم الدولي والعربي من 2 مليار دولار إلى 400 مليون دولار. وارتفاع حصيلة الديون لتصل إلى 11.8 مليار دولار.

وتوقف العمالة داخل إسرائيل، وتراجع نسبة العاملين في القطاع الخاص.

هذا الوضع الاقتصادي المأزوم والمأساوي الذي تعمل حكومة نتنياهو على مفاقمته ووضعه في خدمة هدفها الرئيس وهو تقويض السلطة والمؤسسة الفلسطينية باعتبارهما عنوان الشرعية الفلسطينية والحل السياسي البديل للاحتلال والنقيض للحل الفاشي – الإبادة والتهجير والضم – الذي يعمل الكهانيون الجدد واليمين الديني والقومي على تطبيقه، والذي يعني تفكيك وتشريد الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية ورفعها من التداول الإقليمي والدولي.

بمنطق ولغة السياسة ثمة حاجة للمنظمة والدولة والسلطة المعترف بتمثيلها وبأدوارها عربياً ودولياً، ويجب الدفاع عنها والحيلولة دون تفككها وانهيارها في هذه اللحظة الحرجة والدقيقة من الصراع.

حيث تصر حكومة نتنياهو على استبعادها من الحل الذي يلي إنهاء الحرب، وعلى تقويضها ودفعها إلى الانهيار باستخدام الضغط المالي.

لا بديل عن الانحياز للمصلحة العامة من خلال القبول والمساعدة في بقاء الشرعية، وتغليب ذلك على الرغبات الصادقة في تغيير مستحق غير متوفر الآن في ظل الخطر الداهم.

لا يعني التمسك بالشرعية غض النظر عن الفساد والزبائنية وغياب المسؤولية التي خلخلت ثقة المواطنين والنخب بها وساهمت في تحويل المزاج العام إلى مزاج سلبي يائس ومحبط.

والحفاظ على الشرعية المستهدفة راهناً بوصفها عنواناً لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني، وإذا ما ضعفت أكثر فأكثر أو انهارت فإن هذا سيؤدي إلى تشظي المجتمع وتوزعه على ولاءات داخلية وخارجية ووكلاء وعشائر وعائلات لا يربطها مع بعضها البعض أي رابط في غياب الرابط الوطني.

الأزمة المالية الراهنة وثيقة الصلة بالاقتصاد والسياسة الريعيين الذي أسست له حركة فتح ومنظمة التحرير وحذت حذوه تنظيمات اليسار.

جميعها لم تتمكن من استخدام الدعم المالي الكبير في تطوير الموارد داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات.

وفي غياب بنية تحتية مالية ورؤية تنموية وإدارة مهنية ورقابة ومحاسبة تحولت المشاريع الخاصة بالتنظيمات إلى مشاريع خاصة بالأفراد الذين سجلت بأسمائهم، حتى العقارات التي سجلت بأسماء أعضاء وعاملين في التنظيمات تحولت إلى ملكية خاصة وتحول ذلك إلى أمر واقع في العديد من الحالات.

وبفعل الفشل الذريع في الاستثمار وتطوير الموارد من داخل المجتمع، ما عدا الاستثمار في المستشفيات وبمستوى أقل في المدارس.

إذا توقفنا عند إيرادات السلطة والمنظمة نجد أنها تعتمد أساساً على الضرائب ودعم المانحين والذي يوظف بحسب نظام الكوتا، مع ملاحظة وجود تهرب ضريبي من قبل النسبة الأكبر من أصحاب الأموال، كما لا توجد ضريبة متصاعدة متناسبة مع تصاعد الدخل كما هو معمول به في نظام السوق الحر الليبرالي الذي اعتمدته السلطة.

النظام الريعي للسلطة والمنظمة استند لبنية إدارية بيروقراطية غير منتجة ومعيقة لأي تطوير في المؤسسة ولا تساهم في حل الأزمات بل هي جزء أساسي منها.

مقابل ذلك اعتمدت تنظيمات الإسلام السياسي نظاماً استثمارياً ضم شركات كبيرة وصغيرة ومتوسطة، وشبكات مالية ومصارف وصناديق زكاة وصناديق تبرع في المساجد واشتراكات ملزمة للأعضاء، إضافة لدعم بعض الدول على خلفية أيديولوجية مثل إيران وقطر وتركيا وماليزيا وغيرها.

واستندت لبنية إدارية وتنظيمية ذات طبيعة تشغيلية. لكن تجربة الإسلام السياسي المالية لا تخضع للمساءلة والشفافية ما يفتح المجال أمام تغلغل الفساد.

لا يمكن للسلطة والمنظمة الخروج من الأزمة المالية المركبة التي تفاقمها سلطات الاحتلال بقرارات فوقية أو بمناشدات.

لا بد من التعامل بأكثر من مستوى. الأول: إغاثي يحول دون التفكك والانهيار ويحافظ على مستوى من التماسك، وذلك بالعمل على استعادة أموال المقاصة بضغوط دولية، وإن تعذر برفع دعوى للمحاكم الدولية، وإعطاء أولوية لدعم المنكوبين في قطاع غزة، ولقطاعي التعليم والصحة في القطاع والضفة، من خلال إبرام اتفاقات مع دول عربية وشرائح من القطاع الخاص الفلسطيني لدعم صندوق خاص بالقطاعين الحيويين.

الثاني: إعادة النظر في البنية التحتية المالية وتقديم رؤية متكاملة.

والثالث: إخضاع الذين اختلسوا المال العام للمحاسبة بأثر رجعي والعمل على استعادة السرقات والعقارات على قاعدة عدم سقوط قضايا الاختلاس بالتقادم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى