أقلام وأراء

منير أديب يكتب – فشل “النهضة” أم سقوط “الإخوان المسلمين” ؟

منير أديب *- 31/7/2021

تتلاحق التطورات في تونس بصورة كبيرة، وعليها تُساير ردود الأفعال الأحداث وربما تسبقها، خصوصاً أننا نتحدث عن حركة “الإخوان المسلمين” في تونس، وارتباط الموضوع بإزاحتها عن السلطة، وعما إذا كانت ردود الأفعال هذه منضبطة أم أنها سوف تشبه ردود أفعال التنظيم الأم في القاهرة على خلفية عزله بعد ثورة شعبية قام بها المصريون في 30 حزيران (يونيو) من العام 2013.

في كل الأحوال يبدو الظرف السياسي في تونس مختلفاً عن الظرف الذي عاشته القاهرة قبل ثماني سنوات، ولكن ما نريد أن نؤكده أن التنظيم الذي نتحدث عنه لم يختلف… قد يكون مر بمراحل غيّرت من ملامحه ولكن التنظيم هو التنظيم منذ تأسس على يد مرشده الأول حسن البنا وحتى كتابة هذه السطور، رغم مرور قرابة قرن على النشأة.

 قضية الشبه هذه مثار اهتمام التنظيم، فهو لا يرضى بأي تغيير في ملامح التنظيم ولا المنتسبين إليه، ولذلك يطمئن في البدء عند تصعيد أتباعه من أنهم تشرّبوا أفكاره، وأنهم يتبنون وجهة نظر القيادة في كل القضايا السياسية وغير السياسية، ومع هذا الوضع نشير إلى أن التنظيم عبارة عن قوالب متماثله، فهو أشبه بالتنظيم العسكري الذي لا يوجد اختلاف بين لبناته أو جنوده، وهذه احدى إنجازات التنظيم، التي حافظ على نفسه من خلالها!

 نحاول أن نثبت من خلال هذه المقدمة حالة التشابه بين “إخوان” مصر و”إخوان” تونس وبين كل “الإخوان المسلمين” في أي دولة حتى ولو كانت أوروبية على وقع التشابك أو الصراع السياسي الذي تمر من خلاله تونس الخضراء من عنق الزجاجة. صحيح أن هناك تباينات، ولكنً هناك خطاً فكرياً واحداً يجمع المنتمين للتنظيم، فكل هؤلاء يفكرون بطريقة واحدة، ولعل مخرجات العقل “الإخواني” في كل مكان يصل أيضاً إلى نتيجة واحدة، وهنا نستطيع أن نفهم “الإخوان المسلمين” وأن نتوقع سلوكهم لأننا في الأساس نمتلك قراءة جيدة ودقيقة للتنظيم، قراءة واعية ربما تحصلنا عليها من قراءة كل أدبيات التنظيم المروية والمجهوله، قراءة واعية ودقيقة، سمحت لنا بالتوقع الصحيح لسلوك التنظيم أكثر من مره.

 والسؤال المثار هنا، إلى أي مدى سوف يصل الاحتقان السياسي في تونس؟ وما هو رد فعل “حركة النهضة” عليه؟ وما هي مآلات الأمور بعد التصعيد المحتمل أو المتوقع من “الإخوان”؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات ناجزة، إجابات يفهمها العقل وتتسق في الوقت نفسه مع طريقة تفكير “الإخوان المسلمين”، حتى يمكننا توقع سلوك التنظيم، ومنها نتوقع مآلات ما سوف تصل إليه “حركة النهضة”، والتي خرجت من رحم التنظيم ورضعت من ثديه طيلة سنوات النشأة، وبالتالي لن تتخلى عن المبادئ العامة التي يفكر بها التنظيم.

 صحيح ما يحدث في تونس شأن سياسي داخلي قراره مرتبط بقيادات “النهضة”، ولكن هذه القيادات هي مجرد فرع للتنظيم الأم في مصر، “وما شابه آباه فما ظلم” كما يقول المثل العربي. قد لا يكون هناك شبه بين الأب والابناء والأحفاد، ولكن الشبه في فروع التنظيم مع قيادته العامة حتمي، وإذا ولد فرع للتنظيم لا يوجد شبه بينه وبين التنظيم الأم، فقد ولد ميتاً أو مشوهاً. في النهاية إما أن يعود لصوابه ويعدّل من سلوكه أو أن يكون مصيره خارج التنظيم، ولكن المؤكد أن قيادة التنظيم لا ترضى بوجوده على هذا الحال من الاختلاف.

لن تتوقف الأحداث في تونس، ولن تعود “حركة النهضة” إلى ما كانت عليه، ربما لسببين رئيسيين، أولهما أن الشعب التونسي قال كلمته بعد ثماني سنوات من قفز هؤلاء للسلطة ولن يعود إلى الوراء ولن يتخلوا عن مطالبهم، بل يشهد التاريخ أن سقف هذه المطالب يزداد مع الوقت، طالما ارتبط بفكرة الرفض السياسي والثورة، والسبب الثاني، يرتبط برد فعل “إخوان” تونس، وهو ما ندركه جيداً، ونؤكد أنه لن يختلف كثيراً عن رد فعل “الإخوان المسلمين” في مصر، ولذلك نتوقع أن مآلات الأمور ونتائجها سوف تتشابه كثيراً، قد تكون هناك مناورة لـ”حركة النهضة”، وقد تغيب المحاسبة بعض الوقت، ولكن حتماً سوف تحدث من دون جدال.

وصف حركة “الإخوان المسلمين” منذ اللحظة الأولى التي أصدر فيها الرئيس التونسي قراراته بحل الحكومة وتجميد عمل البرلمان، بأنه انقلاب ومن ثم دعوا أنصارهم للتجمع والاعتصام، وهو تصور واحد يجمع كل “الإخوان” في كل مكان، هم يرون خصومهم والمختلفين معهم من عدسة واحدة، غير قادرة على قراءة الملامح الدقيقة، وقد تكون حجبت عنه الرؤية في الأساس. وصف حركة “الإخوان المسلمين” قرارات الرئيس التونسي بأنها انقلاب رغم أن الفصل 80 من الدستور يعطيه الحق في ما اتخذه من قرارات وهو الفقيه الدستوري والخبير القانوني قبل أن يكون رئيساً للجمهورية، بل هو قاضٍ يزن الكلمة الواحدة بميزان العقل والقلب، فلا يخرج منه إلا ما أراده ولا يقول إلا ما يستلزم قوله.

فدأب “الإخوان” في وقت أنهم إذا خرجوا على حاكم ما سموا ذلك ثورة وباركوها، بينما إذا خرج الناس عليهم سموها انقلاباً على الشرعية التي لا تعيش إلا في عقول وخيال قيادات التنظيم، وبطبيعة الحال لا علاقة لها بالشرعية الدستورية أو بالدستور. تنظيم “الإخوان” برغماتي لا علاقة له بالقيم التي يرفعها ولا تمثل جزءاً من تفكيرة ولا تشكل جزءاً من حياته، فهذا التنظيم البرغماتي كثيراً ما يلجأ للغرب أو يقيم معه الغرب علاقات بهدف مناكفة النظام السياسي الذي ينتمي إليه هؤلاء “الإخوان”، وهنا يقيم الحكام أنفسهم علاقات مع هذا الغرب، كون هذه العلاقات طبيعية وتتسق مع مفهوم السياسة الخارجية للدولة، فلا توجد دولة تعيش منعزلة، وضعها “الإخوان المسلمون” في وصف ظلم الحكام وطغيانهم وفسادهم !

الحكام فسدة لأنهم يتعاملون مع الغرب، رغم ضرورة هذه العلاقات وشرعيتها، ورغم أن تعامل “الإخوان” مع الغرب يدخل في إطار العمالة لهذا الغرب لما له من مطالب من تنظيم “الإخوان المسلمين”، وهذه المطالب غالباً ما تنحصر في الضغط على النظام السياسي في دولهم، وهنا لا بد أن نمعن النظر في الحالتين وفي توظيف “الإخوان المسلمين” للقيم التي يرفعها كشعارات من دون أن يكون لها أرضية من واقعه.

ما نود قوله إن الشعوب العربية لفظت تنظيمات الإسلام السياسي، وما عادت تريد لها أن تعود للمشهد السياسي، بل تطالب بمحاكمتهم، لأنها رأت هذه التنظيمات رأي العين، وأدركت أهدافها ووصلت بخبرتها إلى مراميها. ليس هذا فحسب، بل بات من السهل توقع سلوكها وتوقع نتائج هذا السلوك، ولو تأخر قليلاً، فأنت تحكم على تنظيم أنت تعلم عنه ربما يكون أكثر مما يعلمه هو عن نفسه، فعيون الباحث والمدقق والمتابع أوقع بكثير من عيون عضو التنظيم، الذي يُصبح أسيراً للتنظيم الذي ينتمي إليه، أسير طريقة التفكير كما أنه أسير الأفكار.

 سقوط “الإخوان” في تونس وفي غير تونس حتمي، وهنا أقصد سقوط التنظيم، وهنا لا أقصد خسارة مقعد سياسي أو حتى جولة سياسية، وإنما خسارة قلوب النّاس، هؤلاء هم من لفظوهم في تظاهرات الشارع الأخيرة، وطالبوا أولاً بعزلهم وثانياً بمحاكمتهم. قد تتسارع الأحداث وقد تتباطأ ولكن لن يتأخر السقوط بأي حال من الأحوال، فقد قالت الجماهير كلمتها، وكلمة السر هنا في انكشاف عورة التنظيم حتى بات كيوم ولادته أمه، أو كما وضع بذرته المؤسس الأول حسن البنا من دون أي رتوش.

 قد تتعامل التنظيمات المتطرفة بذكاء ودهاء مع حركة الشارع وتكتسب جماهيرية ولكنها تكون مزيفة وغالباً ما تسقط سريعاً، وهذا ما دفعنا للحكم بيقين على سقوط “إخوان” تونس، وهنا نقول سقوط لا فشل، سقوط للتنظيم ولأفكاره وسط الجماهير التي يتحصن التنظيم بها وتمثل أداته نحو الانقلاب على كل قيم الحرية والديموقراطية والمشاركة والتسامح وغيرها مما غاب عن “الإخوان”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى