أقلام وأراء

مهند عبد الحميد – التضامن مع الشعب الأوكراني واجب أخلاقي

مهند عبد الحميد 2022-03-08

تجاوز عدد المشردين الأوكرانيين مليونا ونصف المليون، والحبل على الجرار، وتسيطر مناظر الدمار والحصار والموت على المشهد.
لليوم الثاني عشر تقض الصواريخ والطائرات والمدافع وأرتال الدبابات راحة شعوب العالم. متضامنون من داخل روسيا ومن سائر أنحاء العالم خرجوا بالآلاف وبشكل يومي تحت شعار وقف العدوان والنزف والتدمير والرعب الذي يتعرض له الشعب الأوكراني.
141 دولة في الجمعية العامة أدانت الغزو وطالبت بوقفه، والمحكمة الجنائية الدولية تفتح تحقيقاً حول جرائم حرب في أوكرانيا بعد أن حصلت على دعم 39 من الدول الأعضاء  فيها. فضلا عن مسلسل العقوبات المتصاعدة التي انهالت على الدولة التي تمارس الاحتلال.  
على مدار  12 يوماً يتعرض 44 مليون أوكراني لخطر الموت والدمار والتشرد، ولم تخرج تظاهرة واحدة في غزة أو رام الله أو حيفا أو جنين أو مخيمات الشتات تضامنا مع الشعب الأوكراني وضد احتلال أوكرانيا والنيل من شرعيتها وإلحاقها بروسيا.
قبل ذلك، لم تمضِ تسعة شهور على التضامن العالمي المميز مع الشعب الفلسطيني، حين خرج آلاف من المتضامنين في سائر البلدان دفاعا عن حق مليوني فلسطيني – قطاع غزة – في الحياة وفي الخلاص من الاحتلال، وقد دعوا إلى إدانة ووقف العدوان الإسرائيلي، ودفاعا عن حق عشرات المواطنين في حي الشيخ جراح – القدس – البقاء في بيوتهم المهددة بالمصادرة على خلفية استعمارية وعنصرية.
لماذا تتضامن شعوب العالم مع فلسطين وقت الشدة، ولا تتضامن فلسطين مع الشعوب أثناء الحروب؟ التضامن ليس عنصرا ثانويا بالنسبة لشعب تحت الاحتلال، بل هو عنصر أساسي بالنظر لموازين القوى بين شعب أعزل – تقريبا – وأعتى وأحدث جيوش العالم.
تعلمنا من استراتيجية حرب الشعب أثناء صعود الثورة، أن تضامن الشعوب بما في ذلك تضامن شعب الدولة التي تمارس الاحتلال الاستعماري مع الثورة، يُحدث تفوقا سياسيا ومعنويا وأخلاقيا على الدولة المعتدية، أذكر في العام 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان بهدف القضاء على الثورة الفلسطينية، كيف رفع منتخب إيطاليا لكرة القدم، معنويات المقاتلين والشعب الفلسطيني إلى السماء، عندما أهدى الفريق الفائز كأس المونديال للشعب الفلسطيني وثورته.
منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ينحاز الفلسطينيون الذين عاشوا الحرب وآخرون للفريق الإيطالي على أرض الملاعب.
التضامن مع الشعب الفلسطيني تمأسس في العام 1977 باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني من كل عام يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
ويتمأسس النضال بشكل غير رسمي عبر المشاركين في نظام مقاطعة إسرائيل – بي دي اس – والإعلان العالمي ضد الفصل العنصري، وغير ذلك من نقابات وحركات اجتماعية مثل «حياة السود مهمة» واحتلوا وول ستريت».
التضامن أثناء العدوان لم يكن مع سلطة حماس في قطاع غزة بل كان مع المليوني مواطن فلسطيني، والتضامن مع حي الشيخ جراح لم يكن مع التنظيمات السياسية بل كان مع مواطني الحي، والتضامن مع المؤسسات الحقوقية الست التي استهدفتها سلطات الاحتلال لم يكن تضامنا مع الجبهة الشعبية، بل كان دفاعا عن القانون، والتضامن مع الشعب الفلسطيني أثناء اجتياح الضفة 2002 لم يكن مع السلطة الفلسطينية.
المتضامنون مع النضال الفلسطيني تاريخيا تضامنوا مع شعب يتعرض للقمع والاحتلال والتهجير بقطع النظر عن قيادة هذا الشعب، وتوحدوا ضد المعتدين وجرائمهم، وهذا ينسجم مع القانون الدولي وبخاصة عهدة حقوق الإنسان.
الاختلال في مسألة التضامن الفلسطيني مع الآخرين سواء كانوا شعوبا عربية أثناء الانتفاضات والثورات، أو مع شعوب وبلدان عالمية، فيه طغيان ما يعتقد بأنه منفعة سياسية على مبدأ التضامن.
بالأمس فسر لي صديق المزاج الفلسطيني، بالقول عندما تكون إسرائيل وأميركا في جهة صراع ما، فإن الفلسطيني تلقائيا يغمض عينيه ويذهب إلى الجهة الأخرى وينطبق هذا على الصراع الأوكراني الروسي.
معروف للشعب الفلسطيني تاريخيا أن روسيا السوفييتية كانت ضد أميركا وإسرائيل ومع العرب كما كانت مع حركات التحرر وأنظمة عدم الانحياز الخ.
ومعروف بلغة الوعي السياسي النقدي أن دعم روسيا السوفييتية للمشروع الصهيوني بالمهاجرين كان خطأ كبيراً منذ العام 47 وحتى 54، وكذلك أدى السماح لمليون مهاجر يهودي وغير يهودي من الدول الاشتراكية وهي على أبواب الانهيار منذ العام 89 إلى دولة إسرائيل إلى فتح الأبواب على مصاريعها أمام الاستيطان في الضفة الغربية وهذا كان أيضا خطأ كبيرا.  
أما ما بعد الانهيار السوفييتي وبعد استعادة روسيا لعافيتها فقد تغير كل شيء حيث سادت لغة المصالح والأطماع الكولونيالية على ما عداها.
وبفعل ذلك أصبح العالم أمام خيارات أكثر سوءا وأقل سوءا. في مسألة السوء لا يوجد أسوأ من الموقف الأميركي الإسرائيلي من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، الذي أدى إلى منع وإحباط كل أنواع الحلول السياسية بما في ذلك أردؤها على الإطلاق «اتفاق أوسلو»،
وفي المحصلة فإن السياسة الأميركية الإسرائيلية تكرس احتلالا استعماريا عنصريا دائما  ونظام أبارتهايد معزز بإيديولوجيا دينية تعصبية.
لكن هذه المظلومية لا تحيل تلقائيا كل دولة أو منظمة إلى حليف للشعب الفلسطيني بمجرد أنه يتصادم مع أميركا وإسرائيل.
بصدد المسألة الأوكرانية هناك ما يدفع إلى معارضة النظام الأوكراني وعدم قبول الكثير من سياساته، ولكن عندما يتعرض الشعب الأوكراني للاحتلال والتدمير فإن الواجب الأخلاقي يستدعي التضامن معه ولا يعني ذلك تبييضا لنظام زيلينسكي ولا الانحياز للناتو وأميركا. وعندما يتم رفض توسع الناتو على حدود روسيا فإن ذلك لا يعني الانحياز لأطماع القومية الروسية وتبني روايتها حول افتقاد أوكرانيا لمقومات بلد وقومية مستقلة، ولا يعني تبني الرواية الروسية حول وجود نظام نازي يحكم أوكرانيا، ولا قبول ذرائع تهديد حياة أبناء القومية الروسية من الأوكرانيين، وقمع حرياتهم، لا يمكن القبول باحتلال 44 مليون أوكراني وتدمير مدنهم وبنيتهم التحتية من أجل صعود روسيا كقطب دولي.
لتصعد روسيا ولكن ليس على جثة أوكرانيا. ومن غير المنطقي تبني أو اعتماد نموذج النظام المفضل عند بوتين كالنظام البلا روسي والشيشاني وبشار الأسد ومن لف لفهم.
لا يمكن رفض القمع الأوكراني وتأييد القمع الروسي والحكم على كل روسي يخالف رواية وزارة الدفاع بـ15 سنة سجن دون محاكمة.
أتمنى أن يكون الشعب الفلسطيني ضد الناتو وتوسعاته وأطماعه على حساب الشعوب والسلام والاستقرار، وضد استبداد وتغول وادعاءات القومية الروسية وضد احتلالها وفرض سيطرتها بالقوة على شعوب أخرى، ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها دون تدخل أو وصاية الضواري.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى