مهند عبد الحميد: آن أوان النقد والمساءلة والمحاسبة
مهند عبد الحميد 16-12-2025: آن أوان النقد والمساءلة والمحاسبة
هل بدأ نقد مقامرة 7 أكتوبر من داخل المشاركين والملتحقين بالعملية؟ جاء في تقرير نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» نسبت أقواله إلى متحدثين من قيادات بعض فصائل المقاومة، أن حركة «حماس» تسبّبت في تفكيك محور المقاومة لأنها لم تنسق 7 أكتوبر معهم، وأن «حماس» أخطأت في خطة هجومها «وقد دمرنا طوفانها ودمر حركة حماس، ولم يبق لا محور المقاومة ولا غيره». وأضاف أحد المتحدثين: كان على «حماس» أن تكون شجاعة وتعتذر لشعبها ولأنصار محور المقاومة بسبب انفرادها في قرار الهجوم. وأشار متحدث آخر إلى تسبب «حماس» في انقطاع الدعم المالي وعدم إيصال الرواتب إلى المقاتلين. الناقدون لم يكشفوا عن أسمائهم ولا عن فصائلهم، ما يسمح بالتكهن أنهم من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. لكن المدافعين بأسمائهم وأسماء تنظيماتهم لا يزال الاتجاه السائد رغم انكشاف الحقيقة المأساوية على أرض الواقع منذ اليوم الأول، ورغم استمرار انكشافها التصاعدي مع كل يوم من أيام حرب الإبادة وبعد وقفها بقرار أميركي، وصولاً إلى صك الاستسلام والوصاية المذلة المسمى خطة ترامب.
رغم الوضوح الذي لا يقبل اللبس في بنود خطة ترامب المنسجمة تماماً مع ميزان القوى، فإن ما تسمّى «المحددات» الأربعة التي قدمها خليل الحية توحي بأن «حماس» تضع خطة بديلة وتطالب إدارة ترامب والوسطاء الأخذ بها. يقول الحية في المحدد الأول: إن السلاح حق كفلته القوانين الدولية ويرهن بقاء السلاح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويبدي استعداداً لدراسة أي مقترحات تحافظ على ذلك، لكنه يتجاهل بندَين من خطة ترامب ينصان على تسليم السلاح. بين الكواليس تبدي «حماس» استعداداً للتخلي عن السلاح الثقيل، وتسعى مع قطر وتركيا للاحتفاظ بالسلاح الخفيف الذي يكفي للسيطرة على المجتمع والتحكم في هيئة التكنوقراط الجديدة، وقمع أي صوت ناقد أو معارض لمقامرتها في 7 أكتوبر وسياساتها في إطالة الحرب.
كل من يتتبع مواقف وأقوال قيادات «حماس»، سيجد أن البقاء في موقع السيطرة على قطاع غزة بشكل غير مباشر هو الهدف الأسمى في الوقت الذي تبدي فيه استعداداً لوقف المقاومة. ما يؤكد على ذلك الاستعداد لإبرام هدنة لمدة 10 سنوات – أقوال طاهر النونو. والاستعداد لمنع تعكير صفو الأمن في غلاف غزة المحاذي للمستعمرات الإسرائيلية، وكبح التطرف داخل القطاع – أقوال موسى أبو مرزوق. هكذا تتجاهل قيادة «حماس» التناقض بين هدنة طويلة مع بقاء احتلال يتعمق بالغزو الاستيطاني والتطهير العرقي والضم الفعلي. لا يهم ما دام يُبقي على شيء من سلطتها. وتتعارض مواقف قيادة «حماس» مع محددات خليل الحية التي تعتبر المقاومة المسلحة حقاً مشروعاً طالما يوجد احتلال. قول الشيء ونقيضه لا يهم قيادة «حماس» طالما لا يوجد حسيب أو رقيب، وطالما بقي شعار يجوز للمقاومة ما لا يجوز لغيرها في عرف المولهين في حب البندقية مهما كانت أهدافها المعلنة خطيرة.
ويحدد خليل الحية مهمات للقوة الدولية خلافاً للمهمات المحددة في خطة ترامب. يقول الحية: إن مهمة القوة الدولية يجب أن تقتصر على ضمان وقف إطلاق النار، والفصل بين الجانبين على حدود قطاع غزة دون أن تكون لها مهام داخل قطاع غزة. كلام الحية يوحي بأن هناك جيشَين متكافئَين لا يستطيع أي منهما حسم القتال لذا تناط مهمة منعهما من استئنافه بقوة دولية، بينما واقع الحال أن جيش الاحتلال يواصل استهداف قيادات وعناصر «حماس» من طرف واحد، ويواصل هدم المنازل وتوسيع السيطرة الإسرائيلية دون رد.
يعزو تقرير صحيفة «الشرق الأوسط» نقد «حماس» على لسان قياديين من فصائل أخرى، باعتباره رداً على قول خالد مشعل المستفز بأن «حماس» لم تتموضع في أي محور طوال مسيرتها. خالد مشعل، الذي اشتهر بأقواله المتناقضة مع الواقع، يحاول التكيف مع المستجدات لمصلحة تنظيمه وليس لمصلحة شعبه، متجاهلاً تغني قيادة «حماس» بمحور المقاومة وبمشاركتها في اجتماعاته وبإهدائها «النصر» للمرشد الأعلى خامنئي؛ مقابل دعم إيراني بالمال والسلاح لكتائب القسام، متجاهلاً بقاء حركة «حماس» لمدة 15 عاماً مطواعة لنظام بشار الأسد وسياساته الرامية إلى إفشال الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والاقتصار على استخدامها كورقة ضغط ومساومة لتحسين نفوذه الإقليمي.
عوّدتنا حركة «حماس» على الانتقال من موقف لآخر دون تحمل المسؤولية عن أخطاء حتى لو كانت أخطاء من الوزن الثقيل وقاتلة مثل مقامرة 7 أكتوبر. وكان من الغريب ألا تسجل الحركة أي اعتراف بالخطأ وألا تلتزم بمبدأ محاسبة الذات كاستقالة الذين اتخذوا قرار 7 أكتوبر وأيدوه ودافعوا عنه.
لم تشكل «حماس» لجنة تحقيق حزبية تجيب عن الأسئلة الكثيرة التي يطرحها الناس المكتوون من الحرب، ولم يشذ عن القاعدة أي قيادي أو اتجاه سياسي داخل الحركة أو كادر أو مجموعات من الأعضاء، حتى مجموعات من المناصرين والمريدين.
يقول أسامة حمدان: لا أحد يزاود علينا بالخسائر، وإذا كنت عاجزاً عن إدانة العدو وعاجزاً عن مقاتلته، ابلع لسانك ولا تدنْ شعبك الذي قاتل وضحى وقاوم إسرائيل. نص بالغ الاستفزاز حين يعتبر أن نقد قيادة «حماس» هو نقد وإدانة للشعب، هنا تندمج قيادة «حماس» بالشعب وكأنه شريك في قرار الهجوم وتعفي نفسها من المسؤولية، وكانت قد انفصلت عنه مع بداية هجومها وتركته تحت رحمة آلة الحرب الإسرائيلية بلا مأوى وغذاء ودواء، وتنصلت من كل مسؤولية بإحالة كل المهمات الإغاثية والإنسانية لمؤسسات الأمم المتحدة، مبررة ذلك أن معظم سكان قطاع غزة لاجئون، كما قال أبو مرزوق.
تقول سامية عيسى في صحيفة «القدس العربي»: «لا ينفع الآن نقد تجربة حماس، سواء معركة طوفان الأقصى التي خاضتها من دون حساب الكلفة الباهظة التي تترتب عليها في ظل موازين قوى غير مواتية، أو لجهة عدم اتخاذها إجراءات حماية لأهل غزة قبل القيام بالعملية. وتضيف: الآن أوان العمل والنهوض والإجابة عن سؤال: ما العمل بعد هذا الخراب؟
كان نقد «حماس» أثناء الحرب ممنوعاً، وقد أفضى المنع إلى احتكار قيادة الحركة لقرار الحرب استناداً لرؤيتها الضيقة التي لا تقيم وزناً لموت وعذابات شعبها، ولا تفهم عدوها ولا حلفاءها ولا شعبها. كان الانسحاب المبكر من المواجهة المستحيلة أفضل لشعب غزة وللقضية الفلسطينية ولـ»حماس» وتنظيمات المقاومة. انتقال «حماس» من موقف خاطئ إلى موقف خاطئ كان بسبب غياب الاعتراض والنقد، وممارسة الضغط عبر أشكال من التعبئة والاحتجاج دفاعاً عن المجتمع الذي يتعرض للإبادة والتفكيك. ثمة فرق هائل بين إشاعة «حماس» ثقافة السمع والطاعة في السياسة والحرب، وبين المشاركة في قرار المواجهة والحرب ووقف الحرب.
الامتناع عن النقد طوال الوقت والآن هو الذي أوصل قيادة «حماس» إلى وضع محددات غير قابلة للتطبيق، وهو الذي سمح لحركة «حماس» بإعادة قبضتها القمعية بمجرد وقف إطلاق النار، ومعاقبة ومطاردة كل من اعترض أو احتج أو طالب الحركة بمغادرة المشهد. طالما لم تتعرض قيادة «حماس» للمساءلة والمحاسبة، فإنها ستعيد إنتاج تجربتها المأساوية.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



