أقلام وأراء

منير أديب يكتب – المشاريع الاستعمارية وعلاقتها بجماعات الإسلام السياسي

منير أديب  *- 19/12/2020  

إذا دققنا النظر في المشاريع الاستعمارية التي تستهدف المنطقة العربية، وجدنا علاقة في ما بينها وبين جماعات العنف والتطرف والتمرد. قد تكون الأهداف المشتركة السبب في هذه العلاقة، وقد تكون الغايات المشتركة أيضاً أحد أسرار هذه العلاقة، حيث يسعى كلٌ منهما إلى غاية تبدو واحدة، وقد تكون الوسائل المستخدمة للوصول إلى هذه الغايات محل اتفاق واشتراك بينهما، وقد يكون مشروع الإسلام السياسي في حد ذاته مشروع استعماري.

ولكن الأهم في هذه العلاقة، التي نراها من الخطورة بمكان، هو عدم الانتباه إليها، رغم استخدام هذه المشاريع المحددة في المشروعين التركي والإيراني لجماعات الإسلام السياسي والعمل ضمن أهداف مشتركة بينهما في العلن، بهدف تفكيك مفهوم الدولة الوطنية، وهو ما يتيح لهذه المشاريع التوسع في إمبراطوريتها “الزائلة” وتحقيق حلمها الاستعماري على الحدود المجاورة لها.

المشروعان الإيراني والتركي من أخطر المشاريع الاستعمارية في منطقتنا العربية، فكلٌ منهما يُريد أن يُحي إمبراطوريته بعد موات، وكلٌ منهما يَحلم بالعودة ولكن على حساب الأخر، فوضعت تركيا مثلاً يدها في يد تنظيمات الإسلام السياسي بدءاً من حركة الإخوان المسلمين وانتهاءً بتنظيم “داعش” ومروراً بعشرات التنظيمات المحلية والإقليمية… غازلت هذه التنظيمات بالعمل ضمن مشروعها لإقامة الخلافة الإسلامية، بينما أرادت تركيا في الحقيقة أن تستفيد من ذلك بعودة إمبراطورية الأجداد ممثلة في الخلافة العثمانية.

أما بخصوص المشروع الإيراني الفارسي، فهو لا يختلف كثيراً عن المشروع التركي العثماني، الأول يُريد أن يُعيد الإمبراطورية الفارسية، وهي تسعى حقيقة إلى إعادة استعمار الأرض التي كانت تسيطر عليها هذه الإمبراطورية قديماً. ليس هذا فحسب، ولكن احتلال مزيد من الأرض، ولذلك تقوم إيران بتصدير مفهوم الثورة الإسلامية منذ عام 1979 إلى كل الدول المجاورة، وتنفق عشرات المليارات على أذرعها في الخارج حتى تحتل المزيد من الأرض، وهي ما أعلنت عنه على لسان أحد قادتها بقوله إنهم نجحوا في احتلال 4 عواصم عربية، وهنا يقصدون احتلال القرار بداخلها تمهيداً لاحتلال الأرض.

إيران وتركيا كانتا وما زالتا داعمتين لتنظيمات الإسلام السياسي، فكلٌ منهما يستهدف الدولة الوطنية، ولكل منهما أهداف لها علاقة بالاختراق والاحتلال، ولذلك لا نستغرب رعاية كل منهما لهذه التنظيمات… تركيا التي تستضيف قيادات وأمراء هذه التنظيمات على أراضيها وتقدم لهم كل الدعم على مختلف المستويات، فضلاً عن كونها ترى أن هذه التنظيمات امتداد لها في المنطقة أو ترى وجودها عربياً سوف يكون من خلالها، وتبقى العلاقة الشيء الأكيد بينهما.

أما في ما يتعلق بإيران، فهي الأخرى استضافت قيادات تنظيم “قاعدة الجهاد” ولا تزال على أراضيها، وقد كشف اغتيال أبو محمد المصري، أحد قيادات “القاعدة” داخل الأراضي الإيرانية مؤخراً اللثام عنها، وما زالت زوجات أسامة بن لادن في إقامتهن في طهران، وما زال صدى معاتبة أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم “داعش” والذي قتل في غارة أميركية قبل سنوات في مساجلاته مع الزعيم الحالي لـ”القاعدة” أيمن الظواهري، عندما أتهم الأول الثاني بأنه طلب منه عدم تنفيذ عمليات مسلحة ضد إيران، ما حدا به لوصف “القاعدة” بالعماله والخيانه وأنها تعمل لصالح إيران، وهو ما قاله في تسجيله الصوتي في هذه المساجلات قبل سنوات.

هذا الإتهام لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فتنظيم “داعش” الذي اتهم “القاعدة” بالعمالة لصالح طهران، هو نفسه الذي رفض تنفيذ أي عمليات ضد طهران رغم نشاطه في العراق منذ قيام دولته في 29 حزيران (يونيو) عام 2014 وحتى سقوطها في 22 آذار (مارس) عام 2019. وعلى كل الأحوال فإن هذه التنظيمات وغيرها ترى أن الدولة الإسلامية في إيران امتداداً لها أو على الأقل نجحت في إقناعها بذلك، ومن هنا نشأت العلاقة واستمرت.

استضافت إيران قيادات تنظيم “الجماعة الإسلامية” المسلحة في مصر على أراضيها في بداية التسعينات من القرن الماضي، وتحولت الأراضي الإيرانية إلى معسكرات تدريب لهذا التنظيم المتطرف عندما كان يقوم بتنفيذ عمليات مسلحة ضد الدولة في مصر وشرع في قتل المدنيين المختلفين معه والأقباط على وجه الخصوص. ليس هذا فحسب، وإنما مثلت إيران ملاذاً آمناً لأمراء هذه التنظيمات عندما واجهتهم الدولة في مصر ونجحت في إلقاء القبض عليهم وتفكيك خلاياهم المسلحة، فهربت هذه المجموعات إلى إيران أو طلبت إيران منهم أن يأتوا إليها، ويُضاف إلى هذا وذاك احتفاء طهران بقادة هذا التنظيم، فقد أطلقت إسم قاتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، خالد الإسلامبولي على أحد شوارع العاصمة في طهران، ومعروف أن الجماعة الإسلامية هي من أعدت وخططت لقتل الرئيس المصري بالتنسيق مع تنظيم “الجهاد الإسلامي”.

أهداف مشتركة تجمع تركيا وبتنظيمات الإسلام السياسي، فجماعات العنف والتطرف تسعى لإقامة ما تسميه بالخلافة الإسلامية وتقاتل من أجل ذلك، وهنا تدخل تركيا على الخط معتقدة أنها الدولة القادره على إعادة هذا الحلم، على اعتبار أنها كانت مقراً لهذه الخلافة قبل أن تسقط في عام 1924، وهنا تسعى الى عودة امبراطوريتها العثمانية، وهذا لا يعني اتفاق الأهداف أو اختصار هذه الأهداف بمجرد احتلال تركيا لأراض عربية، ولكن النظام السياسي في تركيا هيّأ الرأي العام للعمل مع هذه التنظيمات ضمن مشروع فكري وسياسي واحد، وهو متناغم بطبيعة الحال مع تنظيمات الإسلام السياسي.

خطر الدولتين ومشروعهما لا يقل عن خطر تنظيمات الإسلام السياسي، فكل منهما يتفق مع الآخر في أهدافه ووسائله وغاياته، ولا يمكن مواجهة هذه التنظيمات من دون مواجهة هاتين الدولتين ودعمهما لها، وإلا سوف يظل خطر الإرهاب يحوم حول العالم، ولعل هذا يُجيب على أسباب تقويض فرص مواجهة الإرهاب في المنطقة العربية، أو أسباب قوة هذه التنظيمات على الأقل في المنطقة.

ما زلنا نفتقد في منطقتنا العربية تصوراً كاملاً للعلاقة بين مشروع تركيا وإيران وتنظيمات الإسلام السياسي، وما زلنا نفتقد أي دراسة حقيقية لتفكيك خطر هذه المشاريع، كما لا يوجد مراكز دراسات تُعنى بصورة أساسية برسم ملامح هذه المشاريع من الزاوية المشار إليها. قد توجد دراسات تفصل القول في كل مشروع، لكن يندر دراسة هذه الظاهرة في شكل مفصل ولا يشرح في الأفق طريقة تفكيكها مع رصد ملامحها وتطورها.

لا بد من مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي، ولكن هذا لا يكفي، طالما كانت هناك دول داعمه لهذه التنظيمات، وهنا لا بد من مشروع للمواجهة وألا تقتصر هذه المواجهة على مجرد توجيه ضربات لهذه التنظيمات، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، فهذه المواجهة يجب أن تأخذ بُعداً أكبر بحيث تشمل الدول التي توفر حماية لتنظيمات العنف والتطرف، وهنا لا بد من مواجهة المشروعين معاً وفق رؤية مدروسة.

ختاماً، لا بد من قراءة تنظيمات الإسلام السياسي قراءة دقيقة، فأي قراءة يكون مصدرها المعلومات المجرده التي يُغلفها الفهم والإدراك يُساعد في مواجهة هذه التنظيمات، وأي مشروع استعماري يتحالف معه، ولا بد من السعي لتفكيك هذا المشروع وألا يتم اختصار مجموعة الأهداف في تفكيك هذه التنظيمات من الناحيتين الأمنية والعسكرية وأن يصل ذلك لبنية الأفكار والمشروع الذي تتحالف معه، فمواجهة كل منهما تصب في المواجهة الشاملة لظاهرتي الإرهاب والتطرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى