شؤون مكافحة الاٍرهاب

منير اديب – تنصيب محمود حسين قائماً بأعمال “مرشد الإخوان”

منير اديب 18-12-2021

قد لا يكون هذا العنوان دقيقاً في ظل مستجدين، أولهما أن الأمين العام للتنظيم الدولي لـ”الإخوان المسلمين” إبراهيم منير، هو من نصب نفسه بالفعل قائماً بأعمال مرشد “الإخوان”، وفي الوقت نفسه أحجم، محمود حسين، الأمين العام للتنظيم وعضو مكتب الإرشاد عن التسمية ذاتها، والمستجد الثاني أن القائم بأعمال مرشد “الإخوان” أحال حسين إلى التحقيق مع آخرين من مجلس شورى الجماعة التابع له، بعدما ألغى منصب الأمين العام للتنظيم، فبات حسين مجرد عضو في مجلس شورى، ثم انتخب منير مؤسسات بديلة منه فنزع أي صلاحيات لحسين، وبات مجرداً من أية مناصب ذات قيمة تنظيمية.

شعور إبراهيم منير بالخطر من محمود حسين كان يزداد مع الوقت، وتزداد معه القرارات التي أخذها منير بهدف تحجيم حسين، وهو ما دفع الأخير للاجتماع بمجلس شورى الجماعة، وبالتالي أعفى منير، الأمر الذي خلط الأوراق وأصاب الرجل الثمانيني بالاكتئاب ودفعه للاعتصام بالبيانات الإعلامية في محاولة لتشويه صورة خصمه وجبهته في العاصمة التركية؛ فتارة يتهمهم بالفساد الإداري، وتارة أخرى يتهم بالعمالة والفساد الأخلاقي!… محاولات منير كانت حاضرة إعلامياً، فهو الأقوى ظهوراً ولكنه الأضعف في حلقات حسم الصراع.

صفتان شخصيتان دفعت حسين لحسم الصراع لصالحه وربما أدت إلى تراجع منير، فالأول كان أميناً عاماً للتنظيم لفترة ليست بالقصيرة، فهو يؤمن بالعمل السري وتدبير المكائد في صمت من دون اللجوء إلى وسائل الإعلام أو حتى الحديث، كما لجأ الثاني الذي عاش أغلب حياته في لندن متأثراً بمناخ العاصمة الأوروبية، وغير مدرك في الوقت نفسه لسمات التنظيم الذي يتولى فيه منصباً مهماً للغاية، فحسم الخلافات داخل التنظيم لا يمكن أن يتم عبر وسائل الإعلام ولا البيانات أو حتى البيانات المضادة!

ومن هنا وهنا فقط تمكّن محمود حسين من حسم الصراع لصالحه على الأقل في الوقت الراهن، رغم أن إبراهيم منير كان يمتلك كل الأدوات التي تمكنه من حسم هذا الصراع، كونه كان أميناً عاماً للتنظيم الدولي، وشخصية معروفة لكل مكاتب “الإخوان” في كل الدول العربية والأوروبية، فضلاً عن أن جزءاً من سماته الشخصية قد تدفع به لمثل هكذا منصب، قكثيراً ما يستحضر أقوال مرشدي “الإخوان” ومؤسسهم في كل أحاديثة، فيبدو لك لمجرد جلسة واحدة معه أنك أمام شخص “ورع”، وهي صفة أخرى تدفعه للمنصب التنظيمي دفعاً أو على الأقل تساعده في ذلك، بغض النظر عن صحة هذه الصفات من عدمها.

أدار محمود حسين مع مجلس الشورى العام، والمشكّل من “الإخوان المسلمين المصريين”، صراعه مع الخصم اللدود إبراهيم منير، بالطريقة ذاتها التي كان يُدير بها مكتب الإرشاد كل صراعاته، والذي كان حسين عضواً فيه لسنوات طويلة، وهي التصفية المعنوية والتنظيمية لكل الخصوم ولكن بهدوء شديد، وهذا قد يكون سبب ابتعاده عن وسائل الإعلام وحضوره الضعيف فيها، فهو يعلم أن الوصول إلى أفراد “الإخوان” عبر مسارات التنظيم أهم بكثير من الوصول إليهم عبر المنابر الإعلامية، فالأولى ذات تأثير، أما الثانية فقد تكون عواقبها وخيمة على مستخدميها بحسب تربية “الإخوان” التي تُعلي من قيمة التنظيم بينما تمقت اللجوء للإعلام في كل ما يخص هذا التنظيم.

اللجوء للإعلام من الأخطاء التي وقع فيها إبراهيم منير، كما أنه لجأ إلى ما أشيع تسميته بحرب البيانات، بينما تحفّظ محمود حسين، ولم يستخدم سلاح البيانات إلا نادراً مقارنة بخصمه الذي أفرط في ذلك، وهو ما أظهر منير بالمتفلت والأضعف حجة أمام أفراد التنظيم، الذين دائماً ما يمقتون أي مناقشة في الإعلام تخص التنظيم، الذي يعتبرونه شأناً خاصاً وليس عاماً، ويعتبرون مثل هذه المناقشات بهذه الطريقة تزيد من تشويه التنظيم!

أراد إبراهيم منير أن يحرق خصمه بالبيانات العلانية والإعلام، فحرق نفسه وانصرف التنظيم عنه، وهنا حسم محمود حسين كل المكاتب الإدارية لصالحه “داخل مصر” باستثناء محافظتين ولاؤهما ذهب إلى منير وهما الإسكندرية والفيوم، فضلاً عن أن حسين نجح في حسم مكاتب “الإخوان” في الخارج لصالحه باستثناء ثلاثة مكاتب هي ماليزيا والصومال واسطنبول، ورغم ذلك رفض حسين الإعلان عن انتصاره بالوضوح الذي عرضناه، بل أراد أن يبني هذا الانتصار على مزيد من أخطاء منير حتى يقضي على ما تبقى من قوة لدى الرجل الثمانيني.

لجأ منير إلى ما وصفهم بهيئة العلماء الشرعيين داخل التنظيم حتى أعلنوا انحيازهم الكامل له، فضلاً عن استخدامه ورقة مفوض العلاقات الخارجية يوسف ندا، والذي انزلق إلى تأييده، وهذا قد يدفعنا إلى توقع الانهيار الكامل للتنظيم من دون وجود وساطات حقيقية قد تنقذه أو تحاول إحياءه في اللحظات الأخيرة، فكل هذه القيادات أعلنت انحيازها، وكل من يُرجى وساطتهم وقد تكون لهم كلمة مسموعة بحكم الصفة التنظيمية ودوره داخل التنظيم قد انحازوا إلى جبهة من الجبهتين، وهو ما تنعدم معه سياسة احتواء الأزمة عبر هذه القيادات، التي كان تلجأ إليها الجماعة في أزمان سابقة.

من الأسباب التي أدت إلى حسم الصراع لصالح محمود حسين، أن ولاء “الإخوان المسلمين المصريين” لصالحه بحكم أنه الشخصية المعروفة لهم، فضلاً عن منصبه التنظيمي مع مجلس الشورى المعاون له وكلهم من المصريين، والذي أتاح له فرصة التواصل مع كل قواعد التنظيم ومؤسساته، فدائماً ما يكون منصب الأمين العام، بمثابة صندوق أسرار التنظيم، فضلاً عن أنه كان همزة الوصل الوحيدة بين “الإخوان” ومحمود عزت، القائم بأعمال مرشد “الإخوان” قبل إلقاء القبض عليه، وهو ما أتاح له الوصول إلى مفاتيح جديدة مكنته من السيطرة بشكل أكبر على التنظيم، وهو ما يصدره على أنه بمثابة توكيل له من محمود عزت بتولي المنصب من بعده.

وكانت هذه عادة “الإخوان” في مثل هذه المناصب وتحديداً مع منصب المرشد العام، الذي يتولاه الأكبر سناً من أعضاء مكتب الإرشاد في حال وفاة المرشد أو ظهر ما يمنعه من مزاولة عمله، وهو ما ينطبق عليه ولا ينطبق على منير كونه لم يُختر عضواً في مكتب الإرشاد قبل أكثر من أربعين عاماً عندما طلب اللجوء إلى بريطانيا فانقطعت صلته بمكتب الإرشاد وقام بدور بديل وهو إدارة التنظيم عالمياً، أي خارج مصر.

حالة التفكك التي يعيشها تنظيم “الإخوان” الآن سوف تؤدي إلى انصراف قطاعات واسعة ممن انبهروا بالفكرة المؤسسة لـ”الإخوان”، وهنا يمكن القول، إن تفكك التنظيم يساعد بصورة ما في تفكك الفكرة المؤسسة، غير أن الأخيرة تحتاج إلى جهود أكبر حتى تنتهي الجماعة بصورة نهائية وتُصبح مجرد سطر في كتب التاريخ لا وجود لها على أرض الواقع.

صحيح أن مجلس شورى الجماعة لم يصدر قراراً بتولي محمود حسين منصب القائم بأعمال المرشد رغم إعفاء إبراهيم منير من المنصب ذاته، وهذا ما فطنه حسين الذي تفهم نفسيات “الإخوان”، فهو يريد أن يظهر وكأنه يدافع عن “التنظيم” ضد تعسف منير، وأنه زهد في المنصب ولا يرغب فيه، وأن هدفه الوحيد هو تحقيق الإصلاح داخل التنظيم… هذه اللغة هي التي يفهمها أفراد التنظيم الذين تربوا في خنادقه ويعرفون أدبياته، وهنا غازل حسين هذه النفسيات التي غاب منير عنها كثيراً بسبب غربته في أوروبا قبل عقود.

سوف يتم تنصيب محمود حسين قائماً بأعمال مرشد “الإخوان”، ولكن تم تأجيل القرار حتى يطمئن إلى القضاء على خصمه والجبهة التي تسانده في لندن وبعض ذيوله في اسطنبول، وقتها سوف يختطف حسين المنصب إلى حيث لا ينافسه أحد من “إخوان” الخارج، وبالتالي يعود المنصب إلى “الإخوان المسلمين المصريين” كما كان منذ المؤسس الأول حسن البنا وما أعقبه من مرشدين كلهم كانوا مصريين!

قرار تنصيب محمود حسين مرتبط بكم الأخطاء التي سوف يرتكبها إبراهيم منير في المستقبل، وهو ما سوف يُعجل بحسم الصراع لصالح حسين بصورة نهائية، وبالتالي تنصيبه قائماً بأعمال مرشد “الإخوان”، وعندما يتحقق ذلك سوف يكون على جثة التنظيم، الذي تهاوى كثيراً بسبب صراع العجائز بداخله.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى